الوقت_ عجت المواقع الإخباريّة بالخبر الذي تحدث أنّ فلسطين تلقت إشارات وُصفت بالإيجابيّة من جانب كيان الاحتلال الصهيونيّ، بشأن إمكانية تطوير حقل “غزة مارين” للغاز، الواقع قبالة شواطئ قطاع غزة المحاصر على البحر المتوسط، وعقب أيام من إعلان صندوق الاستثمار الفلسطينيّ، توقيع اتفاقية تفاهم لتطوير حقل غزة مارين والبنية التحتيّة اللازمة له، مع الشركة المصريّة القابضة للغازات الطبيعيّة “ايجاس"، قال مصدر رسميّ فلسطيني، إنّ الجانب المصريّ أيضاً تلقى إشارات إيجابيّة من تل أبيب للمضي قدماً في التوافق مع الفلسطينيين لتطوير الحقل الغازيّ.
محاولات جديّة
تملك فلسطين أول حقل اكتشف في منطقة شرق المتوسط نهاية تسعينيات القرن المنصرم، ويُطلق عليه اسم “غزة مارين”، ولم يتم استخراج الغاز منه مطلقاً، بسبب رفض الكيان الصهيونيّ المُحتل لطلبات فلسطينية من أجل استغلاله، ويقع الحقل الغازيّ على بعد 36 كيلو متراً غرب مدينة غزة في مياه المتوسط، وقد تم تطويره عام 2000 من طرف شركة الغاز البريطانيّة “بريتيش غاز”، التي تخارجت منه لمصلحة شركة "رويال داتش شل"، قبل أن تغادر هي الأخرى عام 2018.
وفي هذا الشأن، أوضح رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطينيّ أو ما يُعرف بـ "الصندوق السيادي"، محمد مصطفى، أنّ محاولات جدية تجري مع القاهرة لتطوير الحقل، وهو ما تم بتوقيع اتفاقية التفاهم، وذكر مصطفى الذي كان يتحدث ضمن فعالية مرتبطة بالطاقة الشمسيّة بالضفة الغربيّة، أنّ للمصريين ثقلهم السياسيّ والجغرافيّ وخبرتهم في القطاع الغازيّ، موضحاً أنّه بدعم من منتدى غاز "شرق المتوسط" المؤسس حديثاً قبل نحو عامين، أصبحت الفرصة أكبر لاستخراج الغاز من الحقل، حيث إنّ فلسطين هي عضو في هذا المنتدى، إلى جانب كل من مصر واليونان وإيطاليا والأردن وقبرص والكيان الصهيونيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ صندوق الاستثمار الفلسطينيّ يملك ما يُقدر بـ 27.5 بالمئة من الحقل ومثلها لمصلحة شركة اتحاد المقاولين (CCC) الخاصة، والنسبة المتبقية التي تمثل 45 بالمئة ستكون لمطوّر الحقل، وتعيد الاتفاقية الأخيرة الموقعة بين السلطة الفلسطينيّة والقاهرة، لتطوير حقل الغاز في قطاع غزة، تفاصيل سابقة تتعلق بهذا المسار، الذي واجه عدة عراقيل أجلها من الكيان الصهيونيّ.
وضع العراقيل
في ظل محاولات الاحتلال وضع العراقيل أمام الفلسطينيين لمنعهم من الاستفادة من هذا المورد الطبيعيّ المهم، الواقع على بعد 23 ميلاً بحرياً تقريباً، لا يزال حقل الغاز الفلسطيني الكبير حبيس الأرض وممنوعاً على أصحابه بقرار مباشر من سلطات العدو، رغم وجود اتفاقية تعطي الفلسطينيين حق الانتفاع منه.
يُذكر أنّه تم اكتشاف حقل "غزة مارين" قبل نحو عقدين من الزمن، ويحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعيّ تكفي لسد احتياجات الضفة الغربيّة وقطاع غزة لأكثر من ربع قرن، إضافة إلى إمكانية تصدير كميات منه، وفق مواقع إخباريّة، في الوقت الذي يُنظر فيه إلى حقل الغاز منذ فترة طويلة على أنّه "فرصة ذهبية" أمام السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، التي تعاني شحاً في السيولة الماليّة، للانضمام إلى المستفيدين من طفرة الغاز في البحر المتوسط، وهو ما يوفر لها مصدراً رئيساً للدخل، مقابل تقليص اعتمادها على المساعدات الأجنبيّة.
وما ينبغي ذكره أنّ الحقل يقع على مساحة تفوق 1000 كيلومتر، ما يعني أنه يحوي احتياطات كبيرة من الغاز، فيما يقع حقل غازيّ آخر أصغر حجماً قدرت كميات الغاز فيه بحوالي 3 مليارات متر مكعب ليس ببعيد عن حقل غزة مارين، لكن سياسة الاحتلال الصهيونيّ تجلت في استنزاف الحقل الحدوديّ الذي يقع في نطاق بحر غزة وسميّ "مارين2" حيث استغل واستهلك تماماً في العام 2012 من قبل الاحتلال الغاصب للأرض الفلسطينيّة والعربيّة.
يشار إلى أنّ، كمية الغاز الطبيعي الموجودة في حقل "غزة مارين" تبلغ حوالي 33 مليار متر مكعب، وفي حال تم تشغيل الحقل، فإنّ صافي أرباح السلطة الفلسطينيّة، من إنتاج الغاز وتصديره محلياً ودوليّاً سيبلغ نحو 150 مليون دولار سنوياً، وفق تقديرات رسميّة.
وعلى ما يبدو فإنّ سواحل غزة غنية بالغاز الطبيعيّ، وقد أعلن في العام 2014 عن اكتشاف حقل جديد بالقرب من سواحل غزة، وجرى اكتشاف الحقل بواسطة مجموعة من الصيادين الذين لاحظوا خروج فقاعات في منطقة لا تبعد عن ساحل المحافظة الوسطى سوى 300 متر، وبعد فحص عينات من الفقاعات من قبل مختصين في غزة تبين أنها غاز طبيعيّ.
تضييق صهيونيّ
يقوم الكيان الصهيونيّ المعتدي بتقييد خطط الإنتاج في الحقل، حيث عرقلت تل أبيب مد الأنابيب الخاصة بنقل الغاز، وكذلك بناء البنية التحتية لإيصال الغاز للمحطة، فيما تشترط نقله من خلال أنابيبها، وفي خطة قذرة للسيطرة على الحقل اشترط الكيان الغاشم أن ينقل الغاز من الحقل إلى محطة تسييل الغاز في عسقلان، ليوزع من هناك إلى غزة والضفة أو أي مكان آخر، إلا أن الشركة رفضت الخضوع للشروط الصهيونيّة.
ويعيق الكيان الصهيونيّ أيّ تطوير أو محاولة لاستخراج الغاز الطبيعيّ من الحقل، لكونه يحدد مساحة الإبحار للفلسطينيين بـ6 أميال بحرية فقط، فيما يقع الحقل على مسافة 23 ميلاً تقريباً، وتأتي الخطوة الصهيونيّة رغم أن قانون الإبحار المعتمد دولياً يعطي الحق للدول بالاستثمار في مياهها الإقليميّة التي تصل إلى 200 ميل بحريّ.
إضافة إلى ذلك، فإنّ مجموعة "رويال داتش شل" الإنجليزية - البريطانيّة تواجه أصعب عملية بيع لحقل "غزة مارين" في تاريخها، وتجاهد الشركة لإيجاد مشترٍ لحقلها البحريّ قبالة ساحل غزة، حتى بين شركات الطاقة التي لديها باع في التعامل مع المشروعات المحفوفة بالمخاطر السياسيّة والأمنيّة، لكنها تمكنت من بيع أصولها في هذا الحقل والتي بلغت قيمتها نحو 25 مليار دولار وذلك بهدف خفض ديونها، لتصبح "شل" المساهم الرئيس المشغل للحقل، عندما استحوذت على حصة مجموعة "BG" البريطانيّة في الحقل عام 2016 مقابل 54 مليار دولار.
صندوق أسود
يعتبر محللون اقتصاديون، أنّ غاز قطاع غزة يعتبر الصندوق الأسود الذي يحتوي على الكثير من الأسرار الخفية التي حُجبت وظلت إلى الآن حبيسة الأدراج، إضافة إلى أنّ الاستثمار المتعطل في حقول الغاز كان من المفترض أن يحقق نهضة حقيقيّة في كل مناحي الحياة في القطاع المُحاصر، من خلال العوائد الماليّة الضخمة، والمساهمة في حل الأزمات المالية التي تتعرض لها السلطة الفلسطينيّة والتخلص من الابتزاز الماليّ المستمر الذي يمارسه العدو القاتل، والتحرر من هيمنة تل أبيب على مصادر الطاقة في قطاع غزة والضفة الغربيّة.
كذلك، يرى البعض أن استثمار الحقل الغازيّ سيساهم في حل مشكلة الكهرباء التي تعاني منها غزة، وذلك من خلال تشغيل محطة توليد الكهرباء على الغاز الفلسطينيّ بما يؤدي إلى انخفاض تكاليف الكهرباء، وينعكس إيجاباً على معيشة الشعب الفلسطينيّ، وعلى كل القطاعات الاقتصاديّة والإنتاجيّة.
علاوة على ذلك، يسعى العدو الصهيونيّ بكل الطرق والأساليب للسيطرة على جميع الموارد الفلسطينيّة بما فيها غاز غزة من أجل فرض سيطرته وهيمنته على القرارات الفلسطينيّة، وحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى المشاريع التنمويّة التي تحررهم من التبعية الاقتصاديّة والماليّة للكيان الأرعن، الأمر الذي يجعلهم يستوردون ما نسبته 95% من الطاقة الكهربائيّة والوقود والغاز المنزليّ من الكيان الذي ينهب مُقدرات الشعب الفلسطينيّ، بمتوسط فاتورة سنوية تتخطى الـ 1.4 مليار دولار.