الوقت- عقب الرسائل الحازمة الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين و ظهور موجة الثأر لدماء القائد العظيم وشهيد الإسلام الحاج قاسم سليماني، بين أبناء الشعب الإيراني والشعوب الحرة في المنطقة والعالم، فإن الرعب والخوف اكتنف قادة البيت الأبيض حيث أنهم لجأوا منذ يوم أمس إلى جميع وسائلهم وطرقهم المتاحة لمنع إيران وجميع فصائل المقاومة من الرد على عملية الاغتيال الجبانة.
تهديدات ترامب؛ السهم الأخير في القوس
منذ الأمس، وفي ظل تزايد الضغط النفسي على الرئيس الأمريكي، سواء في الداخل، حيث يعتبره المنتقدون المقصر في توريط الولايات المتحدة الامريكية في حرب أخرى في الشرق الأوسط بعواقب لا يمكن تعويضها، أو في سياق التطورات الإقليمية حيث يتزايد اصطفاف المنتقمين من الخطأ الاستراتيجي المتمثل في اغتيال الجنرال سليماني يوماً بعد يوم. حاول ترامب في سلسلة من التغريدات أن يُظهر أنه مسيطر على الاوضاع وصرف إيران عن الانتقام عبر تهديداته. ففي البداية قال ليلة أمس في تويتر، "لقد أنفقت الولايات المتحدة مؤخراً 4 تريليونات دولار على المعدات العسكرية. نحن أكبر وأفضل (ربما الجيش) في العالم. إذا هاجمت إيران اي قاعدة أمريكية أو أي أمريكي، فسنوجه بعض هذه المعدات الجديدة والجميلة نحوها دون تفكير".
"كان [قاسم سليماني] قد هاجم سفارتنا وكان يحضر للهجوم على بعض الأماكن الأخرى. إيران كانت لسنوات عديدة تفتعل المشكلات فقط. خذوا هذا كتحذير: إذا هاجمت إيران أي أمريكي او مصالح أمريكية، فسنهاجم 52 مواقعاً داخل إيران (اشارة الى الـ 52 أمريكاً الذين احتجزتهم ايران كرهائن منذ عدة سنوات)، بعضها على مستويات مهمة جداً لإيران وللثقافة الإيرانية، وسيتم استهداف تلك الأهداف وإيران نفسها بسرعة كبيرة وبكثافة كبيرة. أمريكا لا تريد أن يوجه لها أي تهديد".
كما كتب في تغريدة أخرى لتبرير قراره الخاطئ: "هؤلاء هاجمونا ونحن ردينا واستهدفناهم. إذا هاجموا مرة أخرى - وهو ما أنصحهم بشدة بعدم القيام به - فسنضربهم بشدة لدرجة أنهم لم يتعرضوا لمثلها حتى الآن".
وفي هذا الصدد، ارسل البنتاغون الى المنطقة جزءاً من القوات الأمريكية المتمركزة في القواعد القريبة. حيث ذكرت قناة "فوكس نيوز" أنه غادر أكثر من 3000 جندي أمريكي قاعدة "فورت براغ" الوقاعة في كارولينا الشمالية، متوجهين إلى الكويت.
وفي وقت سابق، وافقت وزارة الدفاع الأمريكية على ارسال ثلاثة آلاف و500 جندي من قوات الرد السريع التابعة لسلاح الجو الأمريكي الى الشرق الأوسط بواسطة المدمرة الحربية USS BATAAN.
تشير هذه التهديدات أكثر من أي شىء آخر إلى الضغط الهائل الذي يتعرض له ترامب بسبب الخطر الكبير الذي تشعر به القوات الأمريكية وقواعدها في المنطقة والذي من شأنه اي يحقق فشلاً استراتيجياً ونهاية للوجود الأمريكي في منطقة غرب آسيا، اذ ان خلال اليومين الماضيين توجهت وفود من قطر وسلطنة عمان إلى إيران بطلب من مسؤولين أمريكيين ، لعل طهران تنصرف عن تنفيذ تهديداتها أو على الأقل ترد ردا مقبولاً، ولكن بالطبع رجعت تلك الوفود خالية الوفاض.
تطورات العراق في مركز الأزمة
عقب الهجوم الإرهابي على قافلة قادة الحشد الشعبي وقائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الاسلامية، تحول العراق، مثل إيران، مركزاً لبركان الغضب والاستياء من تواجد القوات الأمريكية في المنطقة. التطورات في العراق هي في مركز الاهتمام الدولي بسبب وجود قواعد أمريكية مختلفة في البلاد. وحيث تستعد مختلف الفصائل الجهادية والمقاومة في العراق لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
ونقلت قناة "روسيا اليوم" عن قائد القوة الخاصة في حركة "النجباء" العراقية قوله، "موقفنا ثابت مع موقف إخوتنا في كتائب "حزب الله"، ونكرر الدعوة للأجهزة الأمنية العراقية بالابتعاد عن القواعد الأمريكية اعتبارا من مساء يوم الأحد، وكذلك على العراقيين الابتعاد وعدم التواجد في الشركات الأمريكية ولا في آلياتهم".
كما حثت كتائب حزب الله العراقي يوم السبت جميع القوات العسكرية في البلاد على عدم الاقتراب لمسافة كيلومتر واحد من القواعد التي تستضيف قوات أمريكية.
وفي الوقت نفسه، ارسلت الولايات المتحدة الامريكية قواتها الى العراق خوفاً من الأحداث المستقبلية وأعلنت تعليق برامج التدريب المشتركة مع القوات العراقية.
وفي حدث مهم آخر مرتبط بالعراق وافق يوم أمس الاحد، البرلمان العراقي على مشروع قانون للرد على الهجوم الأمريكي. حيث أعلنت مصادر إخبارية عن اتفاق بين كتلتي فتح بقيادة هادي العامري وسائرون بقيادة مقتدى الصدر لإصدار قانون اخراج القوات الأمريكية من العراق والذي جاء فيه:
"قرر مجلس النواب بجلسته الثامنة والعشرين المنعقدة بتاريخ 5/1/2020 من الفصل التشريعي الأول السنة التشريعية الثانية/الدورة النيابية الرابعة واستناداً الى احكام المواد (59/ثانياً) و(1) و(109) من الدستور واستناداً الى الواجب الوطني والرقابي لمجلس النواب كممثل للشعب العراقي بجميع مكوناته، وحرصاً على سلامة العراق وسيادته على أراضيه وشعبه ووفقاً للصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور، اصدار القرار الآتي:
1ـ إلزام الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها الى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بتاريخ 2016 وذلك لانتهاء العمليات العسكرية والحربية في العراق وتحقق النصر وعلى الحكومة العراقية العمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية في الأراضي ومنعها من استخدام الأجواء العراقية لأي سبب خلال مدة .
2- على الحكومة العراقية ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة ان تعلن إعداد الفنيين والمدربين الأجانب التي تحتاجهم وأماكن تواجدهم ومهامهم ومدة عقودهم.
3-على الحكومة العراقية ممثلة بوزير الخارجية التوجه الى الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي وتقديم الشكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ارتكابها لانتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وامن العراق.
4- ينفذ هذا القرار من تاريخ التصويت عليه.
وقبل الإعلان عن هذا القانون أمام البرلمان ، خيم الخوف على أمريكا ، حيث نقل موقع "المسلة" عن مصدر مطلع قوله: ان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اتصل برئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في الساعات القليلة الماضية وطلب منه عدم عقد جلسة طارئة للبرلمان من اجل مناقشة اخراج القوات الأمريكية. وطلب بومبيو من الحلبوسي حث نواب السنة على عدم حضور الجلسة.
وفي المقلب الآخر، نقلت "سكاي نيوز" عن المكتب السياسي لحزب الله قوله: "يجب إلغاء اتفاقية الإطار اﻻستراتيجي التي خرقتها أميركا خرقا سافرا وضربتها عرض الجدار حيث باتت ملغية بحكم الأمر الواقع".
وأضاف البيان "شعبنا الجريح المكلوم يصوب نظره إلى ما ستسفر عنه جلستكم (الأحد) متوسماً فيكم الشجاعة والغيرة، وكله أمل أن تكون هذه الجلسة انتفاضة عراقية لكرامته ودماء أبنائه التي استباحتها دولة الإرهاب الأولى في العالم".
وبالتزامن مع طرح مسودة هذا القانون كشفت لجنة الامن والدفاع في البرلمان العراقي عن عزم اللجنة تقديم شكوى لمجلس الأمن، بشأن القصف الأميركي لمواقع على الأراضي العراقية.
وأشار رئيس اللجنة الخزعلي في تصريح، الى قيام اللجنة بإعداد عدد من المواضيع لمناقشتها في جلسة البرلمان، ومن بينها مشروع قانون الاتفاقية الإطار الاستراتيجي، وإلزام الحكومة من خلال وزارة الخارجية، بتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي ازاء استهداف الولايات المتحدة الأراضي العراقية، مؤكدا ان وجود القواعد الأميركية في العراق يعتبر احتلالاً بغطاء غير قانوني، ويمثل مصدر قلق لدول الجوار.
وأضاف الخزعلي ان لجنة الأمن والدفاع النيابية لا تعارض عقد اتفاقيات مشتركة بالجوانب التجارية والاقتصادية والثقافية، لافتا الى ان الاتفاقية الأمنية تنص على عدم تدخل القوات الأميركية في الشأن الداخلي، وان تقتصر مهمتها على تدريب وتسليح القوات العراقية.
كما اعلنت بغداد في خطوة أخرى عن استدعاء السفير الامريكي في بغداد وابلاغه بضرورة الحد من العمليات العسكرية الامريكية في الاراضي العراقية، حيث أعلن المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة، عبد الكريم خلف، الأحد، عن استدعاء السفير الأميركي في بغداد، وقال خلف في تصريح لوكالة الأنباء الروسية الرسمية (5 كانون الثاني 2020)، إن “هناك توجيه من الحكومة العراقية، إلى وزير الخارجية، محمد علي الحكيم، بأن يستدعي السفير الأميركي في بغداد، ماثيو تولر، إثر القصف الذي نفذته بلاده، واستشهد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد الدولي، فجر الجمعة”.
وأضاف خلف، أن “التوجيه لوزير الخارجية العراقية، أن يسلم السفير الأميركي، ورقة احتجاج، ورفض الحكومة العراقية لمثل هذه الأفعال وإيقافها مستقبلا”.
وذكر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية في حديث للميادين أن هنالك قرار بتقييد عمل القوات الأميركية في البلاد بعد استشهاد الفريق قاسم سليماني قائد فيلق القدس والقائد أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي. وشدد اللواء الركن عبد الكريم خلف الناطق باسم القائد العام للقوات على أنه من غير المسموح لقوات التحالف القيام بأي عمل إلا بموافقة القائد العام، مؤكداً أن لدى العراق بدائل لتدريب قواتها المسلحة. كما أشار خلف الى أن السلطات باشرت تحقيقاً مع طاقم الطائرة التي أقلت سليماني من دمشق إلى بغداد.
مظاهرات مناهضة لأمريكا والحرب في أوروبا وأمريكا
ولكن إلى جانب التطورات السريعة في المنطقة ، فقد اقيمت مظاهرات على مدار اليومين الماضيين في مدن أمريكية مختلفة مناهضة لممارسات قادة البيت الابيض المثيرة للحروب. حيث ردد مئات المحتجين أمام البيت الأبيض شعار "لا عدالة ولا سلام. يجب أن تخرج أمريكا من الشرق الأوسط (غرب آسيا) ". ثم توجهوا نحو فندق ترامب الدولي وتظاهروا هناك. كما أقيمت احتجاجات مماثلة في نيويورك وشيكاغو ومدن أمريكية أخرى.
وذكرت وكالة سبوتنيك الروسية في نيويورك ان المتظاهرين رفعوا لافتات مناهضة للحرب، ودعوا الى سحب القوات الأمريكية من غرب آسيا ووضع حد لحروب أمريكا في المنطقة.
"انهوا قصف العراق "و" اخرجوا من الشرق الأوسط " كانت ابرز الشعارات التي تم ترديدها في هذه التظاهرات.
إلى جانب الاحتجاجات الشعبية، اتخذت شخصيات سياسية وفنانون أمريكيون بارزين موقفاً ضد النهج العسكري لترامب ، حيث يمكن الاشارة الى شخصيات بارزة مثل الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي ، والصحافي والمخرج السينمائي بن نورتون ، والمخرج السينمائي الوثائقي مايكل مور حيث لاقت تغريداتهم على "تويتر" ترحيباً من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي لندن أيضاً، تظاهر مئات الأشخاص أمام مبنى رئيس الوزراء البريطاني احتجاجاً على العمل الإرهابي الأمريكي ضد إيران.
وفي سياق متصل قال تحالف "أوقفوا الحرب" في بيان له إنه حث في مظاهرات امس، الحكومة البريطانية على عدم الوقوف إلى جانب ترامب وأي عمل عسكري أمريكي. حيث طالب المتظاهرون الحكومة البريطانية بالتنديد صراحة بالعمل الإرهابي الأمريكي الذي ادى الى استشهاد الجنرال الإيراني.
و قالت زعيم التحالف، ليندسي جيرمان ، إن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني كان عملاً حربياً من قبل دونالد ترامب ضد إيران، ويعتبر انتهاكاً للاتفاق مع الحكومة العراقية. واضافت: "منذ انهيار الاتفاق النووي مع إيران ، كان ترامب يسعى إلى حرب مع إيران ، وإذا نجح، فإن حرباً لم يشهدها الشرق الأوسط حتى الآن ستشتعل وتجر الكثير بما في ذلك إسرائيل والسعودية وربما روسيا".
