الوقت- في الوقت الذي تشهد فيه الأراضي المحتلة عملية تطبيع للعلاقات بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية والتي تُعد واحدة من أهم الخطوات المسبقة لتنفيذ "صفقة القرن"، هناك أيضا بعض الدول الواقعة خارج منطقة غرب آسيا تعمل أيضًا بمثابة الفناء الخلفي لهذا الكيان الصهيوني تعمل على تأمين أمنه المحيطي ونفوذها السياسي والاقتصادي في تلك المناطق. يذكر أن الكيان الصهيوني يسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار السياسي وبعض الأزمات الاقتصادية العالمية لتعزيز مشروعيته السياسية في المنطقة وحتى استخدامه في المنافسة السياسية الداخلية، لذلك، يلعب مركز الأبحاث "هرتسليا" دورًا مهمًا في توفير الدعم السياسي والمالي للجماعات الانفصالية وتعزيز الانقسامات الدينية والعرقية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الاخبارية أن الحكومة الأرمينية وافقت على مشروع قانون لفتح سفارتها في "تل أبيب" وبالفعل قبل عدة أيام تم الإعلان رسمياً عن افتتاح سفارة أرمينيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن افتتاح سفارة أرمينيا في إسرائيل وبالتالي تعزيز العلاقات الثنائية يهدف إلى حماية مصالح أرمينيا في المنطقة بشكل أكثر فعالية.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض التقارير أن أرمينيا وإسرائيل أقامتا علاقات دبلوماسية في أبريل 1992، فيما يتعلق بتنمية العلاقات الدبلوماسية، تجدر الإشارة إلى أن "إدوارد نالبانديان" في الفترة 2000 - 2008 شغل منصب سفير أرمينيا في إسرائيل، لكن إقامته كانت في باريس وبعد ذلك تم تعيين السفير الأرميني في مصر "أرمين ملكونيان" في وقت واحد سفيراً لدى إسرائيل في الفترة 2012 - 2018 وابتداء من مارس 2018، عمل "أرمين سمباتيان" سفيراً لدى إسرائيل ومقر إقامته في "يريفان". ومن جهته أعرب "يوسي ميلمان" الخبير الامني الإسرائيلي إن العلاقات بين إسرائيل وأرمينيا تمر بتطور متنام، لا سيما فيما يتعلق بصفقات السلاح، وهي تسعى للتقارب مع إسرائيل، لكن تزويد الأخيرة بالسلاح لأذربيجان، وعدم اعتراف إسرائيل بمذابح الأرمن، تعكر صفو هذه العلاقات. وأضاف "ميلمان"، أن "قادة أرمينيا يسعون لتحسين علاقتهم بإسرائيل، ومن المتوقع أن افتتاح السفارة الأرمينية هذا العام في تل أبيب، ومركز ثقافي في القدس، سيساعد على تحسين العلاقات بين البلدين، خاصتا وأن الجانبين صادقا على إقامة خط طيران أسبوعي بين "تل أبيب" و"يريفان"، لكن ما تبقى فقط ألا يعترض جهاز الموساد والمؤسسة الأمنية على هذا التوجه؛ خشية اغضاب تركيا أو أذربيجان، اللتين تربطهما علاقات سيئة مع أرمينيا".
وفي السياق نفسه، أعرب "زورهاف مانتشاكانيان"، وزير الخارجية الأرمني، أن تجارة السلاح بالنسبة لإسرائيل تجارة رابحة، لكنها بالنسبة لنا تعني موتا، هكذا تحدث بعيدا عن أي لباقة دبلوماسية ردا على تقارير زيادة صفقات السلاح الإسرائيلية إلى أذربيجان، وبين الدولتين يجري صراع حدودي حول إقليم "ناغور نوكارباخ"، الذي تحول في الربع الأخير من القرن الماضي لمعارك دامية بين الدولتين، ولذلك فإن السلاح الإسرائيلي يقوي الطرف الأذري. وأوضح "ميلمان"، أن "موضوعا آخر يزيد من توتير العلاقة الإسرائيلية الأرمينية يتعلق بعدم اعتراف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مر الأجيال بما يعرف بمذابح الأرمن التي نفذها الأتراك، وتعد أحد أشكال الإبادة الجماعية".
وأشار إلى أنه "لسنوات طويلة احتفظت إسرائيل بعلاقات أمنية وسياسية وعسكرية متينة مع تركيا المتهمة بتنفيذ مذابح الأرمن، وكانت من الدول الكبرى المستوردة للسلاح الإسرائيلي بمليارات الدولارات، وكل دولة اعترفت بمذابح الأرمن عادت عليها بردود فعل سلبية من أنقرة، ولذلك أحبط الموساد والجيش الإسرائيلي والصناعات العسكرية كل محاولات الكنيست لإنصاف الشعب الأرمني؛ خشية التسبب بتوتر العلاقات مع تركيا". وأكد أن "سبب عدم تطور العلاقات الأرمنية الإسرائيلية لم يعد تركيا فقط، وإنما أذربيجان أيضا، فقد اعترف رئيسها، "إلهام ألييف"، بأن إسرائيل زودت بلاده في السنوات الأخيرة بصفقات سلاح بخمسة مليارات دولار، كما أن أذربيجان تعدّ إحدى الدول المهمة التي توفر للاستخبارات الإسرائيلية وسلاح الجو الإسرائيلي معلومات أمنية وميدانية تساعد في العمل ضد إيران. ورغم كل ما تقدم، فإن أرمينيا تسعى لتحسين علاقتها مع إسرائيل".
وعلى صعيد متصل، أعرب العديد من الخبراء السياسيين بأن افتتاح أرمينيا سفارة لها في "تل أبيب" سوف يؤثر سلبيا على أمن المنطقة ولفتوا إلى أنه لاشك ان هذا الاجراء يتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني وسيؤثر سلبيا على امن واستقرار المنطقة. ومن جهته إعتبر "حسين أمير عبد اللهيان" الأمين العام لمؤتمر "دعم الإنتفاضة الفلسطينية" الدولي التابع لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) قرار أرمينيا إفتتاح سفارة لها في تل أبيب "عجيبًا"، وطالب "يريفان" بإعادة النظر في قرارها. ولفت "اللهيان" إلى أنه بين طهران ويريفان عاملا مهما في مسار الحفاظ على الامن والاستقرار في المنطقة، معربا عن امله بان تعيد الحكومة الارمينية النظر في قرارها واتخاذ التدابير اللازمة في مسار دعم الشعب الفلسطيني المظلوم والمشرد. ووصف الكيان الصهيوني بانه كيان غير شرعي واضاف، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تؤكد على حق تقرير المصير وحقوق سكان فلسطين الاصليين سواء كانوا مسلمين او مسيحيين او يهودا، ونحن نعتقد بان الصهاينة قد جعلوا حتى اليهود في الاراضي المحتلة رهائن بايديهم.
وفي الختام يمكن القول أنه بالنظر إلى العلاقات بين جمهورية أذربيجان والكيان الصهيوني، ستفهم الحكومة الأرمينية جيدًا مدى تأثير "الموساد" على أمن البلاد، وبالتالي فإن خطتها لفتح سفارتها في "تل أبيب" سوف يعرض استقلالها السياسي والوطني لخطر كبير في المستقبل القريب، خاصتا وأن الكيان الصهيوني لا يعش في وقتنا الحالي في أوضاع جيدة، بسبب التهديدات التي خلقتها له محور المقاومة والجماعات الفلسطينية، وكذلك بسبب انهيار هوية المجتمع الصهيوني وزيادة التحديات الداخلية والانقسامات السياسية، ولهذا فإنه لا يمكن أن يكون هذا الكيان الغاضب ذو مصداقية لكي يشجع بعض الدول لبناء علاقات سياسية واقتصادية معه.