الوقت - بعد موافقة البرلمان العراقي على ترحيل القوات الأجنبية وفي مقدمتها القوات الأمريكية، هنالك جدل ونقاش هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، حول المستقبل السياسي للبلاد بعد مغادرة الأمريكيين.
في غضون ذلك، فإن خلاف الجهات الفاعلة الداخلية العراقية في شكل هويات مختلفة، بما في ذلك الشيعة والسنة والأكراد، ملحوظ للغاية. فمن ناحية، تعتقد الغالبية الساحقة من العراقيين أن قوات الاحتلال الأمريكية يجب أن تغادر في أسرع وقت ممكن. وفي المقابل، نجد أن بعض القادة السياسيين السنة والأكراد قلقون بشأن هذا الأمر، وبطريقة ما يريدون أن يبقى الأمريكيون في العراق، خلافاً للإرادة العامة للمواطنين العراقيين.
في هذه الأثناء، أحد أهم المناقشات التي تطرح بشکل غير معلن حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق، يتعلق بجهود بعض الشخصيات السياسية السنية القريبة من تحالف "البناء" برئاسة "هادي العامري"، لإنشاء ولايات سنية في المناطق المتاخمة لإقليم كردستان.
مع ذلك، فإن اللافت في الأمر هو أن وفداً سياسياً من سنة العراق قد التقى مؤخراً بممثلي أمريكا في الإمارات. وهذا يدل على أن الخطة هي في الأساس خطة أمريكية لتعطيل عملية طرد القوات الأمريكية، ويبدو أن واشنطن، في ظل الظروف الجديدة التي ترى أن الأمور تتعارض مع مصالحها ورغباتها بشدة، تسعى لتنفيذ خطة إنشاء إقليم سني جديد.
مع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو إلى أي مدى يمكن تنفيذ خطة الإقليم الجديد في العراق بدعم وأجندة أمريكا السرية؟ وفي المستوى الآخر، ما هي العقبات الأخرى التي من المحتمل أن تواجهها؟
لكن قبل الإشارة إلی العقبات التي تواجه أمريكا لإنشاء إقليم سني بهدف تفكيك العراق، من الضروري أيضًا دراسة القضية في السياق القانوني.
الآلية القانونية لإقامة إقليم جديد في العراق
فيما يتعلق بإقامة الولايات الفيدرالية العراقية، فإن الدستور الدائم للبلاد يدعم صراحةً قيام الدولة الفيدرالية.
وفقًا للمادة 116 من الدستور، يتألف النظام الفيدرالي العراقي من العاصمة والولايات والمحافظات الخارجة من المرکز والإدارات المحلية. كذلك، الفقرة الثانية من المادة 117 من الدستور العراقي-بالإضافة إلى إقليم كردستان کولاية قانونية ومقبولة- تشدد على قبول ولايات جديدة تتشكل دستورياً أو من خلال الامتثال للقانون.
ولكن في حل أكثر تحديداً، تناقش المادة 119 من الدستور العراقي آلية إنشاء إقليم جديد. وفقًا لهذه المادة، يحق لمحافظة أو أكثر (عدة محافظات) والتي تتوفر لديها الشروط اللازمة للتقدم بطلب إجراء استفتاء، إنشاء إقليم جديد.
والطلب يجب أن يکون وفق أحد الطريقين التاليين:
ألف) طلب ثلث أعضاء الرابطة السياسية للمحافظة - أو المحافظات – التي ترغب في إنشاء إقليم.
ب) طلب عُشر المشارکين في انتخابات المحافظة - أو المحافظات - التي ترغب في إنشاء إقليم.
يمكن القول بشكل عام إن خطة إنشاء إقليم سني تجد الدعم والضمان التنفيذي في الدستور العراقي، لكن القضية هي أنه في كل السنوات التي أعقبت عام 2003، هل كانت القضايا الحدودية والإقليمية تسير وفقاً للدستور، أم الحقائق الميدانية هي التي لعبت الدور الحاسم في ذلك؟
لا شك، كما هو الحال في جميع السنوات السابقة، أن الدستور وخاصةً فيما يتعلق بإنشاء إقليم سني أو أي إقليم اتحادي آخر، يتأثر بالوضع السياسي في البلاد، وفي ظل الظروف الحالية يبدو تنفيذ هذه الخطة غير ممكن، لأنه في الحالة الحرجة الحالية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع السياسي والاقتصادي المعقد في البلاد فحسب، وليست له نتيجة أخری.
ما الذي تبحث عنه أمريكا في إنشاء إقليم سني؟
إن تحريض الولايات المتحدة العرب السنة العراقيين على إنشاء إقليم جديد في الوضع الحالي، يأتي لتحقيق خمسة أهداف أساسية کما يلي:
1- تعطيل عملية تنفيذ القرار التشريعي للبرلمان لطرد القوات الأمريكية.
2- زيادة الضغط على السياسيين والحكومة العراقية للتوقف عن محاولة تنفيذ خطة ترحيل القوات الأمريكية.
3- دفع العراق على طريق التفكك والتقسيم: يدرك الأمريكيون جيدًا أن العراق الموحد لن يخدم مصالحهم أبدًا، وأنه يمكنهم إدارة الأمور في اتجاه دورهم النشط في حالة الأزمة والانقسام فحسب.
4- قد يؤدي إنشاء إقليم سني إلى الاحتفاظ بالقواعد العسكرية الأمريكية في المناطق السنية، ولا سيما قاعدة "عين الأسد" العسكرية كأهم قاعدة عسكرية أمريكية.
5- الهدف الأمريكي الآخر هو استمرار الأزمة وزيادة مستوى الصراع في العراق. حيث تخطط الولايات المتحدة عن طريق إقامة إقليم سني، لتحفيز المشاعر العامة للعرب السنة وإخراجهم إلى الشوارع لدعم خطتها.
ولكن على الرغم من هذا التخطيط، يمكن التنبؤ بأن الولايات المتحدة ستواجه عقبات خطيرة في تحقيق أهدافها، ولا يمكنها تنفيذ خطة إنشاء الإقليم السني. وفي سياق شرح ذلك، يمكن تقديم الأدلة الثلاثة التالية:
1- على عكس تصورات الأميركيين، فإن المستوى الكلي للرأي العام العراقي يعارض تقسيم البلد والتباعد. حتى أن الغالبية العظمى من الأكراد والسنة لا يريدون التخلي عن استقلال العراق على الإطلاق، وليسوا مستعدين للسير في هذا الطريق خطوةً واحدةً.
2- السياسيون العراقيون، من الشيعة والأكراد والسنة، ليس لديهم إرادة لإنشاء إقليم سني. قد تكون هناك أقلية من الناس يطالبون بهذه الخطة، ولكن الحقيقة هي أن الإرادة السياسية لتفكيك العراق لديها قدرة تنفيذ منخفضة للغاية في بغداد.
3- على مستوى آخر، فإن الإرادة الجديدة للمناضلين الشيعة لمواجهة الولايات المتحدة من أجل خروجها من العراق بشکل نهائي، لها أهمية كبيرة. منذ اغتيال الشهيد قاسم سليماني، أعلن مقتدى الصدر وقادة الحشد الشعبي صراحةً أن قوات جيش المهدي والحشد الشعبي لن تسمح باستمرار الاحتلال العسكري الأمريكي. وفي المستقبل أيضاً، يبدو حتميةً إمكانية استهداف القواعد العسكرية الأمريكية إذا أصرت على عدم مغادرة العراق.
لذلك، يمكن التقييم بثقة كبيرة أن خطة أمريكا لإقامة إقليم سني هدفه الأساسي تفكيك العراق، قد فشلت من الآن.