الوقت- لا تزال أمريكا ماضية في مشروعها التدميري في المنطقة على الرغم من قناعتها أنّ يدها لم تعد مطلقة فيها، وأنّ الميدان السوري قد طرأ عليه تبدلات جوهرية بعد إنشاء التحالف الرباعي بين روسيا وإيران وسوريا والعراق . فهي تعيش أزمة تراجع حضورها ونفوذها في الشرق الأوسط بعدما اثبتت مخططاتها فشلاً ذريعاً لم يُنتج إلا تأكيداً على إرهابها وعداوتها لكل من يخالف مصالحها. والتخبط الذي يحيط مواقفها وقراراتها السياسية ليس إلا تعبيراً عن المأزق الذي لن تستطيع الخروج منه مهما سعت هي وادواتها لدعم المجموعات الإرهابية بالسلاح لإحداث تغييرٍ في الميدان السوري خاصةً بعد دخول الجيش الروسي فيه.
أمريكا وصلت إلى مرحلة عدم إمتلاكها أي مبادرة لتغيير الواقع على الأرض وهي تسعى لربح نقاطٍ ولو قليلةٍ قبل أي تسوية ليست ظاهرة في الأفق قبل حسم المعركة مع الإرهاب على حدّ ما تؤكد المصادر العسكرية للتحالف الرباعي. وإستراتيجية إدارة المعركة من الخلف لن تثمر نتائج جوهرية في الميدان السوري، فالأمريكيون يصرحون بعدم جدوى الحلّ العسكري في سوريا وهم يقومون وأدواتهم بإرسال الإرهابيين والسلاح إلى سوريا.
فما هو السيناريو الأمريكي الجديد بعد الإخفاقات المتتالية في العراق وسوريا؟ وهل ستسعى أمريكا لإستدراج روسيا إلى مواجهة غير محسوبة النتائج؟ ولماذا تعيد تسليح الجموعات المسلحة على الرغم من تصريحاتها المرتبطة بالحل السياسي؟
تحليل الأحداث المتسارعة يؤكد عدم جدّية أمريكا بالتوصل إلى تسوية وحلّ سياسي للأزمة السورية، ومضيّها بمشروعها التدميري في المنطقة من خلال دعم المجموعات الإرهابية وإرسال السلاح إليهم وتغطية أعمال السعودية و"الکیان الإسرائيلي" وتركيا في سوريا.
وستسعى أمريكا في المرحلة المقبلة إلى زيادة دعمها بالسلاح النوعي للإرهابيين في سوريا من أجل الضغط على روسيا أو إستدراجها إلى تدخل برّي يمكن بعده إغراقها في مستنقع يستنزف قواتها ويكبدها خسائر ويدفعها لمراجعة حساباتها في سوريا. فبعدما سلّمت المجموعات التي دربتها امريكا قبل أشهر أسلحتها إلى جبهة النصرة عند أوّل مواجهة جدّية، وبعدما أقرّ الرئيس الاميركي باراك أوباما بفشل برنامج التدريب الذي يقوم به الجيش الأميركي لتجهيز المعارضة السورية قائلاً:"إن البرنامج لم يحقق أهدافه"، قامت طائرات تابعة لسلاح الجو الأميركي، وفق ما أفادت به قناة "سي ان ان" عن مسؤول أميركي، بإسقاط 50 طناً من الذخيرة للمسلحين في شمال سوريا، مضيفاً أن "الذخيرة نقلت عبر أربع طائرات شحن عسكرية من طراز "سي 17" ترافقها مقاتلات أميركية، وأنها تتكون من أسلحة خفيفة وقنابل يدوية كانت على وشك النفاد ". وأكد المسؤول الأميركي تسلمها من قبل من وصفهم بـ"الأصدقاء ". وقد أفادت بعض التقارير أنّ أطنان الذخائر الأمريكية لم تقتصر على الأسلحة الخفيفة بل شملت صواريخ نوعية مضادة للطائرات من أجل الحدّ من الغارات الجوية الروسية التي تدمر المجموعات الإرهابية دون تمييز بين أطيافها.
وقد أشارت معلومات صحفية عن قرب قيام عمليات عسكرية تستهدف قوات الجيش الروسي في سوريا بشكل مباشر بغية إلحاق خسائر بشرية في صفوفها. وقد جاءت هذه المعلومات لتتقاطع مع تصريحات أظهرت التوجه ذاته. فإذا عدنا قليلاً إلى الوراء لنحلّل تصريح وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، على هامش إجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في 8 أكتوبر الحالي، حيث أعلن أن التدخل الروسي في سوريا ستكون له عواقب وخيمة على روسيا نفسها، مؤكدًا بأنها "ستبدأ في تكبّد خسائر بشرية خلال الأيام المقبلة". وقد تلا هذا التصريح الإعلان عن إستراتيجية أمريكية جديدة لدعم المسلحين في سوريا حيث إستبدلت واشنطن البرنامج السابق لتدريب "المعارضة المعتدلة"، بتقديم الدعم المباشر لبعض تشكيلات الجيش السوري الحر، بحيث أعلن "البنتاغون" بأن أميركا ستقدّم سلاحاً وعتاداً لـ "قادة مختارين" في المعارضة السورية، وبأنها ستؤمن لهم غطاءً جوياً في معركتهم بوجه تنظيم "داعش ".
وفي السياق ذاته قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الخميس، خلال زياته تركيا، إن السعودية وتركيا ملتزمتان بدعم المعارضة السورية، في حين اعتبر وزير الخارجية التركي، فيريدون سنيرلي أوغلو، من جانبه أن "موسكو ترتكب خطأ واضحاً بتدخلها في سوريا، وتدخلها لن يجلب الخير لها ". وكان مسؤول سعودي قد أعلن لقناة "بي بي سي" البريطانية، بأن السعودية قررت مدّ الثوار السوريين بأسلحة متطورة، مؤكداً بأن بلاده ستقدّم المزيد من المعدات العسكرية للمجموعات التي تقاتل ضد الروس والإيرانيين وحزب الله وقوات الأسد في سوريا " ، كما ولم يستبعد أن يُزوّد الثوار بصواريخ أرض - جو ليتمكنوا من التصدّي للغارات الجوية التي يشنها الروس عليهم .
وتحدثت معلومات صحفية وتحليلات سياسية أنّ أمريكا أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات نوعية ضد الروس في سوريا، تهدف لإيقاع خسائر بشرية في صفوف الجيش الروسي على الأراضي السورية، وهذا ما يعتبر تطوراً لافتاً جداً في شكله ومضمونه وتوقيته. ويأتي ذلك مع إزدياد الدعم الأمريكي والسعودي والتركي بالسلاح النوعي للمسلحين الذين طلب بعض فصائلهم من الإدارة الأمريكية مدها بصواريخ مضادة للطائرات، حتى تتمكن من تحصين مواقعها من الطائرات الروسية التي جعلت غالبيتها حتى الآن من مواقع "المعارضة المعتدلة" هدفاً لها . وكان بعضهم قد حذروا عبر صحيفة "واشنطن بوست" من أنهم معرضون للخطر إن لم يحصلوا على مضادات للطائرات من شأنها مساعدتهم على مجابهة الغارات الروسية، بعد أن سبق وحصلوا على صواريخ "تاو" المضادة للدبابات من أميركا.
الإدارة الأمريكية مرتبكة وتعيش مأزق الخيارات للحفاظ على حضورها في المنطقة، لكنّ حروبها السابقة علمتها أن تدير المعركة من الخلف وتحارب بأدواتها التي على الرغم من الخذلان الأميركي المتكرر لها ما زالت تراهن عليها. وهم يعلمون أن الزمن الأمريكي بدأ بالأفول والتحولات الإستراتيجية الجديدة بدأت ترسم معادلات تؤكد التراجع الأمريكي. وهم يعرفون أنّ المواجهة مع روسيا مكلفة جداً والبديل هو الرضوخ والقبول بالأمر الواقع. فالمؤشرات تدلّ على أنّ أمريكا لن تبقى مكتوفة الأيدي لكنها لن تواجه روسيا بل كلفت أدواتها السعودية والتركية والإسرائيلية ومجموعاتهم الإرهابية بالقيام بالمهمة علّهم يبقون شيئاً من ماء وجهها.