الوقت- بعد أن عانت ما عانته سوريا من ويلات الحرب على مدار العشر سنوات الماضية، لم يقف العالم الغربي إلى جوارها أو ساندها للخروج من أزمتها، بل على العكس رأى بأن ما يحصل يصب في صالحه، على المستوى السياسي، فسوريا وإن كانت لا تملك موارد طبيعية بحجم بعض الدول إلا أن موقعها الجغرافي في قلب العالم وربطها الشرق بالغرب، يجعل الجميع يطمع بها، وبعد أن شتتت الحرب السوريين، ودفعتهم للجوء بدأ الغرب يقتنص الفرصة، ويكيل الاتهامات للحكومة السورية، وكذلك فعلت العديد من دول المنطقة، واليوم وبعد أن حققت هذه الدول مبتغاها بتدمير سوريا، لم تعد راغبة ببقاء السوريين على أراضيها، ومثال ذلك مؤخراً الدنمارك.
الحكومة السورية حذرت من استغلال اللاجئين، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إن "بعض الدول الغربية تتعامل مع ملف اللاجئين السوريين بطريقة مسيّسة، معتمدة على التضليل والضغوط على الدول المستضيفة للاجئين".
وخلال استقباله وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني رمزي مشرفية، قال المقداد: "سوريا ترحب بعودة كل اللاجئين إلى وطنهم وتقوم باتخاذ كل الإجراءات والتسهيلات التي تساعد في تهيئة الظروف التي تضمن عودة آمنة وأوضاعا معيشية جيدة للعائدين، ولكن بعض الدول الغربية تتعامل مع هذا الملف بطريقة مسيسة معتمدة على وسائل التضليل وتشويه الحقائق والضغوط على الدول المستضيفة للاجئين".
نزوح السوريين إلى خارج الحدود يضر بالدولة السورية كثيرا، وخاصة أن غالبية الدول المستقبلة استخدمت اللاجئين كورقة ضغط على الحكومة السورية، وكلما كانت الدولة السورية تقدم تسهيلات لعودة اللاجئين، كانت بعض الدول تضع العصي في الدولايب وتمنع عودة هؤلاء اللاجئين، حتى ان الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت على زيادة العقوبات على سوريا، لكي تعرقل عودة اللاجئين وتحول حياتهم إلى جحيم داخل بلادهم وخارجها.
سوريا وفي ظل الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها نتيجة الحصار الاقتصادي وتفشي كورونا، أقامت مؤتمراً لللاجئين وقد شكل خطوة مهمة في تاريخ الحرب السورية لما له أبعاد مهمة على الداخل والخارج السوري، وشكل رسالة واضحة لكل المشككين بنوايا الحكومة السورية ورغبتها بفتح الأبواب للاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم، وفي الوقت نفسه فضح ممارسات الدول الغربية واستخدامها أساليب سياسية قذرة لعرقلة الحلول السياسية في سوريا واستغلال اللاجئين لأغراض سياسية.
لعودة اللاجئين بُعد وطني وقومي بالنسبة للحكومة السورية، فهي تسعى جاهدة لإعادة مواطنيها بعد أن شتتهم الارهاب، واستغلتهم بعض الدول الغربية والاقليمية لأهداف سياسية.
معاناة اللاجئين اليوم كبيرة خارج الحدود وقد نقلت صحيفة الجارديان البريطانية شهادات حية عن معاناة اللاجئين السوريين الذين خدعهم نظام الرئيس التركي رجب أردوغان، بآمال الهجرة إلى أوروبا فيما كان يستخدهم كورقة ضغط من أجل تحقيق أهدافه الاستعمارية شمالي شرق سوريا.
ووفق الصحيفة، فإن أردوغان استخدمهم كبيادق سياسية من أجل الضغط على أوروبا، بينما ذاق اللاجئون الأمرّين بعد مات منهم الكثير وأصيبوا وأصبحوا بائسين جراء فقدهم ممتلكاتهم.
استخدام هؤلاء اللاجئين عناصر في تنظيمات دربتها وسلّحتها لإسقاط الحكومة السورية أولاً، ولتكسب نفوذاً لها داخل سوريا ثانياً.
الدنمارك هي نموذج أوروبي واضح عن تسييس الغرب لملف اللاجئين، حيث كشفت صحيفة بريطانية أن الدنمارك أصبحت أول دولة أوروبية تجرد اللاجئين السوريين من تصاريح إقامتهم، وطالبتهم بالعودة إلى ديارهم، لأن "دمشق الآن آمنة للعودة إليها".
ووفق "الإندبندينت"، تم سحب تصاريح 94 لاجئا سوريا ، حيث أصر وزير الهجرة الدنماركي، ماتياس تسفاي، الشهر الماضي على أن الدولة الاسكندنافية كانت "منفتحة وصادقة منذ البداية" بشأن الوضع في سوريا.
وأضاف تسفاي: "لقد أوضحنا للاجئين السوريين أن تصاريح إقامتهم مؤقتة. ويمكن سحبها إذا لم تعد هناك حاجة إلى الحماية".
وأعلن وزير الهجرة الدنماركي، ماتياس تسفاي، أنه تم سحب تصاريح 94 لاجئا سوريا.
ولاقى هذا القرار الدنماركي احتجاجا من قبل منظمة العفو الدولية، التي قالت للصحيفة البريطانية إنهم شعروا بأن هذا القرار كان "مروعا وانتهاكا طائشا لواجب الدنمارك في توفير اللجوء".
قد لا تبدو الأوضاع الحاليّة في سورية نموذجية، فالأضرار بالجملة والعقوبات الأمريكية تتعمّد تضييق الخناق، وتحتاج قرى وبلدات بأكملها إلى إعادة الإعمار، إلاّ أنها تتعثّر بفعل هذه السياسات، ولكن مهما بلغت الأوضاع سوءاً، لن تكون أسوأ من خيم اللّجوء في الشتاء، ومهما كانت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ضاغطة في الداخل، فأضرارها، مهما بلغت فداحتها، لن تساوي ضرر تسرّب جيلٍ كاملٍ من المدارس.
حاليا اللاجئون يعودون أدراجهم إلى بلادهم بعد أن ساءت الاوضاع في لبنان وغيرها من الدول، اذ أفاد مركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين بأن أكثر من 60 لاجئا سوريا عادوا إلى أرض الوطن خلال الــ24 ساعة الأخيرة. وقال المركز في نشرة إخبارية نُشرت على الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية: “خلال الــ24 ساعة الأخيرة عاد 63 لاجئا (منهم 19 امرأة و32 طفلا) إلى سوريا من لبنان عن طريق معبري جديدة يابوس و تلكلخ الحدوديين، بينما لم يشهد معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا عودة أي لاجئ.
وأضاف المركز إنه خلال الفترة ذاتها عاد 566 نازحا إلى أماكن إقامتهم الدائمة داخل البلاد.
عودة اللاجئين السوريين سوف تستمر، من لبنان ومن الحدود الاردنية، وحتى من تركيا، فالظروف المعيشية للاجئين في هذه الدول كارثية، وهم يعانون من نقص في كل شيء، والأهم اننا في موسم الشتاء، الامر الذي سيعقد الظروف أكثر فأكثر، وقد تكون الطريق طويلة لإعادة كل الأمور السوريّة إلى نصابها، ولكن ذلك لا يمنع من القيام ببعض الخطوات الممكنة حالياً، كموضوع اللاجئين ومؤتمر اليوم، ولا فرق بين أن تكون أولوية بعض الدول المشاركة في المؤتمر أخلاقية أو إنسانية أو اقتصادية، المهم ألا تكون النيّات السيئة مُبيّتة، والأهم ألاّ يكون السوري خاسراً، وهذا هو واقع المؤتمر بصورة عامة.
في الختام، الواضح جداً أن الحكومة السورية جادة في اعادة اللاجئين وفضح من يستغلهم سياسيا ومن لا يريد التعاون مع الحكومة السورية في هذا الموضوع لتخفيف معاناة اللاجئين، وتعنت الغرب يؤكد أنه هو من يقف خلف الازمة السورية ويفاقم من معاناة اللاجئين، وأنه جاهل بالواقع السوري، والموقف الاوروبي بالتحديد هو دليل واضح على تبعيته لسياسات الولايات المتحدة وعدم امتلاكه سياسة خارجية مستقلة وضعفه في مواجهة النظام التركي الذي يستخدم ورقة المهجرين السوريين واللاجئين لابتزازه والحصول على مكاسب مادية وسياسية.