الوقت- في أواخر كانون الأول الماضي، انتهكت عناصر من الجماعات الإرهابية المدعومة من أنقرة اتفاقية وقف إطلاق النار في شمال سوريا بعد 14 شهرًا من التوقيع عليها، مستهدفة مواقع لما يسمى قوات سوريا الديمقراطية في شمال محافظة الرقة. وفي الأيام الأخيرة، اشتبكت عناصر إرهابية، مدعومة بوحدات من الجيش التركي، عدة مرات مع الميليشيات الكردية (تحت قيادة أمريكية) على أطراف بلدة "عين عيسى"، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص خلال تلك الاشتباكات المتفرقة. وتنتشر قوات الجيش التركي والإرهابيون حاليا في بلدات "الخفية وتينة الجريد والتمامية ورسم عبود" في المحور الشمالي والشمالي الغربي لمدينة "عين عيسى" وتبعد هذه البلدات نحو ثلاثة كيلومترات ونصف عن مدينة "عين عيسى". ومن ناحية أخرى، لا تزال الميليشيات الكردية تحتل البوابات الشمالية لمدينة "عين عيسى" وبالتحديد بلدات "الملق وصيدا ومشيرفة".
وعلى هذا المنوال، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم الاثنين الماضي، أن الفصائل الموالية لأنقرة شنت هجوما على محاور بريف "عين عيسى" شمالي الرقة، حيث دارت اشتباكات عنيفة بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية. ويأتي الهجوم في محاولة من الفصائل، بإسناد صاروخي تركي، للوصول إلى طريق الحسكة – حلب الدولي وقطعه، وسط معلومات مؤكدة عن سقوط خسائر بشرية في صفوف الطرفين. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من صد الهجوم، وسقط في صفوفها 4 عناصر، وأصيب 7 آخرون. وصعدت القوات التركية والفصائل الموالية لها من هجماتها على بلدة عين عيسى، الواقعة في ريف الرقة الشمالي، منذ بدايات تشرين الثاني الماضي. ويتزامن ذلك مع مفاوضات مستمرة بين الجانب الروسي وقوات سوريا الديمقراطية حول تسليم البلدة لقوات النظام، لمنع التقدم التركي، حيث تضاربت الأنباء حول طبيعة الاتفاق. وقالت مصادر للمرصد السوري إنه من الصعب أن تنسحب قوات سوريا الديمقراطية بهذه البساطة، لاسيما من "عين عيسى" التي تملك أهمية استراتيجية بارزة ومركز ثقل كبير للغاية.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير أن احتلال مدينة "عين عيسى" الاستراتيجية وضواحيها هو الهدف الأول للحكومة التركية في شمال سوريا وذلك لأن له العديد من التداعيات، منها إغلاق الطريق السريع "إم فور"؛ الذي يبعد نحو 30 كم عن الحدود التركية. ومع إغلاق الطريق السريع "إم فور" ، سوف ينقطع مسار الاتصال وخطوط المساعدات للمليشيات الكردية التي تنتقل من الشمال الشرقي لمحافظة حلب والمناطق الغربية من محافظة الرقة إلى المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من محافظة الرقة ومحافظة الحسكة وبالتحديد بلدات "تل التمار، والقامشلي، والحسكة، إلخ". وباحتلالها لمدينة "عين عيسى"، تحاول الحكومة التركية إيجاد منطقة بديلة للجماعات الإرهابية لأنها تدرك أنها إذا خسرت المناطق المحتلة في محافظتي حلب وإدلب (باستثناء مناطق جنوب تركيا)، فلن يكون لها منطقة لنشر الإرهابيين الموالين لها.
إن الترويج للأفكار التوسعية والاستفادة من المفاوضات السياسية مع دمشق يعتبر جزءا آخر من هدف الحكومة التركية المتمثل في البدء بتحركات جديدة حول مدينة "عين عيسى"، ولكن في المقابل تجري روسيا محادثات بين الجانبين لتخفيف التوترات بينهما. ولقد دارت خلال الأسبوعين الماضيين محادثات مكثفة بين قادة مسلحي الأكراد وممثلين عن دمشق وموسكو، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق مشترك حتى الآن، وعارضت قوات سوريا الديمقراطية إخلاء مدينة "عين عيسى" ودخول قوات الجيش السوري إلى المدينة. ومن ناحية أخرى، أجرت الحكومة الروسية محادثات مع ممثلين عن الحكومة التركية لمنع تصعيد الصراع والسيطرة على الوضع، ولقد أدت هذه المحادثات لأول مرة منذ الأزمة السورية عام 2011، إلى سفر وفد من أنقرة إلى دمشق للتفاوض. ولقد رافق الوفد التركي الذي ذهب إلى سوريا شخصيات سياسية وضباط عسكريون وقوات مخابرات، ووفق بعض المصادر الاخبارية، فإن المحادثات الأولية بين أنقرة ودمشق جاءت لتخفيف التوتر في مدينة "عين عيسى". ولقد كانت قضية الدوريات العسكرية المشتركة للجيوش السورية والروسية والتركية في مدينة "عين عيسى" والمناطق المحيطة بها من النقاط الرئيسة في المحادثات بين دمشق وأنقرة، لكن لم يتم اتخاذ قرار بشأن تكليف الميليشيات الكردية.
ويبدو أنه إذا دخلت تركيا بحسن نية، فإن محادثات أنقرة ودمشق بشأن تخفيف التوترات في بلدة "عين عيسى" الواقعة شمال محافظة الرقة قد تكون مقدمة لإنهاء التوترات في الأجزاء الشمالية الأخرى من سوريا بعد تسع سنوات من المواجهة العسكرية. وتُظهر التطورات على الأرض أنه إذا اتخذت الحكومتان السورية والتركية خطوات لحل الخلافات العالقة بينهما، فسوف يضطر قادة الميليشيات الكردية على التخلي عن مواقعهم في مدينة "عين عيسى"، بل أيضا ستتغير موازين القوى في المناطق الشمالية المحتلة من سوريا.
ووفقًا للعديد من المصادر الاخبارية، يُنظر إلى الميليشيات الكردية على أنها خط المواجهة ضد دمشق وأنقرة لأنها تخدم مصالح واشنطن، ويمكن أن تصبح تهديدًا لحدود تركيا الجنوبية على المدى المتوسط إلى الطويل وهذا الامر قد دفع "أردوغان" إلى استنتاج أنه يجب على الأقل التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية بشأن الوضع في المدن التي يحتلها المسلحون الأكراد. وتحتل حالياً ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية أجزاء من محافظات حلب والرقة والحسكة ودير الزور في شمال غرب وشمال وشمال شرق سوريا.
