الوقت- شهدت المنطقة تصاعداً في وتيرة النزاعات بين القوات التابعة للحكومة اليمنية المستقيلة والمجلس الانتقالي الجنوبي منذ اتهام المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني (المقرب من الإمارات العربية المتحدة) بدفع منصور هادي لانتهاك اتفاق الرياض في ميناء عدن والمحافظات الجنوبية لليمن، وإعلان الحكم الذاتي على تلك المناطق.
وفي حين تم انعقاد اتفاق الرياض بحضور ولي العهد السعودي ومحمد بن زايد آل نهيان ، ولي عهد أبو ظبي ، بين الحكومة اليمنية المستقيلة والمجلس الانتقالي الجنوبي في الرياض ، كان هذان البلدان بمثابة ضامنين ووزنين للحفاظ على الاتفاقية ، ولكن بعد أن تم انتهاك الاتفاقية من قبل المجلس الانتقالي ، فاننا نشهد مواقف السعودية الشفهية فقط في هذا الصدد والتي دعت الطرفين للعودة إلى الاتفاق ، وفي الواقع فان السعودية والإمارات العربية المتحدة ، بدأتا الحرب على اليمن بعد وعدهما بإعادة منصور هادي إلى السلطة ، ولم تبذل أية محاولة لإنهاء الحرب في جنوب اليمن.
وبناء على ذلك ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الان هو لماذا لم تبذل الرياض وأبو ظبي جهودًا جادة لإنهاء الحرب بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المستقيلة ، وهل يمكن تخيل وجود صلة بين مصالح الرياض وأبوظبي في استمرار الصراع في الجنوب أم لا؟
استراتيجية الإمارات في الحرب اليمنية
اتبعت الإمارات العربية المتحدة استراتيجية واضحة مع العديد من المكونات الهامة منذ بداية دخولها الحرب على اليمن على هيئة تحالف بقيادة السعودية ، ومن هذه الاستراتيجيات ما يلي:
1 - محاولة السيطرة على المناطق الجنوبية من اليمن ، وخاصة جزيرة سقطرى ، بسبب الموقع الاستراتيجي لهذه المناطق ، واطلالها على خليج عدن ومضيق باب المندب باعتبارهما نقطتين حساستين ورئيستين في السياسة الجغرافية للمنطقة.
2 – استقطاب الدعم من مختلف الجماعات الجنوبية لإضفاء الشرعية على وجود القوات الإماراتية في تلك المناطق ، ثم تدريب وتسليح هذه الجماعات لتحقيق أهدافها في جنوب اليمن.
3 - التخطيط لتواجد مباشر قصير المدى في اليمن ، ولتحقيق هذه الغاية ، كانت الإمارات تسعى لتحقيق أهدافها في اليمن من خلال هذه المجموعات بالوكالة ، ومن خلال تدريب ودعم المجموعات المنظمة سابقًا ، وبالإضافة إلى تقليل تكلفة الحرب على أبو ظبي ، تركت لنفسها المجال على اتخاذ مجموعة متنوعة من القرارات في إطار خارج قرارات الائتلاف.
4. السعي لمنع هجمات أنصار الله اليمنية على أراضي الإمارات ، وفي هذا الصدد ، حاولت الإمارات العربية المتحدة ببساطة جعل السعودية رمزًا لأهداف أنصار الله ، ونظراً لضعف الإمارات العربية المتحدة أمام أي هجوم محتمل واسع النطاق من أنصار الله ، حاولت أبو ظبي صرف نظر أنصار الله عنها من خلال استخدام الطرق السياسية وعبر قناة طهران.
كما سعت الإمارات العربية المتحدة إلى تعظيم الأرباح وخفض التكاليف من خلال تطوير هذه العناصر بما يتماشى مع استراتيجيتها الكلية في الحرب اليمنية ؛ حيث كانت محاولات تفكيك جنوب اليمن واحتلال معظم جزيرة سقطرى والتحكم في الجماعات التي تسيطر على المناطق الجنوبية وجزيرة سقطرى ، هي أحد الأهداف الرئيسية لدولة الإمارات في هذه الاستراتيجية ، والحد من الخسائر والتكاليف عن طريق المحاولة لتقليل مدة تواجدهم المباشر في اليمن واستخدام القنوات السياسية للبقاء بعيداً عن هجمات أنصار الله على أراضيهم.
لذا ، كان من الواضح انه ومنذ بداية الأزمة اليمنية ، سعت أبو ظبي بشكل واضح للسيطرة على المناطق الجنوبية من البلاد ، ومن الواضح أيضاً أن هدف الإمارات من تقسيم اليمن هو زيادة إمدادها إلى أقصى حد ، لذلك ، فإن عدم بذل الامارات لأي جهود جادة لإنهاء المعركة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى التابعة لمنصور هادي هي محاولة لتحقيق أهدافها في اليمن.
أهداف الرياض المتغيرة في الحرب اليمنية
على عكس الإمارات العربية المتحدة ، التي تنبأت بإطالة أمد الحرب اليمنية ، أو على الأقل مع بداية هذه الحرب ومراقبة الأحداث الميدانية ، وصلت الى هذه النتيجة ، لكن السعودية لم تتوقع ذلك فحسب ، بل سعت أيضًا ، وفقًا لمسؤوليها ، إلى إنهاء المهمة في أقل من شهر.
وبناءً عليه ، فقد سعت السعودية ، التي شهدت منذ بداية الحرب اليمنية حكامًا جددًا على رأس هرم سلطتها السياسية ، إلى تحقيق عدة أهداف منذ بداية هذه الحرب:
1. التذمر من المنافسين الإقليميين للسعودية ، وخاصة إيران ، ومحاولة تشكيل نظام إقليمي جديد من خلال قمع المجموعات القريبة من محور المقاومة في المنطقة.
2. الاستقرار الفوري لمنصور هادي كرئيس لليمن في صنعاء.
3. قمع شديد لأنصار الله والحفاظ على وحدة اليمن بنفس الهيكل السياسي السابق.
وفي الوقت نفسه ، بسبب سوء فهم حسابات الرياض ، لم يفشل السعوديون في تحقيق أي من أهدافهم الأصلية في اليمن فحسب ، بل لم يقتربوا منها نهائياً؛ لذلك ، فإن حقيقة أن الرياض أعادت النظر في أهدافها الأولية لا تبدو بعيدة المنال ومنطقية نوعاً ما.
وفي ظل الوضع الحالي ، وبالنظر إلى فشل اتفاق الرياض وتصعيد النزاع بين الحكومة اليمنية المستقيلة والمجلس الانتقالي الجنوبي ، والأخذ بعين الاعتبار انه وفقًا لبعض مصادر الرياض ، فقد سأل مؤخرًا منصور هادي والوفد المرافق له مغادرة الرياض في نهاية مايو أو دفع ثمن إقامته في الفنادق الذي يقيم فيه ، وثمة هناك عدة أسباب محتملة لعدم بذل السعودية جهودًا جادة للتوصل إلى حل وسط بين منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي:
1. فالسعودية ، وبالنظر إلى الأحداث الميدانية ، وخاصة الأحداث التي وقعت منذ أغسطس من العام الماضي وبتفوق المجلس الانتقالي الجنوبي على القوات التابعة لمنصور هادي ، إلى جانب زيادة قدرات أنصار الله ، فقد فقدت السعودية الامل بان يعتلي منصور هادي كرسي الرئاسة في قصر صنعاء الرئاسي ، وباعتبار هذا الامر فان اعتبار اليمن ككل ان حضور أنصار انصار الله الحتمي بعنوان حركة قوية ومتجذرة في الهيكل السياسي اليمني ، فلن يتم الحفاظ على مصالح الرياض ، فقد لأت جنبا إلى جنب مع دولة الإمارات العربية المتحدة ، وبالتنسيق مع هذا البلد ، إلى تفكيك اليمن. وفي هذا الصدد ، ينصب تركيز الرياض على السيطرة على محافظة المهرة ، والتي يمكن في حالة انفصال اليمن ، أن تلعب دور العبّارة في نقل النفط إلى بحر العرب وتقليل الاعتماد على مضيق هرمز.
2. وبسبب مضي وقت طويل منذ الحرب اليمنية ، وعلى الرغم من عدم قدرة الرياض على تحقيق أهدافها الأصلية ، فإن السعودية ترى منصور هادي على هيئة كرت محروق وبدون شرعية في شمال وجنوب اليمن ، وهو ما يشكل عقبة أمام المفاوضات مع صنعاء ، ومع ذلك ، ثمة هناك تيارات قريبة من السعودية ، مثل حزب الإصلاح ، والقوات التابعة لعلي عبد الله صالح ، مثل اللواء علي محسن الأحمر ، والعديد من القبائل والعشائر اليمنية المتحالفة مع الرياض ، تعارض تفكك اليمن ، والرياض قلقة من تشكل دولة مستقلة ذات محور مقاومة على حدودها ، ونتيجة لذلك ، يمكن القول انه من المحتمل أن الرياض لم تكن قادرة على هزيمة قوات حكومة عدن والسيطرة الكاملة على المنطقة مثل القوات الجنوبية ، وأن الصراع المستمر يهدف إلى هزيمة القوات التابعة للإمارات.
استنتاج
بشكل عام ، ما يبدو واضحًا هو أن الرياض ، نظرًا للتكلفة العالية والوقت الذي قضته في هذه الحرب والفشل في تحقيق أهدافها الأولية ، قد أدخلت تغييرات على حساباتها ، ومهما كانت هذه الحسابات فإن منصور هادي لن يكون من ضمنها ، لأنه على الرغم من أن السعودية تواجه مشاكل اقتصادية ، إلا أن قرار الرياض بالدفع مقابل إيواء أعضاء الحكومة اليمنية المستقيلة في فنادق الرياض ليس لهذا السبب ، ومن الواضح أن الغرض منه هو الضغط على منصور هادي للتنحي عن المشهد السياسي اليمني.
وبالنظر إلى ذلك ، ونظراً لإحباط الرياض من عودة هادي إلى السلطة في صنعاء ، فإن السعودية لا تظهر أي رغبة في العمل لوقف إطلاق النار بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات منصور هادي ، وقد تسعى إلى زيادة الضغط على منصور هادي للانسحاب من المعادلة السياسية لليمن ، وهو ما يفسر سبب وقوف السعوديين إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في محاولة عدم تخفيف التوترات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المستقيلة ، ولكن حول ما إذا كانت الرياض تسعى إلى تفكيك اليمن أو مواصلة سياستها في الحفاظ على وحدة اليمن ، فهو سؤال ستجيب عليه الأحداث المستقبلية.