الوقت- تمر ليبيا بأزمة وحرب دموية منذ عام 2011 في أعقاب سقوط الدكتاتور السابق "معمر القذافي"، وحتى الآن لم تنجح أي جهود دولية لإحلال السلام بين الأطراف المتحاربة. وليبيا تحكمها حاليا حكومتان، حيث توجد هناك حكومة "فايز السراج" في غرب ليبيا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتي تدعمها تركيا وقطر مالياً وعسكرياً. ومن ناحية أخرى، تقع أجزاء كبيرة من جنوب وشرق ليبيا تحت سيطرة الجنرال "خليفة حفتر"، المدعوم من قبل مصر والإمارات وروسيا.
ومؤخرا عقدت العديد من الاجتماعات لحل القضية الليبية، كان من أهمها المباحثات الليبية التي حضرها ممثلي الحكومة الليبية الرسمية وبعض لجان مجلس النواب الداعمة لـ"خليفة حفتر" شرقي البلاد في الـ 7 سبتمبر الماضي في مدينة بوزنيقة، الواقعة جنوب العاصمة المغربية الرباط. وبعد ذلك، عقد اجتماع في العاصمة الالمانية "برلين". وفي الآونة الأخيرة، تابع ممثلو 16 دولة وممثلي عن الأمم المتحدة عملية السلام في ليبيا ونتائج مؤتمر "برلين" عبر الفيديو كونفرانس وكان الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" ووزير الخارجية الألماني "هايكو موس" من بين المشاركين في هذه الجلسة.
الجدير بالذكر أنه بعد تصاعد الأزمة الليبية، دعت ألمانيا القوى العالمية والجهات الفاعلة الإقليمية إلى مؤتمر سلام حول ليبيا قبل أشهر للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار. وفي غضون ذلك، استضافت "باريس" القمة الليبية يوم الخميس الموافق 18 سبتمبر الماضي. ويبدو أن ذلك الاجتماع كان مقدمة لجهود المجموعة الاستشارية لقصر الإليزيه لحل الأزمة الليبية، حيث تريد باريس وضع حد للتوسع التركي بأي طريقة ممكنة.
لقد أدت الخلافات بين "خليفة حفتر"، ضابط الانقلاب الليبي، وحكومة "فايز السراج" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين إلى استقطابات جديدة في ليبيا منذ الإطاحة بالرئيس السابق "معمر القذافي". ومنذ انتخاب السيد "فايز السراج" من قبل الشعب الليبي، حاول الجنرال "خليفة حفتر"، بالاعتماد على مساعدة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات، الإطاحة بحكومة "فايز السراج" باستخدام القوة العسكرية. ومن ناحية أخرى، كثفت تركيا، كدولة مؤثرة في المنطقة، نفوذها العسكري في ليبيا بسبب ميولها الأيديولوجية نحو الإخوان المسلمين والحجم الكبير لاستثماراتها في ليبيا إبان سقوط نظام "القذافي"، والتي بلغت 20 مليار دولار مع حكومة السيد "السراج".
وهكذا، وبسبب المخاوف الغربية من توسع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، خاصة على ساحل البحر المتوسط، سعت الدول الغربية إلى إيجاد حل وسط لإنهاء الصراع الدموي في ليبيا. ولهذا السبب، جرت سلسلة محادثات في المغرب وباريس بين ممثلين عن حكومة "فايز السراج" والجنرال "خليفة حفتر". وفي ألمانيا عقد لقاء بين "السراج" و"حفتر" لكنه فشل بسبب حدوث خلاف بين الجانبين. وتحاول بعض الدول الغربية ومصر الآن إنهاء الأزمة لأنها تشترك في حدود مع ليبيا، لكن تركيا تعارض أي حكم للجنرال "حفتر".
وكان أهم إنجاز لهذه المفاوضات والاجتماعات هو أنه بعد وقف إطلاق النار الكامل، كان من المقرر تشكيل حكومة وحدة وطنية ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. بالطبع، لم يتم تنفيذ أي من هذه الخطط حتى الآن. في الواقع، لقد تم اقتراح وقف اطلاق النار في الوقت الحالي، لكن في كل مرة يتم فيها انتهاك هذا الاتفاق من قبل الجنرال "خليفة حفتر". وتجدر الإشارة إلى أن لكل من "حفتر" و"السراج" اتجاهات مختلفة، فعلى سبيل المثال، لدى الجنرال "حفتر" ميول معادية للإسلام و"فايز السراج" لديه ميول إسلامية. ومن الناحية الطائفية، نرى أيضًا أن عددا من القبائل الليبية تدعم إما "حفتر" أو "السراج"، وهذا الامر أعاق تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي الوقت نفسه، ففي أزمة مثل الأزمة الليبية، لا ينبغي التغاضي عن التدخل الأجنبي؛ خاصتاً وأن هذه التدخلات الخارجية تسعى للسيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وآبار النفط في ليبيا، وهدف تلك التدخلات أيضا هو أن تشكل الدول الغربية حكومة موالية للغرب للسيطرة على موارد البلاد النفطية. وفي غضون ذلك، ولسوء الحظ، فإن الوضع في ليبيا شديد الخطورة لدرجة أن الجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا تعمل على تفكيك ليبيا وإنشاء حكومتين مختلفتين في البلاد؛ لذلك، إذا استمرت الحرب، قد تنقسم ليبيا، مثل السودان، إلى جزئين شرقي وغربي. وفي الوقت الحاضر، وبسبب إسراف كل طرف وتحيزه، لا يمكن تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويرى العديد من الخبراء السياسيين أن الفوضى التي غرقت فيها ليبيا تعتبر تبريرا للتدخلات الأجنبية المختلفة، كما يُنظر إليها كنتيجة لفشل سياسي في مواجهة العنف وتفتيت البلاد. ويأتي انسداد الطريق أمام المبادرات السياسية المختلفة في سبيل ضمان انتقال سلمي وتوافقي، بالإضافة إلى الخلاف الدائم بين نُخبها، ليؤكد هذا الفشل. ما قوّى بالنسبة لبعض القوى الدولية إغراء الحلّ العسكري والإيمان بـ "الرجل القوي". لقد أصبحت القوى الأجنبية الفّاعل الرئيس والمباشر في الصراع وقد أدّى انخراط دولتين عضوين في مجلس الأمن الدولي أي "روسيا وفرنسا" إلى تحييد هيئة الأمم المتحدة، ومنع أي محاولة لكبح التدخلات الأجنبية لتفادي تصعيد الصّراع. حتى اليوم لم تستطع الأمم المتحدة حتى التصويت حتى على قرار يدين الهجوم، ناهيك عن اتخاذ أي خطوة لمحاولة وضع حد له. كما أسفر دعم فرنسا لـ"حفتر" وصراع النفوذ بينها وبين إيطاليا عن تحييد أوروبا في الملف الليبي.
ويرى بعض الباحثين أن هذه التدخلات الأجنبية تهدد أي جهود أممية للتوفيق بين الأطراف المتصارعة وحل النزاع في ليبيا، وحول هذا السياق، يحذر الباحث الألماني المختص بالشأن الليبي، "ولفرام لاخه"، من احتمال تحول الصراع في ليبيا إلى مواجهة مباشرة بين القوى الأقليمية بدلا من المواجهات بين الفصائل التي تدعمها، بعد التصعيد الأخير بين تركيا ومصر وإجازة برلمانيهما إرسال قوات عسكرية، مشيرا إلى أن روسيا وتركيا تسعيان لعقد صفقة بينهما لتقاسم النفوذ في ليبيا بينما ترفض مصر والإمارات وفرنسا والولايات المتحدة ذلك. ويرى "لاخه"، أنه كان من المؤكد أن القوى الأجنبية ستتورط في الحرب الأهلية، فليبيا غنيمة مرغوبة، إذ لديها أكبر احتياطيات من النفط والغاز في أفريقيا، بينما لا يتجاوز عدد سكانها سبعة ملايين نسمة. ووضح "لاخه"، أن التنافس على شحنات الأسلحة والدعم الخارجي أدى منذ البداية إلى ظهور توترات بين الجماعات التي انتفضت على نظام القذافي، وأن تأسيس القوى الخارجية لروابط مباشرة مع أطراف فاعلة على الأرض قاد لاحقا إلى واقع التشرذم والتجزئة الذي تعيشه ليبيا بين هذه الأطراف المتصارعة على السلطة.
وفي الختام تجدر الاشارة إلى أن المحادثات والاجتماعات التي عقدت خلال الفترة الماضية، تهدف إلى تحقيق اتفاق نسبي بين الجانبين وإجراء انتخابات مبكرة وعادلة، حيث يشارك كل من الجنرال "خليفة حفتر" و"فايز السراج" بحرية في الانتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة، أي تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة لانتخاب رئيس للجمهورية في ضوء ذلك. ومع ذلك، وبالنظر إلى العقبات والمشاكل، فإن مثل هذه العملية ستكون صعبة للغاية وبعيدة عن التصور.