الوقت- وصل وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إلى العاصمة الصينية بكين، يوم الثلاثاء الماضي في زيارة رسمية على رأس وفد رفيع المستوى بدعوة من نظيره الصيني "وانغ يي" وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة قام بها "ظريف" للعاصمة الروسية موسكو وإجرائه محادثات مع المسؤولين الروس وهذه الزيارات المتعاقبة التي يقوم بها هذا المسؤول الايراني لهاتين الدولتين القويتين، تدل على نمو وتطور العلاقات الطيبة بين هذه الدول الثلاث، خاصة وأن هذه الدول قامت الاسبوع الماضي بمناورات وتدريبات عسكرية بحرية مشتركة في المياه الاقليمية الإيرانية.
التعاون في مواجهة الأحادية والقطب الواحد
ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن زيارة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" للصين جاءت في وقت مناسب بعد إنتهاء المناورات العسكرية الإيرانية الصينية الروسية الضخمة التي أجريت الاسبوع الماضي بالقرب من بحر عمان والمحيط الهندي ولقد كان لهذه المناورات والتدريبات التي كانت تهدف إلى إرساء الامن والاستقرار في بحر عمان والمنطقة أجمع، العديد من الآثار والنتائج على إضعاف التحالف البحري الذي تقوده أمريكا في منطقة الخليج الفارسي. وتجدر الاشارة إلى أن عدداً من وسائل الاعلام العالمية والعربية أقرت بأن هذه المناورات العسكرية هي مناورات فريدة من نوعها وذلك لأنها تحمل في طياتها العديد من الرسائل المعينة لبعض دول المنطقة ولبعض الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وهذه الدول الثلاث يجمع بينها أنها معا تعتبرها أمريكا في استراتيجيتها النووية التي تم صياغتها في عهد "ترامب" تمثل الأعداء الأساسيين لها ويجمع بينها أيضا أنها تتعرض معا لعقوبات اقتصادية أمريكية. فضلا عن أن المنطقة التي تقام بها هذه المناورات البحرية الثلاثية هي في الأساس كانت منطقة نفوذ بحرى أمريكي. الجدير بالذكر أن هذه البلدان الثلاثة قامت خلال السنوات الماضية بالتعاون مع بعضها البعض في قضايا مثل أفغانستان وسوريا، وذلك لحماية مصالحها من تهديدات الجماعات الارهابية المنتشرة في عدد من بلدان الشرق الاوسط.
لذا فإن زيارة وزير الخارجية للصين وروسيا هي في الواقع تكملة للإجراءات والمحاولات الإستراتيجية التي تقوم بها طهران لبناء علاقات طيبة ومتينة مع هاتين القوتين السياسيتين الهامتين في مجلس الأمن وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني خلال اجتماعه مع عدد من المسؤولين الصينيين في العاصمة الصينية بكين، "إن الصين وإيران متحدتان في جهودهما المشتركة لمكافحة الأحادية والقطب الواحد وتشجيع التعددية في عام 2020".
وفي سياق متصل كشفت العديد من التقارير الاخبارية بأن وزير الخارجية الإيرانية زار أيضا العاصمة الروسية موسكو قبل أن يتوجه إلى الصين ولقد أکد وزیر الخارجیة "محمد جواد ظریف" خلال زيارته لموسکو علی أن العلاقات بین إيران وروسیا تکون استراتیجیة. وقال "ظریف" للصحفیین فور وصوله إلی روسیا ان علاقاتنا مع روسیا إستراتیجیة وفي هذا الإطار یجب أن نقوم بالتنسیق والتعاون والتشاور معا حول القضایا الإقلیمیة والدولیة المختلفة. وأشار "ظریف" إلی أن هذه الزیارة هي زیارته الـ28 لروسیا في السنوات الست والنصف الماضیة قائلا ان هذا یدل علی وجود العلاقات الوثیقة بین البلدین. وفیما یتعلق بالمناورات المشترکة الأخیرة بین إيران والصین وروسیا قال ان هذه المناورات مؤشر علی أن إيران مستعدة للتعاون حفاظا علی أمن وحریة الملاحة للجمیع في مضیق هرمز کأحد أهم الممرات للملاحة الدولية. وأشار "ظریف" إلی أن هذا الموضوع یظهر أن هناك دولا أخری من القوی العالمیة الکبری لایواکبون السیاسات الفوضویة في هذه المنطقة.
وخلال زيارته إلى الصين، أشار وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" في تغريدته على تويتر، إلى خارطة طريق مدتها 25 عامًا للتعاون بين البلدين ايران والصين وكتب في هذه التغريدة "يسعدنا أن نستقبل العام الميلادي الجديد مع اصدقائنا الصينيين. ان خارطة طريق تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين ايران والصين والتي تمتد الى 25 عاما تتمتع بطاقات كامنة كبيرة. نحن نتطلع إلى تحقيقها (هذه الطاقات الكامنة)، وفي الوقت نفسه نبحث عن تعاون إقليمي وعالمي أوثق". وقال "ظريف" يوم الاثنين الماضي بعد لقائه بوزير الخارجية الصيني إن أحد أسباب زيارته لبكين هو وضع الجانب الصيني في صورة محادثاته الأخيرة في فرنسا وبشأن الاتفاق النووي.
وأشار وزير الخارجية الايراني "محمد جواد ظريف" في ختام زيارته إلى روسيا والصين، الى أن هناك تطابق في وجهات نظر الدول الثلاث ازاء الإجراءات الأمريكية التي عرّضت التعددية والاتفاق النووي للخطر وفي تصريح له على وسائل التواصل الإجتماعي، أشار "ظريف" إلى أنه "كان هناك إجماع بين إيران وروسيا والصين على أن التعددية باتت في خطر كبير جراء الإجراءات الأمريكية ؛ كما ان نقض العهد الامريكي قد زعزع الاتفاق النووي والامن الدولي وقوض الأمن الدولي"، مؤكدا "أن السبيل الوحيد للاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاتفاق النووي يكمن في التخلي عن موقفهم الظاهري والوفاء بالتزاماتهم".
المباحثات النووي مع الشركاء
لقد جاءت زيارات وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو وبكين في الوقت الذي لم يتبق فيه سوى أسبوع واحد حتى إنتهاء الموعد النهائي الذي حددته الجمهورية الإسلامية للبدء بخطوتها الخامسة في مسير تخفيض التزاماتها النووية وحول هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بعد زيارة "ظريف" يوم الاثنين الماضي، "إن روسيا والصين ملتزمتان أكثر من الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على الاتفاق النووي، وإذا لم ترجع الولايات المتحدة إلى هذا الاتفاق وإذا لم تمتثل إيران وأوروبا بهذا الاتفاق، فإن هذا الاتفاق سوف ينهار تماماً". وشدد "لافروف"، قائلا "إذا وافقت الولايات المتحدة الرجوع والالتزام بهذا الاتفاق النووي، فإن الدول الأوروبية سيكون بمقدورها الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بهذا الاتفاق ".
ومن بين أعضاء مجلس الأمن، تعتبر الصين من أكثر الدول إصراراً على الحفاظ على هذا الاتفاق النووي وحول هذا السياق، أكد وزير الخارجية الصيني خلال زيارة "ظريف" للصين، على أن موقف بكين ثابت فيما يتعلق بالالتزام والحفاظ على الاتفاق النووي، وفي سياق أخر انتقد الرئيس الامريكي "ترامب" واستنكر إجراءات البلطجة الدولية التي يمارسها في حق إيران وقال، "يجب علينا الوقوف في وجه الأحادية وممارسات التنمر".
دور روسيا والصين في مستقبل الاتفاق النووي
تمكنت إيران من التغلب والتحاليل على العقوبات من الناحية الاقتصادية، وتمكنت أيضا من إظهار استراتيجيتها في مجال الأمن المتعدد الأطراف من خلال القيام بعدد من المناورات والتدريبات العسكرية البحرية وفيما يتعلق ببناء علاقات طيبة مع البلدان القوية، فلقد قام وزير الخارجية الاسبوع الماضي بزيارة روسيا والصين وذلك من أجل التباحث حول بعض القضايا المتعلقة بالاتفاق النووي وتأتي كل هذه الإجراءات الإيرانية المستمرة في الوقت الذي هدد فيه الأوروبيون مؤخرًا بتفعيل آلية الزناد. وفي هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن الأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق النووي الإيراني قد هددت طهران بإطلاق " آلية الزناد"، والتي تهدد بعودة سريعة للعقوبات الدولية لإجبار طهران على التراجع عن المضي قدما في مجال خفض التزاماتها النووية، لكنها لم تنفذ ذلك بعد في انتظار خطوات إيران المقبلة. يذكر أن طهران ورداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية والعقوبات القاسية، خفضت تدريجياً من التزاماتها بموجب الاتفاق، بما في ذلك استئناف تخصيب اليورانيوم في مصنعها في فوردو والإسراع في التخصيب السريع باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة المحظورة أيضًا بموجب الاتفاقية.
ولكن ما هو دور روسيا والصين في مستقبل هذا الاتفاق النووي؟ لروسيا والصين دوران مهمان، أولاً، تمشيا مع المادة 37، وبالنظر إلى التأكيد على التزام طهران بجميع بنود هذا الاتفاق، يجوز لهاتين الدولتين أن تطالبان بإلغاء قرار مجلس الأمن في غضون 30 يوما باعتماد آلية أخرى ومنع تفعيل آلية "الزناد" المالية. ثانيا، إذا تم تنفيذ آلية "الزناد" المالية وبالنظر إلى التزام إيران بكافة بنود الاتفاق النووي والخروج الأمريكي من جانب واحد، فإن موقف روسيا والصين لن يكون هو نفسه كما كان من قبل مع الولايات المتحدة ولن تقوما هاتين الدولتين مجدداً بالموافقة على فرض المزيد من الضغوطات على إيران.