الوقت- تعيش محافظة عدن فوضى واحتقانات سياسية هذه الأيام، حيث تسعى قوى حزب الإصلاح وتنظيم "القاعدة" إلى فرض سيطرتها على المحافظة، وسط معارضة شديدة من قوى "الحراك الجنوبي" و"المقاومة الجنوبية" التي ترفض وجود حكومة هادي وأعضائها المنتمين إلى محافظات الشمال على أرض عاصمة الجنوب، محملين إياهم مسؤولية التدهور الأمني في المحافظة وغياب أبسط الخدمات الأساسية. وقد تصاعدت الاحتجاجات على تورط هادي وقيادات إصلاحية بقضايا فساد كبيرة وسط مطالبات من الشارع العدني بتغيير بحاح وحكومته "الشمالية" وتعيين بديل له، بحسب بيان صادر عن "المقاومة الجنوبية" التابعة لـ"الحراك".
اعتقد البعض كما الكثيرون أنه عندما يقوم "التحالف السعودي-الأمريكي" "بتحرير" عدن من أيادي الجيش اليمني واللجان الشعبية سوف تنعم بالرخاء والاستقرار الداخلي، ولکن ها هي عدن اليوم تقسم الى ثلاثة مشاريع، فعدن اليوم يتداخل فيها مشروع التقسيم بقيادة "الحراك الجنوبي" أو ما يسمى "المقاومة الشعبية" مع مشروع "الإصلاح" صاحب الصبغة «الإخوانية» وما يحمله من إعادة إنتاج للنموذج الموحد، انما ضمن منظومة تقسيمات على مستوى المحافظات والأقاليم تخدم فكرة التقسيم المذهبي النهائي. وبين المشروعين يطل ثالث أكثر راديكالية ممثلاً بتنظيم "القاعدة" أو ما يشبهه على الارض اليمنية.
ولا تزال المفاجآت والأصداء غير السارة تأتي من عدن وتلاحق رئيس الحكومة المستقيلة منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح، والتي أشارت بعض المصادر إلى أن الأخير وصل سراً إلى عدن، فوصوله سراً يعكس في أحد جوانبه حقيقة الوضع المحتقن في المدينة التي يتغلغل في أعماقها الكثير من البراكين، وتتجاذب السيطرة عليها أطراف مسلحة عديدة. فماذا يجري في عدن؟
الاحداث التي تجري في عدن
تعقيدات المشهد في عدن تشير إلى صعوبة مهمة هادي في هذا الوقت تحديدا، فبعدما خرجت قوى "الإصلاح" في تظاهرات جابت شوارع عدن داعمة لحكومة هادي وبحاح، وبعد إثارة قضية المدرعات الإماراتية التي استولت عليها مجموعات مسلحة، والاستياء الذي لاقاه ذلك في صفوف قوات الإمارات الموجودة في عدن واحتجاجها، والاشتباكات التي تجري في المحافظة بين قوات مدربة تابعة للسعودية والإمارات، وعناصر "القاعدة"، خرج إلى العلن رفض بعض قادة "الحراك الجنوبي" و"المقاومة الجنوبية" المرتبطين به، وجود حكومة هادي وأعضائها المنتمين إلى محافظات الشمال تحديداً على أرض عاصمة الجنوب. ويعود هذا الرفض برأيهم، إلى ما يمثله ذلك من استفزاز لمشاعر الجنوبيين، الذين قاتلوا وقدموا شهداء وتضحيات مؤلمة لأجل "تحرير الجنوب" مما يسمونه "الاحتلال اليمني" أي الشماليين، لا لأجل تثبيت شرعية نظام الاحتلال، تزامن ذلك مع تصريح نُسب إلى المتحدث الرسمي للحكومة، راجح بادي، المحسوب على الشمال وعلى حزب "الإصلاح" الإخواني الذي طالب بإنزال أعلام الجنوب عن المنشآت والمعالم في الجنوب بالقوة ورفع علم الجمهورية اليمنية في عاصمتها المؤقتة عدن، وهو ما عدّه جنوبيون نكثاً بالعهود التي قطعوها لـ "الحراك الجنوبي".
هذا التوتر الجنوبي الناشئ عن وجود الحكومة في عدن مرشح للتفاقم، وخصوصاً عقب دعوة قيادي في الحراك إلى "يوم غضب جنوبي" رداً على وجود "حكومة الاحتلال" في عدن، وبعد إقدام شبان من "المقاومة الجنوبية" على اعتراض موكب بحاح أثناء تفقده بعض أحياء عدن احتجاجاً على وجود وزراء شماليين منهم وزير الداخلية والمتحدث الرسمي برفقته، بحيث لم يتمكن من إكمال زيارته يوم الخميس 17 أيلول، إلا بعد انصياعه وإعادته مرافقيه، في موقف محرج لهم جميعاً إلى مقر إقامة الحكومة في فندق "القصر"، حيث اجتمع ووزراء الحكومة يوم السبت الماضي بقيادة المنطقة العسكرية الرابعة والسلطة المحلية وقيادات في "المقاومة الجنوبية" لمناقشة عدد من القضايا المتصلة بذلك وبملف الأمن ومعالجة تداعيات انفلاته.
وفي ظلّ ما يثار بشأن الخلاف بين الرئيس ونائبه (بحاح)، وفي سياق من التوتر الجنوبي المشار إليه الذي بلغ يومي الأحد والاثنين الماضيين حدّ خروج عدد من شبان "الحراك" و"المقاومة" في تظاهرات أحرقوا فيها الإطارات وقطعوا بعض الطرقات مطالبين بخروج الحكومة ورئيسها من عدن. حدث ذلك أمام مطار عدن وفي محيط فندق "القصر" مقر الحكومة ـ التي لم تستطع دخول الأحياء التي يسيطر عليها "القاعدة" ـ احتجاجاً على تردي الأحوال العامة وعلى عدم معالجة قضاياهم وأوضاعهم وعدم تسديد مرتباتهم وتنفيذ وعود قطعها لهم هادي والحكومة.
اذاً، لا تبدو عدن كما يصورها إعلام التحالف السعودي أو الموالين لهادي في الداخل والخارج، إذ تهتز الصورة العدنية بمجرد التجوال بين جنباتها، حيث يتزايد منسوب الاحتقان الشعبي والتشنج المسلح بما ينبئ باقتراب الاقتتال بين مختلف الفصائل المسلحة الموالية للرئيس هادي الذي قد تبدو عودته وان جاءت في السر، محاولة أخيرة لتفكيك الألغام المزروعة بين مختلف الفصائل بأقل الخسائر الممكنة. فهل سينجح هادي في ذلك؟