الوقت - مع انطلاق عملية التسوية في تسعينيات القرن الماضي، والتي كان يتبعها الکيان الصهيوني خوفاً من اندلاع انتفاضة فلسطينية، ظهر هنالك خلاف بين الفصائل الفلسطينية قسَّم الفلسطينيين إلى مجموعتين.
ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن الفصائل الفلسطينية من الجلوس معاً على طاولة واحدة، وحتى لو اجتمعت في بعض الأحيان بمساعدة وسيط ما، کان الاجتماع ينتهي دون نتيجة تُذکر، وحتى الاتفاقات التي وقعتها بقيت حبراً علی الورق ولم يتم تنفيذ أي منها.
جذور الخلاف
الأمر الذي خلق شرخاً خطيراً بين الفصائل الفلسطينية هو نهجهم العسكري والنضالي.
في بداية عملية التسوية، غيرت منظمة التحرير الفلسطينية مع مجموعة من مجموعاتها الفرعية، مسار نضالها من أجل تحرير فلسطين من الكفاح المسلح إلى الكفاح السلمي والمدني، إلى جانب المفاوضات مع الکيان الصهيوني.
وكانت هذه هي نقطة الخلاف الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية ومجموعاتها الفرعية وفصائل المقاومة. وکان المتنازلون المؤيدون للتسوية يسعون إلى إقامة دولة فلسطينية في جزء صغير من فلسطين، كانت أقل من 20 في المئة من فلسطين التاريخية.
كان الخلاف الثاني، الذي نشأ عن سياسة التسوية، أكثر جذريةً من الأول. منظمة التحرير الفلسطينية، التي اتَّجهت نحو التفاوض مع الکيان الصهيوني من أجل حقوق الفلسطينيين، لم يكن بوسعها الدخول في مفاوضات مع الکيان دون الاعتراف به.
ولذلك، وفقاً للقرارين 242 و 338، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية أولاً بالکيان الصهيوني، ثم جلست إلى طاولة المفاوضات مع هذا الکيان.
لم يكن الاعتراف بالکيان الصهيوني أمراً تقبل به فصائل المقاومة، وهكذا، تزايدت الخلافات بين الجانبين يوماً بعد يوم، حتى إن الاتفاقات الموقعة بين فتح وحماس بين عامي 2005 و2017 تحت عنوان المصالحة الوطنية الفلسطينية لم تنفَّذ عملياً، والمجموعات التي تشكلت لتنفيذ الاتفاقات ترکت كلها مهمتها دون التوصل إلى نتيجة.
الفرصة التي خلقتها صفقة القرن وتطبيع العلاقات
مع انطلاق العملية الجديدة للإدارة الأمريکية لحل القضية الفلسطينية - والتي تجسدت في ما يسمى "صفقة القرن" -، وجد تيار التسوية نفسه في عزلة تامة، إذ لم يتم تحديد دور له في هذه العملية، ولم تعد المطالب الأساسية للفلسطينيين والتي كانت هدف التفاوض لما يقرب من ثلاثة عقود موجودةً في هذه العملية.
والسبب في ذلك أن خطة ترامب المسماة "صفقة القرن"، ومن خلال إدخال مقاربة جديدة للمفاوضات تحت عنوان "الدولة الواحدة"، قد تخلَّت عن كل ما أراده تيار التسوية من التفاوض مع الکيان الصهيوني.
والآن لم يكن لدى الفلسطينيين الذين سلکوا طريق التسوية ما يدافعون عنه، حيث ذهب أدراج الرياح کل ما اکتسبوه ما يقرب من ثلاثة عقود من المفاوضات مع الکيان الصهيوني في لحظة واحدة.
تطبيع العلاقات وجَّه الضربة القاضية علی تيار التسوية من الفلسطينيين. فعندما قامت الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع الصهاينة، رأى محمود عباس والتيار الموافق له فجأةً أن ما طرحه الصهاينة والأميركيون ينفذه العرب الذين يدعمون عباس وتياره في الظاهر.
كانت هذه الخطوة مستهجنةً لأنه في المشاريع الأولية للإدارات الأمريكية، كان من المقرر أن تقيم الدول العربية العلاقات مع الکيان الصهيوني بعد حل القضية الفلسطينية، وكان حل القضية الفلسطينية في الواقع شرطًاً لتطبيع العلاقات.
لكن الإمارات والبحرين قد اتخذتا فجأةً إجراءً كان جزءاً مما يسمى "صفقة القرن" لدونالد ترامب. في صفقة القرن هذه، تم عكس الطلب الأولي لمشروع التسوية، وأعلن ترامب أن العلاقات بين الدول العربية والکيان الصهيوني يمكن أن تساعد في حل القضية الفلسطينية، ولذلك فإن هذه العلاقات لا تخضع لحل القضية الفلسطينية.
أولى خطوات الوحدة
عندما قدم ترامب الشق الاقتصادي من صفقة القرن فيما يسمى بورشة المنامة في يونيو 2019، كان الفلسطينيون أول المحتجين، وعقدوا اجتماعاً مشتركاً مع فصائل المقاومة في بيروت للتعامل مع تلك الورشة.
وكان هذا الاجتماع هو أول لقاء تطوعي للفصائل الفلسطينية في تاريخ احتلال فلسطين، والذي عُقد دون وساطة وسطاء إقليميين ودوليين؛ وهو لقاءٌ أرعب الصهاينة والأمريكان.
الخطوة الثانية من الوحدة
أصبحت وحدة الفلسطينيين أكثر جديةً عندما نشرت وسائل الإعلام نبأ تطبيع علاقات الإمارات مع الكيان الصهيوني.
نشر هذا الخبر أيقظ تيار التسوية من الفلسطينيين من جهلهم، وأدركوا أن الدول التي تبدو مؤيدةً للفلسطينيين في الظاهر قد طعنت الشعب الفلسطيني في ظهره؛ طعنةٌ هي أكثر إيلاماً للمتنازلين الفلسطينيين، لأنهم كانوا يأتمرون ويخضعون لهذه الدول العربية التي کانت تبدو داعمةً لهم منذ سنوات، لكنهم الآن لا يملكون جوابًا للشعب الفلسطيني بشأن خيانة هذه الدول نفسها.
ولذلك، عُقد اجتماع مشترك لكل الفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله، لتأسيس قيادة موحدة واتخاذ موقف مشترك ضد الإجراءات التي تتخذها الدول العربية.
إجراءٌ يناسب تطبيع الدول العربية علاقاتها مع الکيان الصهيوني
اتخذت الإمارات والبحرين خطوات عملية لتطبيع العلاقات، فاستجابت الفصائل الفلسطينية باتخاذ خطوات عملية "للرد بالمثل".
في قمة بيروت، شكلت الفصائل الفلسطينية لجانًا مشتركةً لإنشاء قيادة واحدة لجميع الفصائل الفلسطينية، وكان هذا في حين أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح قد علقتا جميع اتفاقياتهما، بما في ذلك التنسيق الأمني.
لكن العمل الميداني للفصائل الفلسطينية كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة اسطنبول، لإجراء الانتخابات الفلسطينية الثلاث في أقل من ستة أشهر، وهي خطوة فشلوا في تحقيقها على مدى العقود الثلاثة الماضية.
تاريخ الانتخابات الفلسطينية
أجرى الفلسطينيون ثلاثة انتخابات مهمة في فلسطين، وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجالس المحلية.
جرت أول انتخابات فلسطينية بعد دخول ياسر عرفات قطاع غزة عام 1994. وفي ذلك الوقت، انتُخب ياسر عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية.
والجولة التالية من الانتخابات الرئاسية قد جرت بعد وفاة عرفات عام 2005، وأصبح محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية. ومنذ ذلك الحين، لم تجر أي انتخابات رئاسية، لأن الخلافات بين فتح وحماس سبَّبت عقبات جادة من قبل أعضاء فتح لإجراء هذه الانتخابات.
كما أجريت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006، ولم تجر منذ ذلك الحين، لأن حركة حماس فازت بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي الذي أغلقه مؤيدو الصهاينة في الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية.
أما انتخابات المجالس المحلية فقد أجريت مرةً في عام 2008 في جميع أنحاء فلسطين، وأخری في عام 2017 في الضفة الغربية وحدها.
يكشف تاريخ الانتخابات الفلسطينية عن الخلافات بين الأحزاب والفصائل. لکن الفصائل الفلسطينية الآن على وشك حدث تاريخي لم يحدث حتی الآن.
ويمكن لإجراء الانتخابات الفلسطينية الثلاث، والتي لم تجر حتى الآن، أن تبشر بمستقبل مشرق للغاية للشعب الفلسطيني وفلسطين نفسها، التي لم تر الوحدة خلال 72 عاماً من الاحتلال.