الوقت- في واحدة من أولى خطواته الدبلوماسية في السياسة الخارجية، أرسل رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" يوم السبت الماضي وزير المالية في الحكومة إلى الرياض، لإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين. وتظهر هذه الزيارة الرمزية رغبة حكومة الكاظمي في مواصلة عملية الجهود التي تبذلها الحكومات العراقية لسنوات عديدة، لتحسين العلاقات مع الرياض.
وکانت حكومتا العبادي وعبد المهدي قد عبّرتا عن اهتمام مماثل في الماضي أيضاً، بل وتم التشديد على ذلك بشكل ثنائي، ولكنه فشل عمليًا في تقليل حجم المنافسة والعلاقات العدائية بين الجارتين. على سبيل المثال، في الوقت الذي يتبادل فيه المسؤولون السعوديون والعراقيون المجاملات الدبلوماسية، فإن أعضاء البرلمان العراقي يعدون خطةً معاديةً للسعودية لتقديمها إلى البرلمان.
وفي هذا الصدد، قال "فالح الخزعلي" النائب في البرلمان عن تحاف "الفتح" الخميس 21 مايو: "إن ملف تجريم السعودية قضية مهمة، تتعلق باعترافات 5 آلاف انتحاري في العراق، ولهذا السبب تم إعداد مشروع قانون تجريم السعودية للبرلمان، ويجب على القوى السياسية التصويت عليه. لقد ارتكب النظام السعودي انتهاكات وتجاوزات خطيرة بحق الشعب العراقي. السعودية تحارب الدول التي تقاتل الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والنظام السعودي يستهدف الشعب العراقي ودول المنطقة".
ومع ذلك، فإن الإعلان عن موافقة السعودية على إعادة سفيرها إلى بغداد نتيجة محادثات الوفد العراقي في الرياض، يظهر جهود حكومة الكاظمي في نسيان الخلافات الحالية وإيجاد طريقة لإنقاذ العراق من مشاكله، حتى بمساعدة الحكومات التي لها تاريخ من التدخل في الوضع العراقي.
والواقع أن لهذه الزيارة أجندات أخرى جادة، كما يشير النائب العراقي، والمفاوضات الاقتصادية لها الأولوية في هذه الزيارات.
وفي هذا الصدد، قالت السفارة العراقية في الرياض في بيان، إنه في رسالة وجهها إلى ولي عهد السعودية، عبَّر رئيس الوزراء العراقي عن اهتمامه بتفعيل التعاون الثنائي في جميع المجالات بشكل أسرع وبما يخدم المصالح الاقتصادية للبلدين، وشدد الجانبان خلال اللقاء على أن فتح معبر "عرعر" الحدودي بين البلدين، هو العامل الرئيسي لتحقيق طفرة في التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.
كذلك، قال نائب رئيس الوزراء العراقي "فؤاد حسين" إن بغداد اتفقت مع شركات سعودية على الاستثمار في حقول غاز "عكاظ"، كإحدی الإنجازات والتوافقات الاقتصادية الأخری في محادثات الوفد العراقي في الرياض.كما أعرب عن أمله في أن تبدأ ورشة العمل السعودية عملها في بغداد قريباً.
يواجه العراق العديد من المشاكل الاقتصادية، وخاصةً بعد انخفاض قياسي في أسعار النفط. ولدى هذا البلد اقتصاد يقوم علی منتج واحد ويعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وبالنتيجة لا يرى الكاظمي طرقاً سريعةً للتعويض عن خسارة عائدات النفط، وخاصةً أن تكلفة إعادة بناء أنقاض الحرب مع داعش والفواتير المستمرة لهذه الحرب، إلى جانب التوقعات العامة لمبادرة الحكومة لتحسين ظروف المعيشة، هي تحديات يمكن أن تجعل مصير الکاظمي مشابهاً لرؤساء الوزراء المقالين سابقًا. والسؤال المطروح الآن هو، هل اختار الكاظمي الوجهة الصحيحة لإصدار وصفة العلاج الاقتصادي أم لا؟
على الرغم من ترحيب المسؤولين السعوديين بالوفد العراقي وحتى إعلان استعدادهم لإقراض بضعة مليارات من الدولارات لبغداد، إلا أن الواقع هو أن الاقتصاد السعودي قد عانى بشدة من انخفاض أسعار النفط، وأن خطر عجز الميزانية وإغلاق جزء كبير من اقتصاد هذا البلد البالغ 779 مليار دولار وارتفاع البطالة بسبب كورونا، قد أقلق بن سلمان.
يمثل قطاع الطاقة ما يقرب من ثلثي الدخل المالي السنوي للسعودية. هذا في حين أن تكاليف الحرب في اليمن مازالت مستمرةً، ولم تتحقق جهود الرياض لجذب الاستثمار الأجنبي لدفع المشاريع الاقتصادية الكبرى في رؤية 2030، مما أجبر الرياض على بيع 5٪ من أسهم أرامكو لتغطية هذه التكاليف.
وقد سبق للرياض أن قطعت وعوداً بمساعدات مالية أو استثمارات في العراق لم يتم تنفيذها. وبالطبع، فإن وعود الرياض التي لم يتم الوفاء بها لا تقتصر علی العراق فقط، بل نلاحظها أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، مثل باكستان الحليف التقليدي للسعودية.
بحيث أنه خلال زيارة إلى إسلام آباد العام الماضي، وعد بن سلمان باستثمار 20 مليار دولار في هذا البلد، لكن رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" قد شكا مرارًا من أن هذه الوعود لم تتحقق.
أما بالنسبة للاستثمارات المشتركة في الطاقة، فإن السعودية تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة أيضاً. بحيث في فبراير 2020، قال ولي العهد السعودي لصحيفة "جدة" السعودية: "ستسمعون قريباً عن قدرة المملكة على تصدير الغاز والمنتجات البتروكيماوية."
في الواقع، الرياض كجزء من جهودها لتقليل اعتمادها على صادرات النفط الخام، بالإضافة إلى المساعدة في توليد الكهرباء المحلية، قد استثمرت في استكشاف الغاز. وبعبارة أخرى، أتاحت زيارة الوفد العراقي فرصةً کبيرةً للرياض لتناقش مسألة استخراج حقول الغاز المشتركة.
من ناحية أخرى، تعتبر السعودية سوق النفط العراقي منافساً جاداً. والعراق حالياً ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك. وهناك منافسة بين البلدين على أسواق النفط الكبيرة في شرق وجنوب آسيا.
لقد حاولت السعودية استعادة هيمنتها على السوق الهندية، مع مجموعة من العقود مثل اتفاقية مبدئية لشراء 20٪ من الأسهم في مجال النفط والكيماويات لشركة "ريلاينس إنداستريز"، وإنشاء مصفاة بطاقة 1.2 مليون برميل يومياً بالشراكة مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).
وتظهر أرقام شرکة "كبلر" الصادرة يوم السبت، أن السعودية صدرت 1.18 مليون برميل من النفط يومياً إلى الهند في أبريل، وتغلبت بذلك علی العراق الذي كان يصدر 760 ألف برميل يومياً، وأصبحت أكبر مصدر للنفط إلی الهند. وکان العراق أكبر مصدر للنفط إلی الهند في عام 2017، بعد العقوبات النفطية الأمريكية على إيران وفنزويل.
وکان الرئيس التنفيذي لاحتياطيات النفط الاستراتيجية في الهند قد أعلن مؤخرًا، أن الهند تبحث عن شحنات من الشرق الأوسط للاستفادة من أسعار النفط الرخيصة، حتى يمكنها زيادة احتياطياتها الاستراتيجية من النفط بسرعة.
ويقول المحللون إنه على الرغم من أن العراق تمكن من زيادة حصته في الهند عبر النفط الثقيل في البصرة، وهو أحد أكثر النفط الخام المفضل لدی المصافي الهندية، ولکنه لا يزال يجب عليه أن يعمل بجد لتلبية احتياجاتهم.
وفي هذه الظروف، علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان تفاؤل الكاظمي بشأن الوعود الاقتصادية التي قطعتها الرياض في محله أو لا؟ وهي وعود يحتاجها بن سلمان لإنقاذ خططه الطموحة.