الوقت- مع مرور أكثر من 40 يوماً منذ بدء جولة جديدة من الاحتجاجات الشعبية في العراق، تتصاعد حدة الاحتجاجات السلمية المطالبة بإجراء إصلاحات حكومية شاملة، وفي هذا السياق، على الرغم من سلمية المظاهرات، كانت هناك أنباء تفيد بأن عدداً قليلاً من المدنيين العراقيين قد قتلوا، لكن الأجهزة الأمنية العراقية تتحدث الآن عن لعب طرف ثالث دوراً في قتل المتظاهرين.
وفي هذا الصدد، قدم مسؤولون عسكريون عراقيون كبار، بمن فيهم وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، مؤخراً بعض الأدلة التي تدل على طريقة قتل الناس خلال الاحتجاجات حيث تبين أن الأسلحة المستخدمة ليست تابعة لقوات الأمن والشرطة، ومن المحتمل وجود طرف ثالث يستهدف المتظاهرين بالأسلحة والرصاص، تختلف عن تلك التي تمتلكها قوات الأمن. وبالإضافة إلى ذلك، شهدت ساحة التحرير في بغداد في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 ، انفجار قنبلة أسفرت عن مقتل شخص وجرح 16 آخرين وسط احتجاجات المواطنين العراقيين.
بالنظر إلى هذه التطورات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو من هي الجماعة أو الطرف الذي يقف وراء أعمال التخريب هذه، وما هي أهدافه؟ منذ بداية المظاهرات، استهدفت بعض التيارات السياسية ووسائل الإعلام داخل العراق وخارجه قوات الحشد الشعبي كسبب رئيس للأحداث وذلك في حملة إعلامية ممنهجة، لكن هناك حاجة إلى تحليل متعدد المستويات لتوضيح هذه القضية.
من المستفيد من استمرار الاحتجاجات وأعمال العنف؟
نظراً لأن عدد الأشخاص الذين قتلوا خلال الاحتجاجات الشعبية سيكثف الأزمة ويعقدها، من المهم للغاية في البداية طرح هذا السؤال المهم، وهو أن استمرار الاحتجاجات وأعمال العنف وانعدام الأمن في العراق هو لمصلحة أي مجموعة أو تيار سياسي أو لاعب دخيل على الساحة في معادلة العراق؟ يمكن من خلال تتبع إجابة هذا السؤال، معرفة الطرف الثالث (خلف كواليس) المتورط بقتل المواطنين العراقيين إلى حد كبير.
في الوضع الراهن للمجتمع العراقي، هنالك حكومة ائتلافية قائمة بمشاركة الشيعة والأكراد والعرب السنة، حيث يتواجد فيها ائتلاف الفتح الذي يمثل قوات الحشد الشعبي في الحكومة ويعتبر هذا الائتلاف، ثاني أكبر تحالف في البرلمان العراقي ويضم 47 مقعداً ولعبوا دوراً لا يمكن إنكاره في تشكيل الحكومة الجديدة.
وعلى المستوى الآخر، تعتقد معظم التيارات السياسية أن الاستجابة لمطالب المواطنين الاحتجاجية أمر لا غنى عنه وأنه يجب إجراء إصلاحات عميقة في اتجاه الاستجابة لتلك المطالب في الحكومة وتمكين البيروقراطية، ومع ذلك، تتفق جميع التيارات السياسية على أن الاحتجاجات التي يصاحبها العنف لا تصب في المصلحة الوطنية العراقية، لذا فمن ناحية، يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة للاستجابة لمطالب المتظاهرين، ومن ناحية أخرى، يجب على المتظاهرين، أيضاً، أن يتحلّوا بالصبر للحدّ من موجة العنف من أجل عودة البلاد إلى وضعها الطبيعي وتجنّب فرض إنفاق حكومي مفرط على الدولة.
بالنظر إلى هذه الاعتبارات، يبدو أن أيّاً من التيارات الحالية في الحكومة العراقية الحالية، وخاصة قوات الحشد الشعبي، لا تريد استمرار العنف والاحتجاجات بالطريقة السابقة، ونتيجة لذلك، يمكن القول إنه على الرغم من أن الاحتجاجات على وشك أن تهدأ، فإن التيار الوحيد الذي يدعو إلى التصعيد سيلجأ لعملية قتل المدنيين وإطلاق الرصاص الحي عليهم.
في الواقع، إن التيار الذي يرى مصلحته في استمرار الأزمة وتصاعد التوترات، سيتخذ مثل تلك الإجراءات، ولكن ما ثبت حتى الآن هو أن مطالب قوات الحشد الشعبي ليست بأي حال من الأحوال تصبّ في زيادة في موجة العنف في الشوارع في العراق.
محاولات توجيه الرأي العام لمعاداة الحشد الشعبي
بالإضافة إلى حقيقة أن قوات الحشد الشعبي ليست لها أي مصلحة من استمرار العنف في مختلف المدن العراقية، من الضروري الإشارة إلى أن هذه القوات أنشئت في عام 2014 بفتوى آية الله السيستاني لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وأنها ترى نفسها تابعة لإرشادات ونصائح المرجعية العليا في مسارها السياسي. وفي الأسابيع الأخيرة، تناولت بيانات آية الله السيد السيستاني قضية الاحتجاجات في العراق عدة مرات، وفي كل مرة، تم حثّ المتظاهرين على التهدئة وعدم الإضرار بالمصالح العامة من جهة، ومن ناحية أخرى، دعت القوات الأمنية العراقية إلى التحلي بالصبر تجاه المتظاهرين وعدم التعرّض لهم.
ووفقاً لهذه الظروف، فيمكن القول إن قوات الحشد الشعبي لن تطلق النار على المتظاهرين المدنيين بأي شكل من الأشكال نتيجة امتثالها لإرشادات آية الله السيستاني، والحقيقة هي أن قوات الحشد الشعبي ليست مجرد قوة عسكرية وسياسية، بل إن استراتيجيتها الرئيسة قائمة على المبادئ الدينية. لذلك، فإن آية الله السيستاني، بصفته القائد الروحي لهذه الحركة، قد أدان أي أعمال عنف ضد المتظاهرين والنتيجة بالتأكيد هي امتثال قوات الحشد الشعبي لهذه الأوامر.
وفي ظل هذه الظروف، يمكن توجيه أصابع الاتهام إلى أعداء الشعب العراقي واللاعبين الذين لا يتفقون مع الوضع الحالي في العراق، وفي هذا الصدد، فإن أمريكا والكيان الصهيوني والسعودية هم لاعبون فعالون في المشهد السياسي العراقي الذين يعتزمون توجيه موجة الاحتجاجات ضد جمهورية إيران الإسلامية، وقد أظهرت مواقف السفارة الأمريكية في العراق بوضوح خلال الأشهر القليلة الماضية أن أمريكا هي الراعي الرئيس لاستمرار الاحتجاجات وجرّها إلى أعمال العنف.
وفي السنوات الأخيرة، توصل الساسة الأمريكيون إلى أن وجود حكومة قوية في العراق وعودة الاستقرار إليه سيعنيان نهاية وجودهم في العراق وتقليص نفوذهم لذلك يسعون من خلال استمرار الاحتجاجات تضعيف الحكومة واستمرار الأزمة، بالإضافة إلى أمريكا، يتوق الكيان الصهيوني والسعودية إلى توجيه الاحتجاجات المشروعة للمواطنين العراقيين ضد إيران، وفي هذا المسار، يبدو أم إرسال الأسلحة والرصاص والمال للتخريب أمر سهل وليس مستبعد، إنهم يعتزمون إشعال المظاهرات السلمية مرة أخرى كي يحققوا أهدافهم من هذا الطريق، أي استمرار نفوذهم في الظروف المتأزمة في العراق وذلك من خلال إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين عن طريق مرتزقتهم في المحافظات العراقية والقيام بتفجيرات تستهدف الجموع الاحتجاجية.