الوقت- بعد أيام قليلة من إعلان الاتفاق التجاري بين الصين وأمريكا، وبينما كانت بكين تستعد للاحتفالات بالعام الصيني الجديد، سرعان ما تصدَّر خبرٌ ما عناوين الصحف.
منذ أقل من 10 أيام، أعلنت وسائل الإعلام عن کشف فيروس شديد العدوى في جنوب شرق الصين، وأصبح الإعلان في صدر وسائل الإعلام على الفور.
في البداية أُعلن أنه في مدينة "ووهان" جنوب شرق الصين، أصيب عدد من المواطنين بفيروس غير معروف، حيث وقع بعض الصينيين ضحيةً لهذا الفيروس.
في الأيام الأولى نفسها، أُعلن أن الفيروس المجهول هو من عائلة فيروسات کورونا، التي لا يوجد لها لقاح، كما أنه ينتقل إلى مناطق أخرى بسرعة.
انتشر الفيروس على نطاق واسع في أنحاء أخرى من العالم، ووفقًا لآخر إحصائيات الليلة الماضية، أصيب حتى الآن تسعة آلاف و356 شخصاً في جميع أنحاء العالم بفيروس كورونا المعدي.
كما كانت هناك حالات للإصابة بالفيروس في 15 بلداً حول العالم على الأقل، وتم تنفيذ الحجر الصحي في العديد من المناطق.
في الوقت نفسه، لم يكن للفيروس آثار صحية فحسب، وبدأ ظهور آثاره الاقتصادية والسياسية سريعاً.
هبوط أسعار النفط العالمية بعد انتشار کورونا
لقد انخفض سعر النفط بأكثر من 11 بالمئة عن أربعة أسابيع، وانخفض سعر الذهب الأسود الآن إلى أقل من 57 دولاراً مع انتشار فيروس كورونا.
ويأتي هذا الانخفاض في الوقت الذي حذرت فيه منظمة الصحة العالمية من انتشار فيروس كورونا في أكثر من 20 دولة، معلنةً حالة الطوارئ العالمية.
في الواقع، يرتبط انخفاض أسعار النفط بالوضع في الصين وانتشار فيروس كورونا في هذا البلد، ما أثار قلق العديد من المستثمرين ورجال الأعمال.
کذلك، أدى انخفاض أسعار النفط إلى قلق الدول المنتجة للنفط. ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ستعقد اجتماعها الذي کان من المقرر أن يكون في مارس هذا العام، في أوائل فبراير.
يحاول مسؤولو أوبك تقييم الضرر الاقتصادي لفيروس كورونا وتأثيره السلبي على الطلب على النفط والمنتجات النفطية، والتأثير علی السيطرة على النفط عن طريق الحد من إنتاجه وتزويد السوق العالمية به.
يتوقع الخبراء أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 6/5٪ فقط في الربع الأول من العام الحالي بدلاً من 6٪، شريطة أن تتمكن الصين من التغلب على انتشار فيروس كورونا.
وكل ذلك أخبار سيئة بالنسبة للاقتصاد العالمي وخاصةً سوق النفط، لأن الصين هي أهم عميل للنفط، حيث تستهلك حوالي 14٪ من الإنتاج العالمي من النفط.
ومع ذلك، فقد أعرب بعض خبراء النفط مثل "مايكل سالدن" وهو خبير في "هولدينغ ونتوبل"، عن أملهم في أن ترتفع أسعار النفط مرةً أخرى بمجرد السيطرة على فيروس کورونا.
تأثير كورونا الاقتصادي على الصين
من المرجح أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين بنسبة 1٪ إذا استمرت حالة الطوارئ بسبب انتشار فيروس كورونا. ويمكن أن يكون للمشاكل الاقتصادية في الصين تأثير مدمر على الاقتصاد العالمي.
كان الاقتصاد الصيني أكثر استقراراً في الربع الأول من هذا العام. وكان الاتفاق التجاري الأولي بين الولايات المتحدة والصين أحد العوامل التي ساهمت في استقرار الوضع الاقتصادي في هذا البلد. وبعد التراجع غير المسبوق في النمو الاقتصادي الصيني في الربع الأخير من العام الماضي، كان هناك أمل في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن معدل النمو الاقتصادي في الصين بلغ ستة في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، وكان غير مسبوق في العقود الثلاثة الماضية.
المركز الرئيسي لتفشي فيروس كورونا هو مدينة "ووهان". ووهان مهمة جداً من ناحية نقل البضائع. وللعديد من الشركات العالمية الکبيرة، بما في ذلك شركتا "بوش" و"باستو" الألمانيتان، فروع في هذه المدينة، والتي تلعب دوراً هاماً في نقل البضائع إلى هذه الشركات.
حالياً، هذه الشركات مضطرة لتغيير مسار شحن البضائع والسلع. وخلال انتشار مرض "سارس"(متلازمة الضائقة التنفسية الحادة الوخيمة)، انخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين بنحو واحد في المئة.
وفقاً لتقييم المحللين الاقتصاديين، يمكن لفيروس كورونا هذه المرة أيضاً خفض معدل النمو الاقتصادي في الصين بمقدار النصف إلى واحد ونصف في المئة.
لقد استغرق احتواء فيروس "سارس" في الصين سبعة أشهر. وإذا استغرقت مكافحة فيروس كورونا مثل هذا الوقت أيضًا، فيمکن التهکن بأن تكون عواقبه الاقتصادية أوسع من أزمة "سارس".
كورونا يؤثر على الاقتصاد العالمي
يمكن تقدير الآثار الاقتصادية المترتبة على استمرار حالة الطوارئ بسبب تفشي هذا المرض، استناداً إلى خبرة سنوات الـ 17 الأخيرة. في ذلك الوقت، أزَّم تفشي "سارس" الاقتصاد الصيني، وأثر على الاقتصاد العالمي بأسره.
التجارة الأقل، الانخفاض الحاد في عدد المسافرين إلى الصين ومن الصين إلى البلدان الأخرى، والانخفاض الحاد في أسعار الأسهم، کان من عواقب تفشي مرض "سارس" في هونغ كونغ في عامي 2002 و2003.
يمكن أن يكون التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا على الاقتصاد العالمي أشد بكثير مما تسبب به فيروس سارس. كانت حصة الصين من الاقتصاد العالمي حوالي 5٪ في فترة انتشار فيروس سارس في هونغ كونغ، بينما وصلت حصة الصين من الاقتصاد العالمي اليوم إلی أكثر من 16٪.
لذلك، يعتقد المحللون الاقتصاديون أن سعالاً صغيراً من قبل الصين يكفي لإصابة العالم بأسره بالمرض.
أمريكا لم تخفِ سعادتها
في الوقت نفسه، لم يخف المسؤولون الأمريكيون سعادتهم بتفشي كورونا. بمن فيهم وزير التجارة الأمريكي "ويلبور روس" الذي أقر مؤخراً بالدور الأمريكي في تفشي المرض في الصين في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، وقال إن تفشي کورونا في الصين يمكن أن يسهل عودة الوظائف إلى الولايات المتحدة.
وصرح روس في مقابلة تلفزيونية أنه "أعتقد أن هذا سيساعد في تسريع عودة الوظائف إلى أمريكا الشمالية".
مع ذلك، منتقدو إدارة الرئيس دونالد ترامب انتقدوا تصريحات وزير التجارة، وشكك عضو الكونغرس "دون باير" في الفوائد التجارية أثناء تفشي هذا الفيروس المميت.
كذلك، شكك عدد من الاقتصاديين في تصريحات روس. ووصف "سيمون بابتيست" من وحدة الاستخبارات الاقتصادية في سنغافورة، في مقابلة مع بي بي سي، تصريحات وزير التجارة بأنها "غريبة".
وقال: "لا تتخذ الشركات قراراتها الجدية وطويلة الأجل على أساس تفشي مرضٍ يمكن أن يستغرق ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر".
يقول بابتيست إن الفيروس الجديد يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي، وفي الحقيقة ستكون أمريكا خاسرةً بشکل کامل، لأنه على الرغم من كل ذلك، لا تزال الصين سوقًا كبيرةً للولايات المتحدة، لذلك إذا تباطأ النمو الاقتصادي الصيني بشكل كبير، فقد يكون له تأثير كبير على الولايات المتحدة.
الشكوك حول دور أمريكا في انتشار كورونا
وفقًا لوجهة نظر وزير التجارة في إدارة ترامب، الذي اعتبر تفشي كورونا لصالح الاقتصاد الأمريكي، فقد يكون من الممكن أن يكون انتشار هذا الفيروس نتيجةً للأداء البشري وبناءً على تخطيط مسبق.
في الحقيقة، يبدو أنه علی الرغم من أن النمو السلبي والآثار السلبية للاقتصاد الصيني بسبب کورونا يمكن أن يؤثرا على الاقتصاد الأمريكي أيضاً، ولكن المسؤولين الأميركيين بمن فيهم وزير التجارة، ينظرون الآن في الفوائد قصيرة الأجل لهذه الأزمة، من حيث جذب فرص العمل من الصين.
من ناحية أخرى، يتماشى هذا أيضًا مع تضخيم وسائل الإعلام الأمريكية والغربية للأوضاع، ويبدو أنها تحاول تصوير الوضع الداخلي للصين بشكل متأزم للقول إن الاستثمار غير آمن فيها، ونتيجةً لذلك، يخصِّص الإعلام الغربي تغطيةً واسعةً للوضع الصيني خلال انتشار كورونا.