الوقت- رغم أن الأمريكيين غادروا العراق بشكل نسبي، في نهاية عام2011 بموجب اتفاق أمني جرى توقيعه مع بغداد، لكنهم منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا قد بذلوا قصارى جهدهم لإحياء وجودهم العسكري في العراق. حيث كان استخدام تنظيم داعش الإرهابي أحد تكتيكات واشنطن لتحقيق ذلك الأمر، ولكن واشنطن تواصل تعزيز قواتها العسكرية في العراق على الرغم من هزيمة الجماعات الإرهابية من قبل الجيش والحشد الشعبي في العراق.
وفي هذا السياق، إن التقارير التي نشرت حول تموضع أمريكا في منطقة الحبانية، تكشف عن خطة أمريكية جديدة للقيام بأنشطة عسكرية بالوكالة في العراق، لذلك وقبل توضيح هذا الأمر ينبغي الإشارة إلى أن عدد القواعد العسكرية الأمريكية في السنوات الثلاث الماضية قد بلغ 12 قاعدة، إذ إن واشنطن أبرمت اتفاقيات عسكرية مع اقليم كردستان العراق تنشئ بموجبها 5 قواعد عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة هذا الاقليم، والقواعد هذه تقع بالقرب من سنجار وأتروش والحرير وقاعدتين في حلبجة في السليمانية وألتون كوبرو في كركوك، كما يتابع الأمريكيون في الموصل والأنبار تحركاتهم في قاعدتي عين الأسد في منطقة البغدادي والحبانية في الأنبار.
وكما ذكرنا إن الأمريكيين قد أطلقوا خطة جديدة للقيام بحرب بالوكالة في المناطق السنية العراقية والتي بدأت بإعداد ميليشيا عسكرية من عشائر منطقة الأنبار خاصة في الحبانية، التي توجد فيها إحدى القواعد الأمريكية.
وفي هذا الشأن، كشف مصدر عراقي عن تحركات واسعة للقوات الأمريكية في منطقة الحبانية وأعلن أن القوات الأمريكية ستقوم ببناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في هذه المحافظة حتى يتمكنوا من تعزيز وجودهم العسكري في أراضي هذا البلد، حيث ستتمركز القوات الخاصة والمدربة في القواعد العراقية بالإضافة إلى ذلك فإن الطائرات الأمريكية المسيرة ستتولى مسؤولية تأمين منطقة التدريب وتم منع عبور المواطنين في مسافة تبعد عشرات الكيلومترات عن هذه المنطقة، كما تم تسليم الحلقة الأولى من حماية القاعدة الأمريكية إلى الجيش العراقي.
يبدو أن زيادة التحركات العسكرية الأمريكية ترتبط كل الارتباط بالوضع الجيوسياسي الراهن في العراق والتطورات التي بدأت خلال الشهرين الماضيين بشأن الاضطرابات الشعبية في العراق، لأن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي نظراً لقرب العراق من إيران وسوريا يعتبر أمراً مهماً لواشنطن.
الموقع الجغرافي للحبانية
تقع منطقة الحبانية غرب العراق بين مدينتي الفلوجة والرمادي وبجوار مدينة الخالدية، وتبلغ مساحتها 701 كيلومتر مربع وعدد سكانها 61 ألفاً حسب إحصائيات عام 1987، وبعد الحرب الأخيرة، استقبلت هذه المدينة 12 ألف لاجئ من الفلوجة، وتقع المدينة بالقرب من بحيرة الحبانية ويوجد هناك قاعدة عسكرية ومطار أيضاً.
يحاول الأمريكيون في الوقت الراهن، إعداد ميليشيا مسلحة قوامها ألفي شخص من السنة في منطقة الأنبار حتى يتمكنوا من استخدامها كجدار عازل بين بغداد ودمشق، ومن المقرر أن يتم تشكيل هذه القوات في محافظتي الأنبار ونينوى ، حيث سجل الأمريكيون حالياً ألفي شخص من العشائر العراقية للانضمام إلى تلك الميليشيا وتدريبهم وتجهيزهم لاستخدامها عند الحاجة، حيث يتم تدريب القوات بالتعاون مع عدد من دول المنطقة وبين العشائر المحلية.
أهداف أمريكا من الخطة الجديدة في الحبانية
جاءت الأخبار المتعلقة بالتحركات الأمريكية المشبوهة في محافظة الأنبار بعد أن قام السفير الأمريكي في بغداد "ماثيو تولر" -في تحرك غريب ومفاجىء- قبل 10 أيام تقريباً بزيارة إلى محافظة الأنبار الغربية، وهناك التقى مع أكثر من ألفين من رجال العشائر السنية في المنطقة التي بدأت القوات الأمريكية فيها قبل 3 أسابيع بتدريبهم عسكرياً، إذ تمثل هذه الزيارة خطة أمريكية خطيرة لدخول المرحلة الثانية من دورها في التخريب في العراق.
يرى بعض الخبراء أن المدن السنية في العراق ستشهد مستقبلاً اضطرابات وعنفاً واسعاً قد تبدأ هذه الأحداث في الموصل ثم تمتد إلى مدن أخرى مثل الفلوجة والأنبار، بالطبع إن هذه المرحلة تختلف عن المراحل السابقة إذ ستزداد فيها وتيرة العنف والهجمات المسلحة والخسائر في صفوف المدنيين بشكل كبير، وفي هذا الصدد، التقى القنصل الأمريكي في أربيل عدداً من الناشطين السنة في المحافظة لإطلاق جبهة جديدة ضد الشيعة.
يبدو أن المرحلة الثانية من خطة أمريكا لإثارة الفتنة في العراق تشمل خلط الأوراق السياسية والأمنية في هذا البلاد من خلال إقامة مظاهرات شعبية حاشدة في المحافظات السنية، لذلك إن ما حدث في وقت سابق في المحافظات الشيعية، سيتم متابعته عبر مستوى مختلف تماماً في المحافظات السنية، حيث سيكون تعاطي الحكومة مع ذلك يحمل الكثير من التعقيدات الخاصة.
إن أحد أهداف أمريكا في إعداد ميليشيات سنية هو مواجهة الحشد الشعبي الذي لعب دوراً مهماً في تحرير مناطق مختلفة من البلاد من إرهابي داعش، حيث إن أمريكا تحاول عبر ذلك احتواء الفصائل الشيعة وزيادة الدعوات المطالبة بحل الفصائل المسلحة في العراق.
بالإضافة إلى ما سبق، تحاول واشنطن تغيير خارطة تأثيرها بين الجماعات السياسية السنية من خلال إنشاء هذه الميليشيات المسلحة وإدخالهم في توجّه موحّد لمواجهة الحكومة العراقية الحالية.