الوقت- في ظل صمت الحكومة الأردنية عن بدء سريان "اتفاقية الغاز" بين العدو الصهيوني والأردن، ازداد غليان الشعب الأردني في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم لهذه الاتفاقية مطالبين الجهات المعنية بإلغائها على الفور لكونهم يعتبرونها "دعماً للإرهاب الصهيوني" وأن "غاز العدو احتلال"، وفي ظل هذا الغليان يبقى موقف الحكومة "باهتا" تجاه احتجاجات الشعب ويميل اكثر نحو تمرير هذه الاتفاقية وخلق أعذار للبدء بتنفيذها رغم إمكانية الغائها، ما يطرح أسئلة كثيرة حول أسباب "صمت السلطات الاردنية حول ما يجري" على الرغم من ان هذه السلطات نزلت عند رغبات الشعب في عدة مناسبات سابقة؟.
غليان في الشارع
مع قرب دخول اتفاقية الغاز الأردنية الإسرائيلية حيز التنفيذ في بداية العام القادم عمت حالة من الغضب في صفوف الأردنيين الناقمين عليها، مع النزول للشارع للتعبير عن رفضهم لها والمطالبة بإلغائها.
وتعالت أصوات الأردنيين الذين تجمعوا عند الدوار الرابع، أيقونة التظاهرات في العاصمة عمان، مساء السبت (28 ديسمبر)، مطالبة بمراجعة جميع بنود الاتفاقية الموقعة مع "إسرائيل" واعتبار استمرار العمل بها "احتلالاً".
بدأ الأردن، في 22 ديسمبر، الضخ التجريبي للغاز الطبيعي المستورد من" إسرائيل"، بهدف اختبار الجاهزية الفنية للبنية التحتية لبدء الضخ الفعلي، حيث سيستمر 3 أشهر، وفقاً لما هو منصوص عليه بالاتفاق الموقع بين الجانبين، قبل بدء استقبال الغاز بشكل دائم لأغراض توليد الكهرباء.
ووقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية، المملوكة بالكامل للحكومة، اتفاقاً في سبتمبر 2014، مع شركة "نوبل إنيرجي" الأمريكية المطورة لحوض غاز شرق البحر المتوسط لاستيراد 40% من حاجة الشركة الأردنية من الغاز الإسرائيلي.
وتنص الاتفاقية على استيراد الغاز المستخرج من حقل "تمار" الذي تديره "إسرائيل" تحت سطح البحر الأبيض المتوسط على بعد خمسين ميلاً من شاطئ حيفا بتكلفة 10 مليارات دولار، مقابل تزويد الأردن بـ300 مليون متر مكعب من الغاز يومياً.
وتمتد الاتفاقية إلى 15 عاماً محكومة "بسقف حدود مسؤولية" على الطرفين، يصل إلى مبلغ 1.5 مليار دولار، تتناقص مع عمر الاتفاقية بحيث تصل إلى 400 مليون على طرفي الاتفاقية في آخر 5 سنوات من عمرها.
ورغم تدهور العلاقات الإسرائيلية الأردنية ومرورها بـ"أسوأ حالاتها"، وفق توصيف الملك عبد الله لها في نوفمبر الماضي، فإن الحكومة الأردنية لا تستطيع التراجع عنها أو إلغاءها بسبب أن توقيعها تم بين شركتين ولا علاقة لها كما تقول، ولكن هي جزء أساسيّ لا يتجزأ منها، لكون الشركة مملوكة لها، يقول مراقبون.
طوال الفترة الماضية، لاقى الاتفاق معارضة من أعضاء في البرلمان ومن قطاع واسع من الشعب الأردني الذي لجأ إلى مواقع التواصل للتعبير عن رفضه للاتفاقية. وكانت "المجموعة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز" على فيسبوك قد أعلنت عزمها تقديم بلاغ ضد ثلاثة رؤساء حكومات، منهم رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور الذي وقع في عهده خطاب النوايا للاتفاقية.
ويستغرب القائمون على الحملة عدم إلغاء الاتفاقية التي تكلف برأيهم خزينة الدولة مليارات الدولارات، قائلين إن "مشاريع التنمية أولى بتلك المليارات التي سيذهب جلها لتمويل حملات ضد الفلسطينيين".
وبما أننا نتحدث عن تفاصيل هذه الاتفاقية ماليا واقتصاديا، يمكننا القول أن هناك بدائل عربية وأجنبية أفضل وأرخص من هذا الغاز الذي سطت عليه دولة الاحتلال في غفلة من الحكومات العربية أو بتواطئ منها، من بين البدائل الغاز الجزائري والمصري والعراقي، فقد عرضت الجزائر على الأردن تزويده بكامل احتياجاته من الغاز بأسعار تفضيلية، وهو ما يوفر أموالا طائلة للخزانة العامة الخاوية، ويساهم في تخفيض فاتورة الطاقة المرتفعة، لكن الحكومة الأردنية رفضت العرض لأسباب غير معلومة أو مفهومة.
وهنا يثار السؤال: ما سبب إصرار هذه الحكومة على إتمام صفقة الغاز مع دولة الاحتلال، رغم تلقي عروض بأسعار أقل، ولماذا تصر الحكومة المصرية على السير في صفقة مماثلة رغم اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي، بل تصدير الفائض إلى الخارج؟.
كثير من المواطنين عبروا عن غضبهم على مواقع التواصل الاجتماعي فيقول ياسر الوران: "هل تعلم عزيزي المواطن أن الأردن سيدفع لإسرائيل ثلاثة أضعاف سعر الغاز الحقيقي وهل تعلم أن هذا سيرفع أسعار الكهرباء وزيادة المديونية وهل تعلم بأن هذه الأموال سيشتري بها العدو الصهيوني أسلحه لقتل أخ وأخت لك وطفل وعجوز في فلسطين؟".
وقال تامر الصمادي: "في الوقت الذي تتعرض فيه المملكة لأكبر تهديد وجودي منذ التأسيس، تقوده إسرائيل ويباركه بعض العرب، نوقع اتفاقية مشؤومة كاتفاقية الغاز! مهما كانت الظروف.. مهما كانت المبررات والضغوط".
المعركة لا تزال مستمرة ولم تحسم بعد، فالشارع الأردني يرفض الصفقة وكل أشكال التطبيع، والحكومة تصر على الصفقة لأسباب غير مبررة، محتمية بقرار المحكمة الدستورية الصادر قبل شهور ويقضي بعدم وجوب عرض اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل على مجلس النواب.
وشهدت العلاقات الأردنية الإسرائيلية مؤخرا توترا ملحوظا وصل إلى حد استدعاء الأردن لسفيرها في تل أبيب للتشاور على خلفية استمرار اعتقال هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي في إسرائيل .
هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي مواطنان أردنيان اعتقلتهما السلطات الإسرائيلية إدارياً أثناء توجههما إلى الأراضي الفلسطينية في أغسطس /آب 2019 وسبتمبر/أيلول 2019 على التوالي.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أعلن مؤخرا انتهاء عقد إيجار منطقتي الباقورة والغمر اللتين استأجرتهما إسرائيل، بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994.
ونص عقد الإيجار المبرم على تحديد المدة بـ 25 عاماً، قابلة للتمديد.
وعلى الرغم من ذلك أعلن الملك عبد الله الثاني العام الماضي أنه يعتزم إنهاء عقد الإيجار، فيما اعتُبرت الخطوة علامة على تدهور العلاقات بين الأردن وإسرائيل.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ذلك الوقت، إنه لا يزال يأمل في التفاوض على تمديد العقد.