الوقت- انتهت المفاوضات بين وزيري الخارجية والدفاع الروسي والتركي مع قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال "خليفة حفتر"، ورئيس حكومة الوفاق الوطنية الليبية التي انطلقت يوم الاثنين الماضي في العاصمة الروسية موسكو، دون تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع ويرجع فشل تلك المفاوضات إلى تدخّل عدد من الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية في ليبيا، الامر الذي أدى إلى خلق وضع مماثل للأزمة في سوريا وفي وقتنا الحالي يكتنف التطورات السياسية والميدانية الليبية غموض كبير، دفع تلك الجهات الفاعلة إلى إعادة تحديد استراتيجياتها في ليبيا.
محادثات موسكو
لقد مر حوالي تسعة أشهر منذ أن بدأت الهجمات العسكرية التي شنها الجنرال "خليفة حفتر" للاستيلاء والسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس وفي الثاني من شهر يناير الماضي، وافق البرلمان التركي على طلب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، ومنذ الاسبوع المنصرم قامت الحكومة التركية بإرسال الكثير من قواتها العسكرية إلى العاصمة طرابلس. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن الدور التركي والروسي زاد بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة في ليبيا أكثر من الجهات الفاعلة الأخرى وبناءً على ذلك، تمكنت تلك الدولتان خلال الايام القليلة الماضية من ممارسة الكثير من الضغط على الاطراف الليبية المتنازعة لقبول مباردة وقف مؤقت لإطلاق النار والدخول في مفاوضات لنزع فتيل التوترات، وبالفعل دُعي في وقت سابق من هذا الاسبوع كل من "فايز السراج" و"خليفة خفتر" إلى العاصمة الروسية موسكو لعقد محادثات سلام بينهما وبحضور عدد من المسؤولين الأتراك والروس.
وبالفعل وافق الجانبان على وقف الأعمال القتالية يوم الأحد الماضي، وعقب ذلك قام الجانبان بالتوقيع على اتفاقية رسمية في موسكو لإضفاء الطابع الرسمي على عملية وقف إطلاق النار وفي تلك الاتفاقية تمت دعوة الأطراف المعنية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة وبالإضافة إلى ذلك، طالبت تلك الاتفاقية الأطراف الليبية المعنية بذل الكثير من الجهود من أجل إرجاع حالة الامن والاستقرار إلى العاصمة طرابلس وغيرها من المدن الليبية ودعت أيضا تلك الاتفاقية إلى ضرورة تشكيل لجنة عسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من أن "فايز السراج" وافق على شروط تلك الاتفاقية، إلا أن "حفتر" لم يوافق على التوقيع على تلك الاتفاقية وفي هذا السياق، ذكرت مصادر اخبارية بأن الجنرال "حفتر" كانت لديه الفرصة للتوقيع على تلك الاتفاقية حتى صباح يوم أمس الثلاثاء، إلا أنه ترك موسكو بشكل مفاجئ دون توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى "حفتر" سافر من موسكو إلى الأردن في رحلة غير رسمية ومفاجئة، وهذا الامر أثار غضب المسؤولين الأتراك الذين قالوا بأنه شخص لا يفي بوعوده ولا يمكن الاعتماد عليه وفي هذا الصدد، ذكر العديد من الخبراء السياسيين بأن امتناع "حفتر" عن التوقيع على تلك الاتفاقية يرجع إلى تلقيه بعض الاوامر من السعودية والإمارات، ولفتوا إلى أن هذا الامر يؤكده الدعم المالي والعسكري الذي قدمته هاتين الدولتين خلال الفترة الماضية لهذا الجنرال الليبي الذي بدأ قبل نحو أسبوعين موجة جديدة من الهجمات لإحتلال العاصمة الليبية طرابلس. وفي السياق نفسه، صرح بعض المسؤولين الليبيين، أن " الجنرال حفتر أجرى محادثات استمرت خمس ساعات مع المسؤولين السعوديين والمصريين والإماراتيين بعد مغادرته موسكو".
ومن جهتها، ذكرت قناة "العربية" في بيان لها حول عدم توقيع الجنرال "حفتر" على تلك الاتفاقية، حيث قالت: "في الخطة الروسية التي وضعتها لوقف إطلاق النار في ليبيا، لم تؤخذ بعض مطالب الجيش الوطني الليبي في الاعتبار، بما في ذلك حل ميليشيات الإخوان المسلمين". وفي ضوء ما تقدم ذكره، يمكن القول أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى فشل مفاوضات موسكو، خاصتاً وأن هذا الفشل صب في الواقع في صالح بعض دول المنطقة وتلك الاسباب هي كالتالي: 1) منع جماعة الإخوان المسلمين من الحصول على السلطة 2) عدم الاعتراف بحكومة الوفاق الوطنية الليبية والاتفاقيات السياسية والأمنية التي وقعت عليها تلك الحكومة مع الجانب التركي 3) إلغاء دور الوساطة التركية.
آفاق التطورات السياسية والميدانية الليبية بعد فشل مفاوضات موسكو
لقد لعب الجانبان الروسي والتركي دورا بارزا في التطورات السياسية والميدانية الليبية خلال الفترة الماضية، خاصتا عقب إرسال الحكومة التركية الكثير من المعدات العسكرية إلى العاصمة الليبية طرابلس وقيام الجانب الروسي بالتوسط بين الاطراف الليبية المتنازعة من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات والتوقيع على اتفاقية لوقف اطلاق النار والتي كتب لها الفشل في نهاية المطاف ولهذا يمكن القول هنا بأن اتجاه التطورات المستقبلية في هذا البلد الشمال أفريقي سوف يتأثر إلى حد كبير بهاتين الدولتين وبالطبع، هذا لا يعني أن باقي الجهات الفاعلة الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي والمحاور العربية والأمريكية سوف لن يكون لها دور في تلك التطورات.
وفي هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن لدى موسكو مصالح مشتركة مع طرفي النزاع في ليبيا، فمن ناحية، تمتلك موسكو العديد من القواعد العسكرية القديمة مثل قاعدة "الوطنية" التي تخضع تحت سيطرة قوات الجنرال "حفتر"، وهي قاعدة مهمة لدعم العمليات الروسية في سوريا وفنزويلا، ومن ناحية أخرى، لدى روسيا مصالح اقتصادية متنوعة مع الحكومة الوفاق الوطنية الليبية مثل بناء خطوط سكة حديد "سرت - بنغازي" والأهم من ذلك أن ليبيا هي أحد مصّدر الغاز لأوروبا. لذا تحاول روسيا التصرف بطريقة تحقق فيها التوازن بين المصالح الأمنية والاقتصادية.
وفي سياق متصل، يمكن القول أنه لأسباب أيديولوجية، تحتاج تركيا إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين التي تربطها علاقات جيدة بحكومة الوفاق الوطنية الليبية ولأسباب جيوسياسية، تُعتبر حكومة الوفاق الوطنية هي الضمان لحماية مصالح الحكومة التركية في منطقة البحر الابيض المتوسط، لذا فإن طرابلس تعتبر خط أحمر بالنسبة لتركيا، وحتى لو أدى ذلك إلى التدخل العسكري، فإن أنقرة لن تسمح بسقوط طرابلس في أيدي الجنرال "حفتر" ومن ورائه الرياض وأبو ظبي والقاهرة. لذا يمكن القول هنا أنه خلال الأيام المقبلة، سوف تلعب موسكو دورا هاما في تعيين اتجاه بوصلة المعادلات السياسية والميدانية الليبية، وبالإضافة إلى ذلك سوف نرى بأن أنقرة هي الاخرى سوف تقوم بدعم المحادثات السياسية، وستسعى لفرض المزيد من الضغوط على الجنرال "حفتر"، مما سيؤدي إلى تصعيد مؤقت للنزاع العسكري في ليبيا في الأيام المقبلة.