الوقت- يتعرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لضغوط دولية كبيرة منذ العام 2017 الذي كان شاهداً على انطلاقة "صفقة القرن" ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنذ ذلك الحين وعباس رافض لهذه "الصفقة" وجميع أشكالها، ومع ذلك لا تزال اسرائيل والقيادة الأمريكية تقدم له المزيد من الاغراءات للقبول بالصفقة، واليوم الضغوط عليه زادت أضعافاً مضاعفة بعد الطعنة التي تلقتها القضية الفلسطينية في الظهر من قبل الامارات والبحرين، فالتطبيع الذي أقدمت عليه أبو ظبي والمنامة زاد من حدة الضغط على الفلسطينيين وأصبح بمثابة ورقة قوة لمصلحة الصهاينة ومع ذلك رفض عباس جميع العروض المقدمة.
آخر هذه العروض كشف عنها السبت، نائب رئيس حركة "فتح"، محمود العالول، حيث رفض الرئيس محمود عباس الرضوخ لضغوط عربية ودولية للتحاور مع الإدارة الأمريكية، وقبول أموال "المقاصة" التي تجبيها إسرائيل.
وقال العالول، في مقابلة مع تلفزيون "فلسطين" (رسمي)، إن "الرئيس عباس تعرض لضغوط دولية غير مسبوقة ومن الأشقاء العرب للجلوس مع الإدارة الأمريكية وأخذ أموال المقاصة لكنه يرفض".
وأضاف: "الخيار الفلسطيني في هذه المرحلة هو التصدي لهذا التحدي، لأن الجميع يدرك أنهم (لم يسمهم) يريدون تصفية القضية الفلسطينية"، وشدد العالول على أن القيادة الفلسطينية "لن تعود إلى ما كانت عليه الوضع قبل وقف التنسيق مع الاحتلال".
طبعاً أموال المقاصة، هي إيرادات ضريبية فلسطينية على السلع الواردة من إسرائيل أو عبرها، تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة وتحولها للخزينة الفلسطينية نهاية كل شهر بعد اقتطاع عمولة 3 بالمئة، ولم تتسلم الحكومة الفلسطينية أموال الضرائب، منذ أيار الماضي، امتثالا لتعليمات الرئيس عباس، بوقف مختلف أشكال التنسيق مع إسرائيل.
وفي 19 أيار الماضي، أعلن الرئيس عباس أن القيادة الفلسطينية في حلّ من الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة، مع أمريكا وإسرائيل، بسبب قرار الأخيرة ضم أجزاء من الضفة الغربية لسيادتها.
إذاً الخيار الفلسطيني واضح على جميع الجبهات، ان كان من قبل السلطة الفلسطينية أو حماس، وما يقوم به محمود عباس هو امر ايجابي لمسار المصالحة الفلسطينية_الفلسطينية فهو يعزز التلاحم الفلسطيني ويحد من الضغوط الاسرائيلية والأمريكية وحتى العربية على حركة حماس في قطاع غزة، وهذا ما كانت تريده واشنطن وتل ابيب، فهي كانت تسعى لتعزيز الشرخ الفلسطيني وايقاف حالة التقارب التي تتشكل يوما بعد يوم، لأن الوحدة الفلسطينية تشكل خطرا كبيرا على الاسرائيليين وحتى على المطبعين مع الصهاينة لذلك رأينا أن لا عروض العربية تنهال على الفلسطينيين من مشاريع اقتصادية ووظائف في الخليج لآلاف الخريجين الفلسطينيين، ولكن السؤال هل يحتاج هؤلاء العرب للقضاء على القضية الفلسطينية حتى يقدموا للفلسطينيين هذه الخدمات، لماذا لم يقدموها لهم دون الحاجة للضغط عليهم، على اعتبار انهم لا يزالون يعتبرون أن ما يقومون به هو لدعم القضية الفلسطينية.
بكل الأحوال قال العالول صراحةً في ختام تصريحاته: إن القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، لن تقبل بـ "صفقة القرن" مهما فعلت إدارة ترامب، وأن خطة ترامب مرفوضة، والشعب الفلسطيني يريد الحرية والاستقلال، وفق الشرعية الدولية والقانون الدولي.
وعن الوحدة الوطنية بين فتح وحماس أشار نائب رئيس "فتح" إلى استمرار الجهود لاستعادة الوحدة الوطنية، عبر التواصل مع قيادتي حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وأوضح أنه تم الاتفاق في هذه المرحلة على مواجهة صفقة القرن الأمريكية، وخطة الضم، والتطبيع العربي مع إسرائيل.
ولفت إلى التواصل الدائم مع حركة حماس والفصائل بخصوص إنجاز الوحدة الوطنية، مؤكدًا أنه خلال الأيام القليلة القادمة سيكون هناك لقاء مع قيادتهم.
واضح جداً أن الاحتلال الاسرائيلي ودول اقليمية ودولية تريد تعزيز الانقسام الفلسطيني_الفلسطيني جغرافياً وسياسياً. فقد رسم الاحتلال المخططات والسياسات الإجرائية اللازمة لإتمام هذا الانقسام وتعميقه، ويعمل بكل قوة لمنع إتمام المصالحة الفلسطينية التي يعتبرها تهديداً لاستراتيجيته القائمة على تجزئة الشعب الفلسطيني وتقسيم أرضه، وتصفية قضيته، وإقامة "إسرائيل الكبرى".
ومن جهة ثانية نرى أن التجاذبات الخارجية، الإقليمية والدولية، التي ساعدت طرفي الانقسام على الاستقواء بمواقف ودعم أطراف خارجية لتعزيز موقفهما في حوارات المصالحة بطريقة ساهمت في إطالة عمر الانقسام، ولكن أصبح واضحا ان الطرفين أدركا خطورة المرحلة القائمة وهما يعملان اليوم على انهاء هذا الانقسام، فمنذ بداية العام الجاري، يواجه الفلسطينيون تحديات متعددة، تمثلت في "صفقة القرن" الأمريكية، ثم مخطط إسرائيلي لضم نحو ثلث أراضي الضفة الغربية المحتلة، إضافة لاتفاقي التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل.
وبالتالي لا يوجد أمام الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ومنظماته المدنية خيار آخر غير التقاط الفرصة التي توفرها جهود المصالحة الأخيرة، والبناء عليها للوصول إلى إعادة بناء الوحدة الوطنية بعيداً عن الهيمنة والإقصاء، وبما يضمن الوصول إلى قيادة واحدة، وبرنامج وطني توافقي، وكيان تمثيلي موحد.
ويتطلب ذلك التعامل مع خيار إعادة بناء الوحدة الوطنية بصفته ممراً إجبارياً للخروج من المأزق الشامل الذي تعانيه مجمل الحالة الفلسطينية، في ظل تفكك الحقل السياسي الوطني، وتعمق المشروع الصهيوني الاستعماري على الأرض الفلسطينية، ما يعني أن إعادة بناء الحقل السياسي الفلسطيني وتوحيده بمنزلة الشرط الواجب توافره لمواجهة مخططات التجزئة والتفتيت، ومحاولات إطلاق عملية سياسية إقليمية بمشاركة دولة الاحتلال تكون مدخلاً لتصفية الحقوق الفلسطينية، وتكريس واقع المعازل المفروضة على الفلسطينيين.