الوقت- يظهر الوجه القبيح للتمييز وسلب حقوق الآخرين، - إلى جانب تصنيف الأفراد على أساس اللون والعرق والقومية والدين، الذي قام عليه الكيان الصهيوني قبل 72 سنة، وبعد إضفاء الطابع المؤسّسي ضدّ الفلسطينيين على مدى العقود القليلة الماضية - بقوة على المجتمع الصهيوني، الذي يتألف من أقوام ومجموعات عرقية مختلفة هاجرت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وباعتراف وسائل الإعلام الصهيونية، فاليوم ، باستثناء يهود الأشكناز، أو ما يعرفون بذوي الأصول الغربية للمجتمع الصهيوني، الذين يشكلون الهيكل الكامل لشعب السبع والسبعين من هذا المجتمع المهاجر، ابتداءً من يهود الفلاشا إلى الروس ومن الحريديم (ما يسمى الطيف الديني) إلى العلمانيين، يصرخون جميعاً ضدّ التمييز ، وهم يشكون من عدم المساواة في حقوقهم وعدم حصولهم على الحدّ الأدنى لمعيشتهم.
واشتدت الاحتجاجات إلى حدّ أننا قد شهدنا خلال فصلي الصيف والخريف الماضيين خروج احتجاجات واسعة النطاق من قبل اليهود الإثيوبيين في شوارع تل أبيب، وبعد ذلك ببضعة أشهر شهدنا أيضاً خروج تظاهرات من قبل اليهود الأرثوذكس أو الحريديميون يحتجّون فيها على ما وصفوه بالتمييز ضدّهم في سلوك المجتمع الصهيوني، فقد خرجوا إلى الشوارع واستمروا في الشكوى من سلوك المجتمع الصهيوني المتعالي ضدهم، حتى أثناء تفشّي الفيروس التاجي في البلاد.
وفي غضون ذلك، تتهم الأحزاب العلمانية المختلفة (بما في ذلك الجماعات اليسارية وروسية الاصل) اليمينيين الصهاينة (اليمينيين بقيادة نتنياهو) بالتمييز ضد أطفالهم وإرغامهم على الخدمة في الجيش وفي المقابل إعفاء الحريديميين من الخدمة.
وقالت قاعدة بيانات الحقوق المدنية للكيان الصهيوني في تقريرها يوم 23 أبريل الماضي إنّ ظاهرة العنصرية أصبحت اليوم حدثًاً يوميّاً في قلب المجتمع (الصهيوني) وهي تظهر في كل مكان في الشوارع وفي وسائل الإعلام وفي الساحة السياسية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث يمكن رؤية الإطار متعدّد الأوجه والمنقسم للمجتمع الصهيوني بوضوح.
ووفقاً لهذه الجمعية التي تدّعي مناهضتها للتمييز العنصري، فقد تم تقسيم المجتمع الصهيوني إلى أهرامات حتى يومنا هذا، مع وجود ثقافات مهيمنة في القمة وثقافات أخرى مهزومة في المستويات الدنيا من الهرم.
ويعتمد تصنيف الثقافات على لون البشرة، وهوية العرق، والجنسية السابقة للفرد، والدين، والوضع الاقتصادي، ويرافق هذا التصنيف العديد من العوامل كالعنف والتمييز والتفضيل والترحيل، وحتى الجريمة وإرهاب الآخر.
وقبل ذلك بأيام قليلة، أعلنت هذه المنظمة في تقريرها الدوري أن عناصر أمن الكيان الصهيوني يجبرون الإثيوبيين والعرب والأرثوذكس وغيرهم في (فلسطين المحتلة) خلال اليوم الواحد وأمام أشخاص آخرين مراراً وتكراراً، بأنّ يظهروا بطاقاتهم التعريفية ويعرضونها على الملأ كما لو كانوا هم الوحيدون المشتبه بهم في ارتكاب الأعمال التخريبية والجرائم، بينما الأشكناز وذوو البشرة البيضاء الغربيون الأمريكيون مبرؤون تماماً من هذه الاتهامات.
هذه المعلومات لا تتعلق بظواهر المجتمع الصهيوني في العقود السابقة، ولكن الوصف الذي قدّمته هذه المنظّمة ينسب لأيام المجتمع الصهيوني الراهنة.
ولعلّ أحدث هذه التمييزات يرجع إلى الوثيقة الداخلية الصادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية ، والتي كشفت في مايو 2020 أن الطبقات الضعيفة والمعوقة من مجتمع الكيان الصهيوني لن تعطى أولوية التنفس الاصطناعي على الأجهزة الطبية في حال أصيبوا بالفيروس التاجي.
وفي الوثيقة، التي تمّ تسريبها من قبل القناة التلفزيونية 13 التابعة للكيان الإسرائيلي، قالت وزارة الصحة الصهيونية إن الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة، وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون القيام بعملهم اليومي بشكل مستقل، والأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر يجب ألّا يتم توصيلهم بأجهزة التنفس الاصطناعي.
وفقا للخبراء، فإن العنصرية هي أحد الأسس الرئيسة التي ارتكزت عليها الصهيونية، وقد ولد الشعور بالعنصرية ضمن تشكيل الكيان الصهيوني منذ نشأته، وتطوّرت في نسيج الأفكار والمبادئ الصهيونية.
واليوم، يمكن العثور بسهولة على آثار العنصرية والتفوّق الطبقي على الطوائف الأخرى في الكتب الدينية الصهيونية.
كما أن استخدام كلمة "جوييم" أو الأجانب لغير اليهود هو أحد مبادئ وأسس التمييز بين اليهود وغير اليهود في جميع مجالات الحياة اليومية للأفكار الصهيونية، والتي يتمّ تعليمها للأطفال الصهاينة من خلال الكتب المدرسيّة.
هذا وإنّ احتلال واغتصاب أرضٍ أخرى، وسرقة أرض فلسطين، وبناء مستوطنات للمهاجرين على الأراضي الفلسطينية، وإنشاء نقاط تفتيش لتقييد حركة ملاك الأراضي الأصليين، وبناء جدار العزل العنصري وحصر ملايين الأشخاص في مناطق مغلقة، والاستيلاء تدريجياً على المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي لمصلحة اليهود ومنع المسلمين من دخولهم ومصادرة أجزاء كبيرة من كنيسة القيامة ومنع المسيحيين من الوصول إليها، وحظر وصول الفلسطينيين إلى موارد المياه كحدّ أدنى من حقوق الإنسان ، واعتقال وتعذيب الفلسطينيين ، وما إلى ذلك ، كل ذلك يعدّ جزءاً صغيراً من الأنشطة العنصرية الصهيونية في فلسطين المحتلة.
ويتناول هذا البحث في الأقسام التالية قضية السلوك العنصري للكيان الصهيوني (الذي يمتد من قمة هرم سلطة الكيان إلى جسم مجتمعه) والعنصرية داخل هيكل المجتمع الصهيوني، الذي أصبح ككعب أخيل وسبّب التفكك التدريجي لهذا المجتمع.