الوقت- بعد أيام فقط من الإعلان عن الاتفاقية المثيرة للجدل بين الإمارات والكيان الصهيوني لتطبيع العلاقات بينهما، أصبحت قضية بيع طائرات مقاتلة متطورة من طراز "إف 35" للإمارات حديث الساعة وحول هذا السياق، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مؤخرًا أن بيعًا محتملاً لطائرات مقاتلة من طراز "إف 35" للإمارات قيد الدراسة وذلك لأن الإمارات العربية المتحدة لديها ما يكفي من المال لدفع ثمن هذه الأسلحة المتطورة، إلا أن هذه الكلمات لم تُرضِ الصهاينة الذين بادروا بدورهم بإصدار بيان رسمي ضد هذه الصفقة الأمريكية الإماراتية وهذه الاعتراضات الصهيونية أدخلت هذه الصفقة في حالة من الغموض.
وعلى صعيد متصل، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن حكومة "تل أبيب" طلبت من أمريكا عدم بيع طائرات "أف 35" للإمارات حتى بعد تطبيع العلاقات بين البلدين ونقلت تلك الوسائل الإعلامية عن مسؤولين إسرائيليين، أن "طلب الحكومة الإسرائيلية يأتي بسبب مخاوف من أن تكون هناك محادثات سرية مع الدولة الخليجية تفضي إلى اتفاق بشأن بيع معدات عسكرية حساسة دون إطلاع كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل". ووفقاً للمسؤولين الإسرائيليين، "فلقد ضغطت الدول الخليجية في الماضي على إسرائيل لإزالة معارضتها للصفقات". وأضافت وسائل الإعلام الصهيونية، أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وافق على بيع معدات تكنولوجية متطورة للإمارات ضمن اتفاق التطبيع، لكنه شدد على عدم بيع الطائرات الأمريكية". وأكدت، أن "إسرائيل تتطلع إلى أن تبقى الجهة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك تلك الطائرات الأمريكية المتطورة".
أهداف "ترامب" من بيع مقاتلات "إف 35" إلى الإمارات
من المؤكد أن خطة "ترامب" لمثل هذه الصفقة لها بُعد اقتصادي لا يمكن إنكاره وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بأمريكا جراء تفشي فيروس "كورونا" في العديد من المدن والولايات الأمريكية، حيث يمكن لمبيعات الأسلحة أن تحّرك عجلة الاقتصاد الأمريكي إلى الأمام. في الأساس، ومنذ دخول "ترامب" إلى البيت الأبيض في عام 2017، كانت قضية مبيعات الأسلحة على جدول أعمال مسؤولي البيت الأبيض وكانت رحلة "ترامب" الخارجية الأولى إلى السعودية والدول الخليجية مصحوبة بعقد عدد من الصفقات الأسطورية التي وصلت قيمتها إلى مئات مليارات الدولارات. والآن وبعد أن تسبب تفشي فيروس "كورونا" في ركود كبير في الاقتصاد الأمريكي ووصلت موجة البطالة إلى 42 مليونًا شخص بمعدل وصل إلى 13.3 في المئة، فإن "ترامب" بطبيعة الحال، يحتاج إلى مثل هذه العقود لزيادة فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة.
والمسألة الثانية، هي تعزيز عملية التطبيع من خلال خلق العديد من الحوافز لها ويُذكر أن الولايات المتحدة لم تبع مقاتلات "إف 35" خلال السنوات الماضية إلا لحلفائها الاستراتيجيين، وهذا الأمر قد يكون بمثابة جرس إنذار لدولة قطر وللسعودية، اللتين تستضيفان قواعد أمريكية ولديهما العديد من الاتفاقيات الأمنية مع واشنطن واللتان لا تزالان تتخذان موقفًا متحفظًا حتى الآن من قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني. والقضية الثالثة، هي بالتأكيد تركيا، حيث تعتبر الإمارات التي شكلت خلال الفترة الماضية تحالف إقليمي لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، تركيا عدوها الاول ولهذا يمكن القول أن التعزيزات العسكرية الإماراتية في الواقع سوف تؤثر على حالات التنافس بين تركيا والإمارات في ليبيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصتاً وأن الولايات المتحدة سترفض بيع مثل هذه المقاتلات إلى تركيا.
لغز الخلافات بين البيت الأبيض و"تل أبيب"
إن القضية المهمة هنا هي معارضة الكيان الصهيوني باعتباره الحليف الرئيس لأمريكا في المنطقة لهذه الصفقة الأمريكية الإماراتية. لكن لماذا لا تُؤخذ المعارضة الصهيونية على محمل الجد في المقام الأول، ولماذا يبدو أن "ترامب" مصمم على التوقيع على هذه الصفقة رغم هذه المعارضة؟
نحن نعلم أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم تسليم مقاتلة "إف 35" لتركيا كانت تتمثل بالمعارضة الإسرائيلية، لذا فإن المصالح الأمنية للكيان الصهيوني تلعب دورًا حاسمًا في السياسة الإقليمية الأمريكية في منطقة غرب آسيا. ومع ذلك، فإن معارضة الصهاينة لتسليم طائرات "إف 35" إلى تركيا والإمارات مختلفة، حيث ينظر "نتنياهو" والقادة الصهاينة إلى تركيا على أنها خصم وتهديد أمني محتمل، حتى بدون أردوغان (بسبب هيكل تركيا الديني القوي ودورها التاريخي في التطورات الإقليمية)، والتي زادت في الآونة الأخيرة وتزايد المواجهة الجيوسياسية خلال الفترة الماضية بين الجانبين في المنطقة وتزايد الأعمال التركية المستفزة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وسعيها للعب دور كبير في التطورات الفلسطينية. بشكل عام لا توجد مخاوف من هذا القبيل بشأن الإمارات بالنسبة للصهاينة، لكن "تل أبيب"، يرون في سياق سياسة ضرورة الحفاظ على تفوقها العسكري والاستراتيجي في المنطقة، خاصة في الساحتين الجوية والنووية، أصدرت بيان معارضة، ولكن هذا البيان كان أكثر رمزية لأنه قد يكون لهذه المعارضة دور تدميري لعملية التطبيع الاخيرة بين تل أبيب وأبو ظبي.
الجدير بالذكر أن الإمارات دافعت خلال الأيام الماضية عن حقها في شراء مقاتلات "إف 35" الأمريكية بعد تطبيعها مع إسرائيل ولقد صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" يوم الخميس الماضي أن اتفاق بلاده على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني يجب أن يزيل أي عقبة أمام أمريكا من أجل بيع مقاتلات "إف 35" لأبو ظبي. وقال "قرقاش" في مقابلة صحفية، إن طلبات الإمارات مشروعة ويجب أن تحصل على المقاتلات، مضيفا أن فكرة حالة الحرب أو الحرب مع إسرائيل لم تعد قائمة لكنه أوضح أن الإمارات لم تتقدم بأي طلبات جديدة للأمريكيين منذ الاتفاق مع إسرائيل. وعبّر هذا البلد الخليجي، وهو أحد أوثق حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، منذ فترة عن اهتمامه بشراء الطائرة المقاتلة التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن" واستخدمتها إسرائيل في عدد من غاراتها على الاراضي الفلسطينية والسورية.
وعلى صعيد متصل، يمكن القول إن الأمر المهم هو ما تم الكشف عنه في تقرير لقناة "سي إن إن" اليوم حول الجهود السرية التي يبذلها "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس "دونالد ترامب" ومستشاره، لبيع أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" إلى الإمارات، ما أدّى إلى حدوث إرباك داخل وكالات الخبراء ولجان الكونغرس الأمريكي. ولقد قالت هذه القناة الأمريكية، إن "كوشنير يدعم المحادثات السرية مع الإمارات وأن هذه المحادثات يترأسها مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي". وبالنظر إلى حقيقة هذه القصة والصلات القوية جدًا بين "كوشنير" واللوبي الصهيوني، يتضح أن الصهاينة ليسوا جادين في التعبير عن استيائهم. إن "ترامب" لديه القدرة على تجاهل المعارضة الرمزية للصهاينة، وذلك لأنه أولاً وقبل كل شيء سوف تأتي هذه المعارضة في إطار السياسة الأمريكية الأولى وأيضاً لإنقاذ اقتصاده من الظروف الصعبة. ومن ناحية أخرى، وعلى عكس تركيا التي لديها سياسة شائكة أكثر استقلالية من دول الخليج ولديها القدرة على إدارة شراء صفقات الأسلحة العسكرية المشتراة من الغرب، فإن الإمارات تنتهج في سياساتها الخارجية نمط الخضوع والتبعية للسياسات الرئيسية لأمريكا في منقطة الشرق الاوسط.