الوقت- تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم اختباراً سياسياً وإنسانياً هو الابرز منذ إحتلال الكيان الإسرائيلي لدولة فلسطين عام 1948. ويتمثّل الإختبار الذي سيثبت للشعوب العربية، عاجلاً أم آجلاً، الصديق من العدو، بمحورين أساسيين هما القضية الفلسطينية والأزمات التي يمر بها الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه.
ولاشك أن نتائج الأزمات الحالية سترسم مستقبل الأبناء والأحفاد، وبالتالي فإن أي فشل يعني أولاً تكرار سيناريو 1948 في فلسطين المحتلة، وثانياً تقسيم المنطقة على غرار سايكس بيكو عام 1916، وثالثاً الهجرة الجماعية لشعوب المنطقة إلى الغرب كما حصل إبان الإحتلال العثماني، ورابعاً سيطرة التنظيمات التكفيرية على المشهد العربي تماماً كما فعل الوهابيون بالتعاون مع آل سعود في الحجاز، وخامساً مشاهدة الآلاف من الصور التي تدمي القلب، تماماً كما شاهد العالم بالأمس الطفل السوري ايلان الكردي على شاطئ بحر بدروم التركي.
المفارقة اليوم، أن كافّة هذه الأخطار المصيرية تتربص بمنطقتنا العربية في آن واحد ومن كل حد وصوب، فالقضية الفلسطينية غابت عن ألسن الحكام العرب منذ إندلاع الثورات عام 2010 ومنذ ذلك الحين يعيث الكيان الإسرائيلي في الأرض فساداً، و«العثمانيون الجدد» يريدون تنفيذ أجندة السلطان في سوريا والعراق ومصر، وتنظيم داعش الإرهابي يريد تطبيق الأجندة الوهابية لبناء «الخلافة الإسلامية» المزعومة، وأمريكا تريد تقسيم المنطقة بين قومي وديني، عربي وفارسي وكردي، مسلم ومسيحي ويهودي، سني وشيعي وعلوي، وأبواب أوروبا قد فتحت لبعض مئات الآلاف الذين نجوا من الغرق في أعماق المتوسط، تماماً كما حصل مع الشعبين السوري واللبناني في رحلتهم إلى أمريكا الجنوبية إبان الإحتلال العثماني.
إن ولادة هذا المشهد المخزي تشي بالبحث عن الدور الذي تلعبه الأنظمة العربية حالياً في المنطقة، فـ" ماذا قدّمت الدول العربية للقضية الفلسطينية؟ وماذا فعلت هذه الدول لمعالجة الأزمات التي تعصف بالمنطقة؟ وأين يكمن دور الشعوب في هذه المرحلة الإستراتيجية؟
القضية الفلسطينية
لطالما كانت القضية الفلسطينية "البوصلة" التي يحدّد من خلالها الحكام العرب أهدافهم وإستراتيجياتهم، فلأجلها إتحدوا، ولشعبها قدّموا آلاف الشهداء، ولقدسها خاضوا أعتى الحروب مع الكيان الإسرائيلي، ولكن كيف أصبحوا اليوم؟
بدايةً، يمكن أن نلحظ غياب القضية الفلسطينية بالكامل منذ بدء ما يمسى بـ«الربيع العربي» عن لسان أغلب الحكام العرب، حتى أنه في حرب غزة الأخيرة منعت بعض الدول الشعب من الخروج في تظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني، في حين شاهدنا العشرات من تظاهرات الدعم في مختلف العواصم العالمية، حتى تلك التي تربطها علاقات وثيقة مع تل أبيب. كذلك بات الحديث عن لقاء عربي- إسرائيلي، ليس في السر فقط بل على العلن، أمراً طبيعياً، فضلاً عن مشاركة البعض من أنظمة المشيخات في بناء المستوطنات الإسرائيلية.
في الحقيقة، إن المشهد الفلسطيني يميط اللثام عن تخاذل غير مسبوق من بعض الأنظمة، ليس تجاه القضية الفلسطينية فحسب، بل حتى تجاه شعوبها وشعوب المنطقة، فلو حصلت المقاومة الفلسطينية على ربع ما تسلمته الجماعات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي، لكنا اليوم نصلي في الأقصى. ربّما يكون السبب في تخاذل بعض الحكومات العربية، أنها تقوم على التناقضات، فلو تمت إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود، لعاشت شعوب المنطقة في إستقلال وحرية تضر بمصالح العديد من دول «العائلات»، فكيف ستقود السعودية العديد من دول المنطقة، في حال إستعاد كل من مصر وسوريا والعراق أدوارهم في المنطقة؟
أزمات المنطقة
وأما في المحور الثاني، فلم يقتصر الموقف العربي على التخاذل فحسب، بل تشير الوقائع إلى تواطئ ومشاركة العديد من الدول العربية في مؤامرة تطيب لي تسميتها بالكونية على بلادنا العربية عموماً، وسوريا على وجه الخصوص. وتنطلق كونية المؤامرة من مشاركة الغرب (أمريكا وبريطانيا و..) والكيان الإسرائيلي والعثمانيين الجدد(تركيا) والجماعات التكفيرية صاحبة المنشأ الوهابي، وحتى بعض الدول العربية.
في الواقع، لو أنفقت كل من السعودية وقطر على شعوبنا العربية والإسلامية، نصف تلك الإنفاقات التي وصلت إلى أيادي الجماعات التكفيرية، أو ضربت الطائرات السعودية الجماعات الإرهابية بدلاً من الشعب اليمني المسلم، لكنا اليوم نعيش في رخاء وأمن وسلام، يحسدنا عليه العالم بأسره، ولكانت الهجرة عكسية، أي بإتجاه الوطن العربي لجميع أبناءه الذين تركوه قاصرين أو مقصّرين.
وعند حديثنا عن الهجرة التي أدمت قلوب شعوبنا، لا بد من أن نستحضر في الوقت نفسه، دموع وزيرة الخارجية السويدية التي هطلت على خدها بالأمس في حين لا ندري ماذا كان شعور الزعماء العرب عندما شاهدوا الصورة، كما ولا بد من إستحضار تصريح المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الذي جسّد واقع العالم العربي الأليم، عندما نوهت إلى مرارة هذا الواقع، وكيفية تعامل القائمين على أمر المسلمين بتلك البلاد مع الأحداث التي حلت عليه، عندما قالت: "غدا سنخبر أطفالنا أن اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى بلادنا، وكانت "مكة بلاد المسلمين" أقرب اليهم، غدا سنخبر أطفالنا أن رحلة اللاجئين السوريين إلي بلادنا، كانت كهجرة المسلمين الى الحبشة، ففيها حاكم نصراني لايظلم عنده احد ابداً".
قد تكون ميركل محقّة في قصتها المؤلمة لنا، ولكن الحكاية لم تنته بعد، فغداً سنخبر أطفالنا كيف تعامل القائمون على أمرنا مع اللاجئين، تماماً كما سنخبرهم أننا، شعوب المنطقة، كيف لفظنا هذه الحكّام. إننا كشعوب عربية اليوم، بتنا نتحمّل وأكثر من أي وقت مضى مسؤولية القضية الفلسطينية والأزمات الإقليمية، لأن زعمائنا باتوا مصداقا لقول الشاعر: ولا ترجُ السماحة من بخيل، فما في النار للظمأن ماء!