الوقت- في الفترة الماضية، أصبحت أزمة إدلب محور النزاعات الإقليمية، حتى أنها وضعت تركيا وروسيا على حافة الصراع العسكري المباشر.
وبعد مرحلة ملتهبة من الصراع العسكري المحتمل بين روسيا وتركيا في إدلب، قام أردوغان بزيارة طارئة لموسكو، وبعد ذلك توفرت ترتيبات السلام بين الجانبين. وفي الآونة الأخيرة، قيل إن الجانبين توصلا إلى اتفاق للسيطرة على الوضع في إدلب، ووقف إطلاق النار والسلام الشامل.
وعلى الرغم من قيام القوات الروسية والتركية بدوريات مشتركة في منطقة إدلب في الأسبوعين الماضيين، إلا أن بعض الإرهابيين الذين يعارضون وقف إطلاق النار يتهمون تركيا بخيانتهم والتعاون مع الحكومة السورية، مستهدفين القوات التركية في هذه المنطقة. وفي أحدث مثال، في 25 مارس 2020، تم استهداف عسكريين ترکيين من قبل الإرهابيين في إدلب.
ويطرح هذا الحادث سؤالاً حول مدى قبول اتفاقية إدلب من وجهة نظر الجماعات الإرهابية الموجودة في سوريا، أو بالأحرى ما هي مزايا وعيوب اتفاق السلام هذا في رأيهم؟
الخلاف حول الولاء لأردوغان
واحدة من القضايا المهمة المتعلقة بمقاربة الجماعات الإرهابية الموجودة في سوريا بشأن الاتفاق بين موسكو وأنقرة حول إدلب، يمكن تقييمها من حيث رؤيتها للولاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كخليفة وزعيم.
في هيكل الجماعات السلفية الجهادية، إن الولاء للخليفة مهم للغاية. وفي الواقع، إنهم يبايعون شخصاً ما كخليفة ويتبعونه كقائد سياسي وفكري.
في السنوات الأخيرة، قيل إن قادة الجماعات الجهادية في إدلب، الذين تعد أعدادهم کبيرةً جدًا، وأبرزهم هيئة تحرير الشام، تعهدوا بالولاء لرجب طيب أردوغان. ورغم أن أردوغان زعيم سياسي في بلد علماني مثل تركيا، لكنه بحسب معتقداته الإخوانية قد قبل إلی حد ما مسألة الخلافة والخليفة.
وفي هذا السياق، يسعى أردوغان أيضًا إلى تعزيز مكانته كخليفة، لإحياء عظمة الإمبراطورية العثمانية، التي كان لها الدور القيادي في العالم الإسلامي السني. وعلى هذا الأساس، نجد أن عددًا كبيرًا من قادة الجماعات الإرهابية في إدلب قد تعهدوا بالولاء له.
ومع ذلك، من بين العدد الكبير من الهيکل العادي، أو مقاتلي الجماعات الإرهابية في إدلب، من الواضح أنهم لا يمكنهم قبول قيادة شخص مثل أردوغان وقبوله کخليفة. حتى بالنسبة لبعض قادة هذه الجماعات الإرهابية، على الرغم من ولاء قادة المجموعات لأردوغان، فلا يمكن للأخير أن يکون ولي أمرهم، لأنه لا يمکنهم قبول موقعه ولا تشبههم طريقة تفكيره.
لذلك، فإنهم يعتبرون أن أي اتفاق سلام بين روسيا وتركيا بشأن إدلب، باعتبارها المکان الأخير لاستمرار حياتهم، غير مقبول، ويغتنمون كل فرصة لتعطيله.
اتفاق سلام بنکهة إنكار وجود الجماعات الإرهابية في إدلب
على صعيد آخر، لا تقوم الجماعات الإرهابية الموجودة في إدلب بتقييم اتفاقية السلام التركية الروسية بما يخدم مصالحها الخاصة.
يهدف اتفاق السلام هذا إلى منع نشوب حرب شاملة بين القوات التركية والروسية، والسماح للجماعات الإرهابية بمغادرة المنطقة. في الواقع، لا تعترف روسيا صراحةً بجميع الجماعات التي تشكل جزءًا من القوى الإرهابية المحددة من قبل الأمم المتحدة كطرف في اتفاق سلام إدلب، وتحتفظ بحقها في مهاجمتها.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة التركية لإعطاء هويات مزورة للجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة وغيرها من الجماعات التي يعتبرها المجتمع الدولي إرهابيةً، يبدو أن هذه الجماعات تدرك جيدًا أن اتفاق السلام هذا لا يمكن أن يضمن هويتها ويحافظ عليها. لذلك، لا يبدو منطقياً بالنسبة لهم قبول اتفاقية سلام لا تمنحهم الضمان بعدم مهاجمتهم.
إتفاق إدلب؛ فرصة لالتقاط الجماعات الإرهابية أنفاسها
إلى جانب التهديدات والنظرة السلبية للجماعات الإرهابية الموجودة في إدلب حيال الاتفاق بين أنقرة وموسكو، يبدو أن الاتفاق عامل بطريقة ما في تجديد قواها في مجال المعادلات الميدانية.
على مدى السنوات القليلة الماضية أو على وجه التحديد منذ عام 2016، تکبد الإرهابيون هزائم متكررة على جبهات مختلفة. وقد رأوا بوضوح أن جزءاً كبيراً من عناصرهم وقواتهم العسكرية قد تدمر على الجبهات الجنوبية. وفي حلب أيضاً، عانوا من انتكاسات كبيرة، ويبدو أن أملهم الوحيد هو إدلب.
وفي الأشهر القليلة الماضية أيضاً، وبعد الهجمات الکبيرة التي شنها الجيش السوري على مواقع هذه الجماعات على حدود إدلب وحلب، يبدو أن مجال تنفسهم أصبح أكثر ضيقاً. وقوة الضربات الجوية التي قام بها الجيش الروسي، وحتى احتمال نشوب صراع عسكري مباشر بين موسكو وأنقرة، قد زادا من هذه الضغوط.
وفي مثل هذه الأجواء، يبدو أن الجماعات الإرهابية الموجودة في إدلب، يمكن أن تستخدم اتفاق السلام التركي الروسي، كفرصة لإعادة تنظيم نشاطها وتحديث قواتها. وفي الواقع، هذه هي الفرصة الوحيدة التي يمكن لهذه المجموعات تخيلها لأنفسهم.