الوقت- ضجة كبيرة أثارتها منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ الغاصب، حيث أوضحت أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها، ما أضاف تأكيداً جديداً من الإسرائيليين أنفسهم على منهجيّة الاحتلال العدوانيّة على أصحاب الأرض والمقدسات.
كيان عنصريّ
لم تخف المنظمة المناهضة كليّاً للاحتلال الصهيونيّ في تقريرها أنّ إحدى النقاط الرئيسة في نتائجها هي أنّ هذه منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وأوضحت أنّ هذه ليست ديمقراطية بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
وفي هذا الخصوص، بيّن مدير المنظمة الإسرائيليّ، حغاي العاد، أنّه من خلال تقسيم المناطق واستخدام وسائل سيطرة مختلفة، يخفي الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، وقال رئيس المنظمة "نحن لا نقول أنّ درجة التمييز التي يجب أنْ يتحملها الفلسطينيّ هي نفسها إذا كان أحد مواطني الكيان الاسرائيليّ أوْ إذا كان أيّ أحد آخر محاصراً في غزة، النقطة المهمة هي أنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر أي في فلسطين المحتلة.
ويُشار إلى أنّ منظمة "بتسيلم" تأسست في 3 شباط عام 1989 على يد إسرائيليين ذوي تأثير، بما فيهم محامون، أكاديميون، صحافيون، وأعضاء كنيست، وتهدف إلى توثيق وتثقيف الجمهور الإسرائيليّ بما يخص الاعتداءات على حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، ومحاربة ظاهرة إنكارها السائد بينهم، إضافة إلى ذلك تقوم المنظمة بانتقاد خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وتعد من أشد منتقدي الكيان الصهيونيّ الذين استخدموا مصطلح “أبرتهايد - الفصل العنصريّ” لعقود من الزمن، تذكيرًا بنظام الحكم الأبيض والفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا الذي انتهى عام 1994، فيما تُعرِّف المحكمة الجنائية الدوليّة "الأبرتهايد" بأنّه نظام مؤسسيّ لقمع وهيمنة منهجيين من قبل مجموعة عرقية واحدة، وفي السنوات الأخيرة مع ترسيخ الكيان الغاصب لاحتلاله الضفّة الغربيّة، تبنّى كتّاب إسرائيليون، وجنرالات سابقون وساسة معارضون لحكومتها اليمينيّة مصطلح “أبرتهايد” بشكل متزايد.
وفي هذا الشأن، يرفض العدو الصهيونيّ المعتدي المصطلح بشدة، ويزعم أنّ الحصار الذي يفرضه في غزة والضفة الغربيّة هي إجراءات مؤقتة مطلوبة للأمن بسبب ما يسميه الهجمات المتكررة التي تنطلق من تلك المناطق، ويشير مدير منظمة "بتسيلم" الإسرائيليّة، حغاي العاد إلى أنّ تطورين اثنين أخيرين غيّرا تفكير “بتسيلم”، الأوّل كان قانون القوميّة الذي تمّ تمريره في عام 2018 والذي يُعرِّف الكيان الصهيونيّ على أنه “الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ”، والثاني يتمثّل في خطط رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو لضمّ ما يصل إلى ثلث من الضفّة الغربيّة المحتلّة، بما في ذلك جميع المستوطنات اليهوديّة، التي يقطنها حوالي 500 ألف مُستوطِن، وقد تمّ تجميد هذه الخطة، المعروفة بـ”خطّة الضمّ” إلى أجل غير مسمى كجزء من اتفاق تطبيع تمّ التوصل إليه مع دولة الإمارات التي تصف نفسها بالعربيّة العام المنصرم، لكنّ نتنياهو أكّد مراراً أنّ تجميد الخطة مؤقت فقط.
علاوة على ما ذكر، ترى المنظمة الإسرائيليّة إضافة إلى منظمات حقوقية أخرى أنّ الحدود التي تفصل بين الكيان والضفة الغربيّة قد اختفت منذ فترة طويلة، على الأقل بالنسبة للمستوطنين الإسرائيليين، الذين يمكنهم التنقل بحرية ذهاباً وإياباً، بينما يُلزَم أصحاب الأرض الفلسطينيين بحمل تصاريح لدخول الأراضي المغتصبة.
وفي هذا الصدد، فإنّ ما تسمى “عمليّة السلام” بين الكيان الصهيونيّ الإجراميّ والقيادة الفلسطينيّة في رام الله متوقّفة منذ 6 أعوامٍ، الأمر الذي يؤدّي إلى ترسيخ الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ للمناطق منذ عام 1967، وخلُص تقرير المنظمة الحقوقيّة الإسرائيليّة إلى أنّه بعد أكثر من 50 عامًا، لم تكُن هذه الفترة الطويلة كافيةً لإدراك وفهم تبعات وتداعيات استمرار السيطرة الصهيونيّة على الأراضي المحتلة، في الوقت الذي يرى فيه رئيس المنظمة أنّه ينبغي على الناس إدراك الواقع، والتوقّف عن الحديث في مصطلحات مستقبليّة بشأن شيء حدث بالفعل.
وما ينبغي ذكره أنّ الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والقدس تقبع تحت سيطرة العدو الصهيونيّ الغاشم منذ عدوان حزيران عام 1967، في ظل تعنت صهيونيّ وغياب الرغبة الدوليّة، لإخراج قوات العدو من المناطق العربيّة التي احتلتها في عدوانها الهمجيّ، ومن ضمنها الجولان العربيّ السوريّ المغتصب.
إجرام صهيونيّ
قبل أسبوع فقط، قالت المنظمة الإسرائيليّة نفسها إنّ سلطات العدو هدمت 729 مبنى فلسطينياً ومرافق ومنشآت إنسانية حيوية خلال العام 2020، بحجة البناء غير المرخص، واعتبرت أنّ سلطات الكيان الوحشيّ شردت بفعل سياساتها 1006 فلسطينيين منهم 519 قاصراً عقب هدمها 273 منزلًا، مبيّنة أنّ تل أبيب تتذرّع بما تسميه إنفاذ القانون لكي تبرّر حملات هدم المنازل والمرافق والمنشآت، في الوقت الذي لا تمت فيه هذه السياسة إلى القانون بأيّ صلة.
ومن ناحية أخرى، اعتبرت المنظمة أنّ ما يعرف بـ "جهاز التخطيط" الذي أنشأه العدو للضفة الغربيّة ضمن الإدارة المدنيّة ولشرقيّ القدس عبر بلديّة القدس يكبح أيّ إمكانيّة للتطوير والبناء الفلسطينيّ، ويمنع الفلسطينيّين من بناء منازل لهم، معتبرة أنّ المهمّة الأساسيّة لهذا الجهاز هي "الهدم" عوضًا عن تخطيط البناء بما يلبّي احتياجات السكّان الحاليّة ويُعدّ لاحتياجاتهم المستقبليّة.
في غضون ذلك، أشارت "بتسليم" إلى أنّ قوات العدو قتلت خلال العام 2020 نحو 27 فلسطينيًّا منهم 7 قاصرين، ومن الشهداء 11 على الأقل استشهدوا دون أي مبرر، إذ لم يشكّل أيّ منهم خطرًا على حياة قوات الاحتلال أو غيرهم، سواء في لحظة إطلاق النار عليهم أو عمومًا، فيما تم توثيق 248 هجوما نفذه مستوطنون إسرائيليون على فلسطينيين، بالضفة الغربيّة، تنوعت ما بين هجمات جسديّة ورشق حجارة نحو منازل الفلسطينيين، واستهداف مزارعين أو ممتلكاتهم بضمنها 80 حادثة إتلاف أشجار ومزروعات أخرى أسفرت عن إتلاف أكثر من 3000 شجرة، في ظل دعم علنيّ ولا متناهي من قوات كيان الاحتلال المستبد، التي تساند المعتدين الصهاينة أثناء هجومهم فيما يقوم ما يطلق عليه "جهاز إنفاذ القانون" بمنع التحقيق في معظم الاعتداءات ويتيح إفلات المجرمين من المساءلة والمحاسبة.
وتشير المعطيات التي قدمتها المنظمة إلى أنّ الاعتداءات القليلة التي يتمّ التحقيق فيها تُغلق معظم ملفّاتها دون اتّخاذ أيّ إجراءات، إذ نادرًا ما حدث أن تمّ تقديم لائحة اتّهام، وفي هذه الحالات النادرة تضمّنت اللّوائح تهمًا لم تعكس الفظائع التي ارتكبها المعتدون، وفُرضت عليهم بالتالي عقوبات مثيرة للسّخريّة مقارنة بجرائمهم بحق الفلسطينيين.
ووفق ما ذكره التقرير الإسرائيليّ، فإن قوات الاحتلال المعتدية داهمت خلال عام 2020 قرى ومدنًا فلسطينية، 3000 مرة على الأقل، واقتحمت ما لا يقل عن 2480 منزلًا، ونصبت ما لا يقل عن 3524 حاجزًا فجائيًّا، إضافة إلى الحواجز الثابتة بالضفة الغربيّة المحتلة، ناهيك عن اعتقال ما لا يقلّ عن 2785 فلسطينيًّا، مع استخدام العُنف الكلاميّ والجسديّ بغض النظر عما يسببه ذلك من آثار نفسيّة على عائلاتهم.