الوقت- لقد فقد السعوديون منذ فترة طويلة السيطرة على الحرب في اليمن، ولهذا تبحث المملكة العربية السعودية هذه الايام بشدة عن مخرج من المستنقع اليمني. وفي غضون ذلك، لم يُظهر مرور الوقت للرياض شيئًا أكثر وضوحًا من الهزيمة الحاسمة لتحالف العدوان السعودي واختلال توازن الحرب لصالح أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وهو ما يمكن رؤيته في زيادة تعرض عدداً كبيراً من المدن السعودية للهجمات الصاروخية اليمنية. وفي هذا الصدد، كشفت العديد من التقارير الاخبارية عن تعرض مسار نقل الوقود من الموانئ الغربية للمملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر إلى المحافظات الجنوبية من البلاد خلال الشهر الماضي لهجمات عديدة وانعدام أمن غير مسبوق. ولفتت تلك التقارير إلى أن تلك الهجمات استهدفت ما لا يقل عن ثلاث ناقلات سعودية مستأجرة لنقل المنتجات البترولية المنتجة في مصافي شرق البلاد من ميناء "ينبع" إلى الموانئ الجنوبية مثل ميناء "جدة" و"الشقيق"، دون أن يتمكن السعوديون من اتخاذ إجراءات فعالة لحماية التجارة البحرية الخاصة بهم.
وقد أعطا الضعف والثغرة الأمنية الكبيرة في دفاعات المملكة العربية السعودية التي وقفت عاجزة أمام قوات وضربات "أنصار الله" المتنامية، صنعاء مزيدًا من الثقة وذلك بعد الأزمة المالية الحالية التي تواجهها الرياض، نظرًا لاعتماد الاقتصاد السعودي الكبير على عائدات النفط ولهذا فقد أعطت حكومة صنعاء السعوديين إنذارًا نهائيًا بشأن ضرورة قبول مطالبهم في ساحة المعركة. وعليه، حذر وزير الخارجية في حكومة صنعاء "هشام شرف عبد الله"، السعودية في الأيام الأخيرة من أن الهجمات الانتقامية على موانئ دول التحالف ستكون على جدول الأعمال إذا لم يعّدل التحالف سياسته ويُنهي الحصار المفروض على اليمن. وقال إن "صنعاء لن تبقى غير مبالية كما يعتقد البعض، وإذا استمر حصار الموانئ اليمنية فلن تكون موانئ أعداء اليمن آمنة".
وتابع وزير الخارجية في حكومة الانقاذ: إن "إعلان دولتي العدوان السعودي الإماراتي المتكرر بشأن دعمهما للعمل الإنساني الإغاثي في اليمن، يصطدم بحقيقة استمرارهما بممارسة سياسة التجويع ومنع دخول السفن المحملة بالمشتقات النفطية". واعتبر "السماح بين الحين والآخر بدخول عدد بسيط من السفن المحملة ببعض أنواع محدودة من البضائع إلى ميناء الحديدة، هو بقصد ذر الرماد في العيون أمام المجتمع الدولي، في حين أن العدوان العسكري والحصار الشامل مستمران". وحذر "شرف"، التحالف من "استمرار اتباع سياسة التجويع"، ملوحا بشن هجمات انتقامية على موانئ دول مشاركة في التحالف، قائلا: "صنعاء لن تقف مكتوفة الأيدي كما يعتقد البعض، وموانئ اليمن إن استمر حصارها، فموانئ أعداء اليمن لن تكون بمأمن". ودعا وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ، المبعوث الأممي إلى اليمن "مارتن غريفيث"، وعدد من سفراء الدول الراعية لعملية السلام في اليمن، إلى "بذل المزيد من المساعي للإفراج الفوري عن السفن المحملة بالمشتقات النفطية والسماح بدخولها إلى ميناء الحديدة وتفريغها لإنهاء الأزمة الحادة".
ضرب الشرايين الحيوية للسعودية بالصواريخ اليمنية
كان عام 2019 بالتأكيد بداية تغيير جدي في معادلات الحرب، حيث بدأت موجة من الهجمات الصاروخية على أهداف استراتيجية في عمق الأراضي السعودية أصابت الرياض بالشلل التام. ولقد جرت عملية الردع الأولى في 17 آب / أغسطس 2019؛ عندما استهدفت طائرات مسيرة تابعة للجيش اليمني والجان الشعبية حقل "الشيبة" النفطي التابع لشركة أرامكو جنوب شرق السعودية، على بعد حوالي 10 كيلومترات من حدود الإمارات. ومن جهة أخرى، في 14 أيلول / سبتمبر 2019، نُفذت العملية الرادعة الثانية، والتي استهدفت خلالها منشآت أرامكو النفطية في منطقتي "بقيق وخريص" شرق السعودية بعشر طائرات مسيرة، وألحقت أضرارًا بنصف إنتاج النفط السعودي. ولقد عانت السعودية من آثار هذه الهجمات خلال الشهور الماضية، حيث منعت "بن سلمان" من بيع بعض أسهم أرامكو التي يحتاجها لإنقاذ اقتصاد بلاده، وبعد ذلك جاءت عمليتي الردع الثالثة والرابعة في فبراير ويونيو 2020 على التوالي والتي استهدفتا مجددًا أرامكو وأهدافًا عسكرية واستخباراتية في عمق الأراضي السعودية.
لقد تنامت قدرات "أنصار الله" خلال الفترة الماضية بشكل كبير وهذا ما تؤكده الهجمات الصاروخية التي شنوها في المملكة العربية السعودية، ونظرًا للدور الحاسم للموانئ في دورة التجارة الخارجية للمملكة العربية السعودية، فإن الضربات اليمنية التي قد تحصل في المستقبل على الموانئ السعودي سيكون لها أثر بالغ على الاقتصادي السعودي الذي يعاني من العديد من الازمات. ولفهم هذه القضية، يمكننا النظر إلى حجم الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها المملكة العربية السعودية في قطاع الموانئ في السنوات الأخيرة. ففي عام 2014، عقدت المملكة العربية السعودية أول مؤتمر تجاري بحري لها في مدينة الدمام الساحلية وخلال تلك الفترة قدمت الرياض العديد من الالتزامات بتوسيع القطاع البحري في جميع أنحاء البلاد، وعقدت جولتين أخريين من المؤتمرات التجارية خلال السنوات الماضية.
ومن أكبر المشاريع في هذا القطاع كان مجمع الملك سلمان الصناعي الدولي الذي تم افتتاحه في عام 2019 والخدمات البحرية والاستثمار المشترك بين أرامكو والشركة الوطنية السعودية للنقل (البحري) وشركة هيونداي للصناعات الثقيلة "لامبريل". وبحسب تقرير بنك الاستثمار السعودي الذي نشر عام 2018، فإن هذا المجمع سينتهي في عام 2022. وبحسب مسؤولين سعوديين، فإن الاستثمارات في هذا المشروع تبلغ نحو 45 مليار ريال، ويهدف هذا المشروع إلى تأمين 64 مليار ريال (17 مليار دولار) سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز استبدال الواردات بالمنتجات والخدمات البحرية، وخلق أكثر من 80 ألف فرصة عمل مباشرة حتى عام 2030.
أن هذه السلسلة من الهجمات واسعة النطاق وغير المسبوقة التي وقعت خلال الفترة القليلة الماضية والتي لم يتم الإعلان عن مسؤوليتها حتى الآن من قبل أي فرد أو جماعة أو دولة، تسببت في حالة من الذعر الشديد بين المسؤولين السعوديين وعطلت طريق عبور الوقود في البلاد إلى المحافظات الجنوبية السعودية مثل جيزان وعسير. وذلك لأن شحنات الوقود للاستهلاك الحضري والصناعي إلى جنوب السعودية تتم فقط عبر هذا المسار للبحر الأحمر، ومع استمرار هذه الهجمات، قد ترفض السفن الأجنبية التي استأجرتها حكومة "آل سعود" نقل شحنات النفط في هذا البلد وستواجه البلاد أزمة كبيرة من حيث الأمن البحري لسواحلها.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن أهم ميناء في المملكة العربية السعودية هو ميناء جدة، وهو أيضًا أحد أهم موانئ الشرق الأوسط الذي يقع على شواطئ البحر الأحمر وهو أكبر ميناء على البحر الأحمر والمسافة من ميناء جدة إلى مناطق "أنصار الله" في اليمن أكثر من 800 كيلومتر. وميناء الدمام هو ثاني أكبر ميناء في المملكة العربية السعودية، ويقع على شواطئ الخليج الفارسي. وهذا الميناء هو أحد الموانئ الرئيسية الأخرى في المملكة العربية السعودية، والذي يبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن صنعاء، ويحتوي هذا الميناء على 56 مرفأ متعددة الأغراض وعدد كبير من أرصفة الصيد لرسو السفن. وميناء الجبيل الواقع على شواطئ الخليج الفارسي يقع على بعد 1500 كم من اليمن وميناء جيزان الواقع على البحر الأحمر يبعد عن اليمن حوالي 230 كم وميناء الشقيق الواقع على البحر الأحمر يقع على بعد 500 كم من اليمن.
ويشير التهديد الذي تتعرض له الموانئ السعودية، نظرًا لبعدها الكبير عن الأراضي اليمنية، إلى زيادة واسعة في المستويات العسكرية والدفاعية لجماعة "أنصار الله" ضد المعتدين، وتؤكد على حدوث تحولًا كبيرًا في معادلات الحرب، وأن السعودية ليس لديها خيار سوى الامتثال لمطالب اليمن بإنهاء حصارها اللاإنساني.