الوقت- قام الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" قبل عدة ايام بإزاحة الستار عن التفاصيل الكامل لـ"صفقة القرن" المشؤومة ولهذا فلقد عرضت جماعات المقاومة الفلسطينية خلال الايام القليلة الماضية عدد من الخطط لمواجهة هذه الصفقة الخبيثة وقاموا باقتراح مجموعة من الاستراتيجيات لمواجهة هذا المخطط اللعين الذي كُتبت جميع بنوده داخل اروقة البيت الابيض الامريكي وفي هذا الصدد، سوف نقوم في مقالنا هذا بتسليط الضوء أكثر على أحد أبرز تلك الاستراتيجيات التي قد تساعد أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم على مواجهة "صفقة القرن" والمتمثلة بقطع التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني" وهنا يجب علينا أولاً أن نفهم طبيعة هذا "التعاون الأمني".
ما هو "التعاون الأمني"؟
"التعاون الأمني" هو تعاون بين الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطينية ووحدة تابعة للجيش الصهيوني والمعروفة باسم "COGAT" وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه الوحدة التابعة للجيش الصهيوني هي المسؤولة عن إدارة الشؤون الإدارية والحضرية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ إنشائها في عام 1981 وأما بالنسبة للجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية، ولا سيما جهاز "الأمن الوقائي"، فإنه كان المسؤول عن تأمين الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية وقطاع غزة وكان المسؤول أيضا عن منع أي مقاومة مسلحة في تلك المناطق وكان يجب على هذا الجهاز الامني الفلسطيني قبل اتخاذ أي خطوة في هذه المناطق أن يقوم بالتنسيق الكامل مع قوات الجيش الصهيوني ويقال إن هذا "التعاون الأمني" تم التوقيع عليه بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني في عام 1995 واطلق عليه بما يسمى اتفاقية "أوسلو 2" للسلام.
إعادة هيكلة الجهاز الأمني بعد الانتفاضة الثانية
وفقًا لاتفاقية "أوسلو 2" للسلام ومنذ التوقيع عليها في عام 1995 عندما تم تأسيس حكومة السلطة الفلسطينية، كان الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطينية يتكون من ثلاثة أجزاء وكان كل واحد من تلك الاجزاء يعمل بشكل مستقل وتحت إدارة منفصلة وكان معظم القضايا الأمنية تحت رعاية جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية وعقب اندلاع الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و 2005 وعقب حدوث الكثير من الأحداث خلال تلك الفترة، قام الصهاينة والأمريكيين ببذل الكثير الجهود والمضي قدما لتغيير هيكلة الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية بالكامل وكان السبب الرئيسي وراء ذلك، يرجع إلى أن جزءا كبيرا من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية شاركت في الانتفاضة الثانية وحتى أن تلك القوات قامت باستخدام أسلحة الأمن والشرطة في تلك الانتفاضة ضد الصهاينة.
ولهذا فلقد قام الامريكيين بإعادة هيكلة كافة أجزاء الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطنية وبالفعل تمكن القادة الامريكيين في عام 2005 من دمج هذا الجهاز مع الاجهزة الامنية الاخرى واجبروا جميع تلك الاجهزة الامنية الفسلطينية على العمل معًا ومنذ ذلك الحين، شاركت جميع أجزاء الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك الشرطة ووكالات الإغاثة مثل إدارة الإطفاء وقسم الطوارئ، في هذا "التعاون الأمني" وبعد ذلك وخلال السنوات الماضية قام الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية بالعمل لتأمين السكان الصهاينة الذين يعيشون في داخل الأراضي الفلسطينية.
الجدير بالذكر أن القادة الامريكيين قاموا باختيار اعضاء هذا الجهاز الأمني منذ عام 2005 من بين الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الأردن وبعد ذلك قام الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والمتمثل بالولايات المتحدة بتدريب تلك القوات الفلسطينية في عدد من المعسكرات داخل الأردن وبعد ذلك تم نقلهم إلى منطقة الضفة الغربية. وفقًا للملحق الأمني لاتفاقية "أوسلو 2" للسلام، أصبح جميع جواسيس ومرتزقة الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة أعضاء في هذا الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطينية.
ومنذ عام 2005 قام الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية بالتعاون مع الجهاز الأمني التابع للكيان الصهيوني، وذلك من أجل اعتقال المقاتلين الفلسطينيين، أو تقديم معلومات عنهم إلى الصهاينة من أجل القبض عليهم في وقت لاحق. وفي هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الاخبارية بأن الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية قام خلال السنوات الماضية وتحديداً عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بتضييق الخناق على العديد من أبطال المقاومة الفلسطنيين وقام ذلك الجهاز الامني باعتقال الكثير من الفلسطنيين وتسليمهم إلى قوات الكيان الصهيوني ولفتت تلك التقارير إلى أن قطاع غزة كان هو القطاع الوحيد الذي لم يتمكن ذلك الجهاز الامني من إدارته وذلك لأن حركة المقاومة الاسلامية حماس هي صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في ذلك القطاع ولهذا الامر فلقد طالب الصهاينة منذ عام 2007 بأن يخضع هذا القطاع إلى ذلك الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطينية والمتعاون مع الصهاينة.
الجهاز الأمني والحرية الفلسطينية
لقد عمل الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية لصالح قادة الكيان الصهيوني الغاصب وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير بأن هذا الجهاز الامني قام من ناحية بوضع الكثير من العراقيل أمام أبطال المقاومة الفلسطينية والمسلحين الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة، ومن ناحية أخرى ساهم في زيادة الأمن والاستقرار داخل الاراضي التي يعيش فيها السكان الصهاينة ولفتت تلك التقارير إلى أن هذا الجهاز الامني يعتبر في وقتنا الحالي واحداً من أبرز العقبات الرئيسية التي تقف كحجر عثرة أمام أي مقاومة لتحرير فلسطين.
بشكل عام، إن مواجهة "صفقة القرن" وجميع الخطط المشابهة لها وعملية تحرير فلسطين، تتطلب أولاً وقبل كل شيء العمل الجاد والمقاومة الشعبية، ومعرفة أن الجهاز الامني التابع للسلطة الفلسطينية يشكل أكبر عقبة أمام تحقيق جميع تلك الاهداف وينبغي على كافة الفصائل والجماعات الفلسطينية معرفة أن الصهاينة هم الذين قاموا بإنشاء هذا الجهاز الامني وذلك من أجل أن يتقاتل الفلسطينيين فيما بينهم البين، وتقل عندهم الرغبة في المقاومة ومواجهة القوات الاسرائيلية. ولهذا السبب، فإنه يمكن القول بأن قطع هذا التعاون الأمني يمكن أن يزيل أهم عقبة أمام الحركة الشاملة ضد الصهاينة و"صفقة القرن" وحتى أن هذا القطع يمكن أيضا أن يخلق بيئة مناسبة لتشكيل دولة فلسطينية حرة عاصمتها القدس الشريف.