الوقت- أصدر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنذاراً أخيراً للشركات متعددة الجنسيات للتسريع بنقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض، وذلك وفق ما كشفت صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية. وقالت الصحيفة البريطانية، إن نقل المقرات الأقليمية للسعودية هو الحل الوحيد للحصول على عقود مربحة في المملكة في الوقت الذي أثار فيه هذا التهديد مخاوف جدية لدى الشركات الأجنبية التي لا ترغب في معظمها الانتقال من دبي إلى الرياض.
و أضافت الصحيفة، إن إصرار محمد بن سلمان على هذا الطلب أثار المخاوف لدى كبار المسؤولين التنفيذيين الأجانب الذين فضلوا لسنوات طويلة من الزمن اتخاذ مقرات إقليمية لشركاتهم في دبي، خاصة و أن دبي يسود فيها نمط حياة غربي بالمقارنة مع الثقافة شديدة المحافظة التي تتسم بها المملكة.
القرار، الذي أُعلن عنه في شباط الماضي، كان عبارى عن محاولة جريئة من محمد بن سلمان للدفع بطموحاته المتسارعة إلى تحويل الرياض عاصمة البلاد التي كانت خامدة ذات يوم إلى مركز الأعمال والتمويل الرئيسي في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب غربي آسيا وفق رؤيته وأحلامه التي تكاد لا تنتهي وتتسم بالأسطورية في بعض الأحيان.
كما أن القرار منح الشركات ثلاث سنوات للتكيف مع هذا القرار، الذي ستشرف على تنفيذه القطاعات الحكومية ومنها “ الوكالات والمؤسسات والصناديق المملوكة للدولة ”، ويدخل حيز التنفيذ في بداية عام 2024.
إلا أنه يبدو أن محمد بن سلمان ومن خلال إنذاره الأخير قد بدأ يفقد الأمل ويتخبط أكثر في مخططاته التي تفشل واحدة تلو الأخرى.
ردة فعل الشركات الأجنبية
ومن خلال تعليقهم على هذا القرار السعودي يقول أحد المدراء الإقليميين لشركة متعددة الجنسيات: “الجميع في فزع، اعتدنا أن تقدم لنا الحكومات الجزرة، لكن هذه المرة خرجت عصا كبيرة من الحقيبة بصراحة، هذا قرار مسيء”. ويقول المدير، وهو واحد من بين عدة مسؤولين توددت إليهم السعودية لتجبرهم على نقل مقراتهم إليها خلال الأشهر الأخيرة إن الشركات أمضت العقود الماضية وهي تتخذ من دبي مركزاً لها، والتي تعتبر المركز التجاري الإقليمي الرئيسي باعتبارها قاعدة انطلاق مثالية في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا.
ووفق الصحيفة البريطانية، ولي العهد محمد بن سلمان كان قد سعى لإغراء الشركات بنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض مقابل حوافز تشمل 50 عاماً من الإعفاء الضريبي للشركات والاستثناء من القواعد المتعلقة بحصص توظيف السعوديين في تلك الشركات، ومع ذلك، فعندما تم الإفصاح عن المبادرة علناً بمؤتمر مبادرة الاستثمار الرئيسي في كانون الثاني لم تجذب إلا 24 شركة فقط من الشركات متعددة الجنسيات للموافقة على هذه الخطوة.
ويقول مسؤول تنفيذي مقيم في دولة خليجية ويقوم بأعمال تجارية في السعودية: “إحساسي أنهم لم يحصلوا على الدفعة الكبيرة التي رغبوا فيها، لذلك قاموا بتصعيد الأمر لقد أرادوا أكثر من 100 شركة في البداية”.
صحيح أن السعودية لديها أكبر اقتصاد بالشرق الأوسط ، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم إضافة إلى سعي ولي العهد محمد بن سلمان لإنفاق مئات المليارات من الدولارات لتحديث المملكة وتنويع الاقتصاد إلا أن الثقافة السعودية شديدة المحافظة، والتي تفتقر إلى التنوع في المدارس الأجنبية المتاحة لديها واللازمة لاستقرار أُسر الموظفين الأجانب تحول دون تحقيق أحلام بن سلمان.
كما أن العديد من الشركات تشعر بالقلق من القيادة المتهورة لولي العهد محمد بن سلمان، علاوة على المخاطر المتعلقة بالسمعة السيئة لاسيما بعد واقعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء رسميين سعوديين.
هل تتمكن السعودية من مقارعة الإمارات؟!
تستخدم الشركات الأجنبية منذ سنوات عديدة دولة الإمارات كنقطة انطلاق لفعالياتها الإقليمية في الدول الأخرى بما في ذلك المملكة العربية السعودية. على الرغم من حجم السوق السعودي إلا أن نصيبها من المكاتب الإقليمية لا يزال خجولاً للغاية فهو لا يتجاوز 5% إلى الآن، وهذا ما جعل محمد بن سلمان يخطط لسحب البساط من تحت الإمارات الشقيقة! في قرار يضر بالدرجة الأولى بمصالح الإمارات العربية المتحدة. و بعد القرار التخبطي التزم المسؤولون الإماراتيون الصمت إلى أن خرج المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي ناصر الشيخ وكان لديه مايقوله للمملكة وكتب تغريدة على تويتر" أن هذا القرار يتعارض مع مبدأ السوق الخليجي الموحد" مضيفاً " التجارب العالمية و التاريخية أثبتتا أن الجذب القسري غير مستدام، والأجدى هو الارتقاء بالبيئة كما أعلنت المملكة و ستبهرنا" كانت هذه التغريدة كنوع من دس السم في الشراب حيث لايخفي بعض المراقبون الاماراتيون تخوفهم من الخطة السعودية. ويعتبر العديد من رجال الأعمال الاماراتيين أن هذا القرار ما هو إلا قرار مريع، و معادٍ للسوق والمنافسة و إرهاب للشركات.
كما يرى المراقب للمشهد السعودي الاماراتي المنافسة الخفية بين الدولتين بشكل جلي منذ وقت بعيد من خلال مشروع برج المملكة الذي تقدر قيمته بحوالي 20 مليار دولار والذي لم يكتمل بناؤه، والمعروف أيضا باسم برج جدة. وهو مشروع شركة المملكة القابضة التابعة للأمير الوليد بن طلال، أحد أكبر تجار السعودية، ويهدف هذا المعلم للتفوق على أطول برج في العالم حاليا، وهو برج خليفة في دبي ولكن مايزال تاريخ الانتهاء من هذا المشروع مجهول فالمملكة العربية السعودية لا تزال تقحم نفسها بمشاريع أكبر من حجمها!!!
صعوبات جمة في وجه ابن سلمان
ويرى محللون اقتصاديون أنه وإلى جانب منافسة الإمارات فقد جاء اتخاذ بن سلمان هذه الخطوة في وقت تواجه فيه المملكة العربية السعودية صعوبات جمَة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية التي تعد حجر الأساس في رؤية 2030 المتعثرة. و يتخبط الاقتصاد السعودي في أزماته، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الإيرادات بفعل تراجع أسعار النفط، إضافة إلى سياسة التقشف التي تتبعها السلطات فيما تحاول المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، تحفيز اقتصادها المتضرر بشدة جراء انخفاض أسعار الخام الذي يؤمن أكثر من ثلثي إيراداتها، والإغلاقات والمخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، و يبدو أن محمد بن سلمان ومن خلال إنذاره الأخير قد بدأ بالفعل يفقد الأمل ويتخبط أكثر في مخططاته التي تفشل واحدة تلو الأخرى.