الوقت - بعد قرابة 20 يوماً من الهجمات العسكرية التركية على شمال العراق، ما زلنا نشهد استمرار هذه الهجمات من قبل القوات التركية.
الموجة الجديدة من الهجمات العسكرية التركية على شمال العراق بدأت منذ 15 يونيو 2020، في شكل عملية "مخلب النسر" وإرسال قواتها الخاصة إلى منطقة "هفتانين"، أيضاً، في 17 يونيو 2020، أعلنت الحكومة التركية عن عملية "مخلب النمر".
حالياً وبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من بدء العملية، التي تتمّ بذريعة محاربة وجود حزب العمال الكردستاني وتهديداته الأمنية لأنقرة عبر الحدود الشمالية للعراق، اتخذت الحكومة العراقية مواقف جادّة وحازمة لإنهاء العدوان التركي علي الأراضي العراقية وانتهاك أنقرة لسيادة العراق.
قضية مواجهة الجيش التركي لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، تعود إلى السنوات التي تلت عام 1983، عندما اتفقت حكومة أنقرة مع صدام حسين على إمكانية ملاحقة القوات التركية للمهاجمين في عمق يصل إلى 20 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، ظلّت الاتفاقية ساريةً حتى عام 1991، ولكن في هذا العام ألغت الحكومة البعثية الاتفاقية من جانب واحد.
ومع ذلك، شهدنا في تلك الفترة، وكذلك في السنوات التي تلت عام 2003، استمرار الهجمات التركية على الأراضي العراقية بين فينة وأخرى، وحتى أقام هذا البلد قواعد عسكرية عديدة في المناطق الحدودية المجاورة.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة حول عدد القواعد العسكرية التركية في شمال العراق، إلا أن هناك تقارير تفيد بأن عدد القواعد العسكرية التركية في كردستان العراق يصل إلی 19 قاعدة.
في منطقة "كونه ماسي" في محافظة "دهوك"، توجد أكبر قاعدة عسكرية ترکية والتي تضم حوالي 1500 جندي وعناصر استخبارات مع عربات مدرعة، كما أن للقاعدة مدرّجاً أيضاً. تقع هذه القواعد في عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية. ومن الجدير بالذكر أن أبرزها هي قاعدة "بامرني" شمال مدينة دهوك.
في الوضع الحالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي الأدوات المتاحة لدی الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق لمواجهة العدوان التركي؟ وما هي الاستراتيجية التي ينبغي عليهم اتباعها؟ وفي هذا الصدد، يبدو من الضروري الانتباه إلى ثلاثة محاور.
ضرورة التنسيق والتعاون بين أربيل وبغداد
يمكن أن يُعزى جزء کبير من نفوذ تركيا وتدخلها في الحدود الشمالية للعراق تحت ذريعة وجود حزب العمال الكردستاني، إلى السياسات الخاطئة لحكومة إقليم كردستان، وخاصةً في سنوات ما بعد 2003.
في الواقع، رفض الأكراد دائمًا دخول قوات الجيش العراقي إلی مناطق الحدود الشمالية للبلاد، وذلك في انتهاك للدستور العراقي ولتحقيق مكاسب سياسية في السنوات الأخيرة. وبحسب "أحمد الصحاف" المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، فإن قوات الجيش العراقي ستتمركز في المناطق الحدودية مع تركيا في 3 يوليو 2020.
هذا الحدث، الذي من المحتمل أنه يتم عبر التنسيق بين أربيل وبغداد، يمكن أن يكون تطوراً إيجابياً في مشهد المعادلات السياسية العراقية، لأن الأكراد إلی جانب الحكومة المركزية توصلوا إلى استنتاج بأنه من الضروري تحقيق وحدة الرأي أولاً، من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية ومواجهة التوسع التركي، ومن ثم منع أنقرة من مواصلة أعمالها غير القانونية من خلال نشر قوات الجيش العراقي في المناطق الحدودية مع تركيا. ويجب اتباع هذا النهج من قبل الأكراد على نطاق أوسع، بحيث تنتشر القوات العسكرية التابعة لبغداد على طول الحدود مع تركيا.
استخدام الأدوات الاقتصادية ضد تركيا
على مستوى آخر، يمكن اعتبار العامل الاقتصادي الأداة الأكثر أهميةً لحكومة بغداد لإنهاء اعتداءات الجيش التركي.
العراق بلا شك أحد أهم أهداف الصادرات التركية، حيث زادت التجارة بين تركيا والعراق بنسبة 2.8٪ في عام 2019 مقارنةً بعام 2018، لتصل إلى 15 مليار و800 مليون دولار. هذا في حين أن حجم التجارة بين الجانبين في عام 2018 كان حوالي 13 مليار دولار.
إن هذا الحجم الكبير والملحوظ من التبادل التجاري، والذي يتمثل معظمه في صادرات تركيا إلى إقليم كردستان والمحافظات العراقية الأخرى، له أهمية لا يمكن إنكارها لأنقرة ورجب طيب أردوغان، ويبدو أن خفض أو وقف هذا الحجم من الصادرات قد يكون ضربةً قويةً لحكومة أنقرة.
وفي الحقيقة، يمكن لأربيل وبغداد استخدام الأداة الاقتصادية كضغط كبير على أنقرة، من خلال تمهيد الطريق لاستيراد السلع غير التركية.
متابعة قضية انتهاك السيادة في مجلس الأمن
على الرغم من أن وزارة الخارجية العراقية قدمت شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد المسؤولين الأتراك في الأسابيع الأخيرة بشأن انتهاك السيادة الوطنية للعراق، ولكن يبدو أن ضغوط بغداد في نيويورك لم تكن مثمرةً كما ينبغي.
ونتيجةً لذلك، يبدو أن على وزارة الخارجية العراقية الآن أن تلعب دوراً أكثر نشاطًاً في صياغة ومتابعة وإصدار قرار من مجلس الأمن ضد إجراءات تركيا. وفي هذا السياق، ونظراً لعدم وجود أي أساس قانوني لتبرير عدوان تركيا على الأراضي العراقية، فهناك مجال لنجاح بغداد في إدانة أنقرة في المنظمات الدولية.
وبشكل عام، يجب القول إن ثلاثية تحالف أربيل - بغداد وخفض واردات البضائع التركية وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، يمكن أن تلعب دوراً مهماً في إنهاء اعتداءات أنقرة على شمال العراق.