الوقت- قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي يوم الاثنين 28 أكتوبر، مع وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن مانوتشين" في القدس المحتلة: إن "إيران تريد استهداف إسرائيل بصواريخ موجهة من اليمن".
يقدِّم الكيان الإسرائيلي مزاعم مختلفة ضد إيران كل عام، وبلغ ذلك ذروته في عهد نتنياهو، لكن الإتيان على ذكر اليمن ادّعاء مختلف يسعى لتحقيق أهداف جديدة.
المشكلات الداخلية للكيان الإسرائيلي
لدى الكيان الإسرائيلي وأمريكا خطط طويلة الأجل لتنفيذ صفقة القرن، ومن ناحية أخرى فقد ربط ترامب ونتنياهو نجاحاتهما الانتخابية بهذه الخطة.
يواجه الكيان الإسرائيلي أزمةً لتشكيل الحكومة منذ العام الماضي. وعلى الرغم من إجراء انتخابين في عام 2019، إلا أنّ نتنياهو فشل في تشكيل حكومة، بالإضافة إلى ذلك، جعلت قضايا الفساد نتنياهو في موقف ضعيف للغاية وعلى وشك الزوال والاختفاء من السياسة الإسرائيلية.
لذلك، بعد تفويض مهمة تشكيل الحكومة لمنافس نتنياهو "بيني غانتس"، سارع جاريد كوشنر صهر ترامب ومهندس صفقة القرن للوصول إلى الأراضي المحتلة، ولقاء غانتس ونتنياهو لإيجاد حل لهذا المأزق.
فإذا دعا غانتس إلى انتخابات ثالثة، فستتضح حتى ذلك الوقت نتيجة ملف نتنياهو أيضاً، وهنالك إمكانية اختفاء نتنياهو إلى الأبد، وهكذا، يحاول حزب الليكود دفع غانتس نحو تعريف موحّد للوحدة الوطنية والتحالف، والخيار الوحيد المتبقي هو تسليط الضوء على خطر إيران.
تحقيقاً لهذه الغاية، قال نتنياهو خلال لقائه مع مانوشين: "إن تقييم أفيف كوخافي قائد الجيش الأسبوع الماضي بشأن اقتراب الحرب مع إيران هو انعكاس للحقيقة، وليس ادعاءً لجذب اهتمام وسائل الإعلام".
وأكد نتنياهو لإثبات ادّعائه والحصول على النتيجة المرجوة، على أن "الحكومة التي ستشكل قريباً في إسرائيل يجب أن تتخذ قرارات صعبة تتطلب تحالفاً واسعاً من الأحزاب لتوحيد صفوفها والتعاطف معها في الأوقات الصعبة"، وهو يقصد من الأوقات الصعبة الحرب مع إيران.
الخوف من فشل الضغط الأقصى على إيران
بعد 12 عاماً من تفاوض إيران مع الدول الغربية والتصديق على الاتفاق النووي، أقرّ مجلس الأمن القرار 2231 وألغيت ستة قرارات اتخذت ضد إيران قبل هذا الاتفاق.
كان الكيان الإسرائيلي قلقاً بشأن قوة إيران المتنامية بعد التصديق على الاتفاق النووي، لذا عمل بجد من أجل خلق إجماع عالمي ضد إيران.
لكن الطريق أمام نتنياهو كان مغلقاً قانونياً، نتيجة القرار 2231 والتزام إيران بالاتفاق النووي، لذلك ولإقناع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، قام نتنياهو بربط برنامج إيران للصواريخ بأجزاء مختلفة من المنطقة مثل العراق وسوريا ولبنان، وحالياً أضاف اليمن إلى القائمة.
لذلك، فإن ادّعاء نتنياهو برمّته ليس جديداً، ويأتي استمراراً لاستراتيجية هذا الكيان بعد الاتفاق النووي.
كما قال نتنياهو من أجل إثارة مخاوف جديدة: إن "إيران تتطلع إلى تطوير أسلحة وصواريخ دقيقة قادرة على استهداف أي هدف في الشرق الأوسط بدقة تتراوح بين خمسة إلى عشرة أمتار".
لكن هدف نتنياهو الآخر كان التأثير على مخاطبه وزير الخزانة الأمريكي ستيف مانوشين.
في 10 من سبتمبر، استقالت نائبة رئيس الخزانة الأمريكية "سيغال ماندلكر" وكبيرة مهندسي عقوبات ترامب على إيران، لذلك يشعر نتنياهو بالقلق من أن النظام الفني للعقوبات ضد إيران سيفقد تأثيره الإيجابي من داخل وزارة الخزانة، ولهذا فهو يقدّم شخصياً الحزمة التقنية للعقوبات ضد إيران.
قال ستيف منوشين بعد لقائه نتنياهو أمس: إن "إسرائيل عرضت عليه عدداً من المقترحات المحددة لتكثيف الضغوط الاقتصادية على إيران".
استمرار التوترات في المنطقة
بعد تصاعد التوترات في المنطقة، تسعى العديد من الدول إلى الوساطة بين إيران والسعودية وأمريكا، وفي هذا الصدد، قام عمران خان بزيارتين إلى إيران والسعودية في 20 سبتمبر للتوسط.
كما أعلنت روسيا عن نيتها التوسط أيضاً، وخلال زيارة عمران خان إلى إيران، قام بوتين أيضاً بزيارتين إلى الإمارات والسعودية، ورغم أنه لم يتم الكشف عن أي معلومات حول وساطة بوتين بين البلدين، إلا أن هناك تكهنات بأن بوتين سوف يتخذ مثل هذه الترتيبات.
هذا في حين أن مسؤولي الإمارات العسكريين والسياسيين الكبار قد زاروا إيران مرتين على الأقل في الأشهر الستة الماضية، لذلك، يشعر نتنياهو بالقلق من تراجع التصعيد بين إيران والدول العربية، لأن السعودية بصفتها مؤيدةً للعقوبات النفطية على إيران، ستخرج حينذاك من دائرة الضغط على إيران.
مع مرور الوقت، تجد السعودية والإمارات أنهما تؤديان دوراً لمصلحة تحقيق مصالح الكيان الإسرائيلي وعلى حساب أمن واقتصاد دولتيهما، والدليل على ذلك خروج ترامب من سوريا، وابتزاز الدول العربية وكوريا الجنوبية في أزمات الخليج الفارسي وشبه الجزيرة الكورية.
لذلك نتنياهو هذه المرة، بالإضافة إلى الادعاءات الأكثر استفزازاً حول لبنان وسوريا والعراق، ركّز على اليمن لإثارة نقطة ضعف السعودية والإمارات، ويهدف من وراء هذا الاستفزاز إلى استمرار الحرب اليمنية كخلفية لتكثيف المنافسة بين إيران والإمارات والسعودية.
وفي هذا الصدد، ردّ محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا اليمنية، على مزاعم نتنياهو، بالقول: "لم يستطع نتنياهو أن يكمل جملة بلا تناقض، يقول "الإيرانيون شرعوا بإدخالها لليمن"، ثم قال "تطوير الصواريخ مازال طموحاً لدى إيران"! فكيف تحوّل طموحها بسرعة إلى عمل ثم بعد اكتفائها قامت بتصديره إلى اليمن!؟".
وفي تغريدة أخرى، قال الحوثي: "إن هذا التصريح الإسرائيلي ليس إلا رسالة لاستمرار العدوان على الشعب اليمني خصوصاً مع ترافقه بحضور الوزير الأمريكي".
الكيان الإسرائيلي ولتحقيق أهداف متعددة للتسلل إلى المنطقة وإيجاد طريق إلى باب المندب أثناء الحرب الأهلية اليمنية، شارك في العمليات الجوية سراً، وفي وقت سابق، قال العميد "يد الله جواني": إن "الجميع يعلم أن طريق إرسال الأسلحة إلى اليمن مغلق، والسعودية تحاصر الشعب اليمني المضطهد بشكل كامل".
بالنظر إلى توقّع محاصرة اليمن، بدأت أنصار الله في تعزيز قدراتها الصاروخية من الداخل، وتعود القدرة الصاروخية اليمنية إلى فترة ما قبل الحرب الأهلية، وبدأت أنصار الله في إعادة بنائها وتطويرها فقط.
على سبيل المثال، فيما يتعلق بإنتاج الصواريخ، واجهت أنصار الله في البداية عدداً من المشكلات في احتواء أنظمة التحكم الصاروخي المتقدمة، مثل "سكود" الروسية و"موسودان"، ما قلّل من دقة الصواريخ من 200 إلى 400 متر.
كان عدد هذه الصواريخ من نوع "سكود بي" 500 صاروخ في بداية الحرب اليمنية، وخلال هذه الفترة، رفعت أنصار الله من مدى "الزلزال 3" من 15 كم إلى 65 كم، لاستهداف الأهداف القريبة. ثم أوصلت مدى صاروخ "النجم الثاقب" إلى 45 كم.
ومع تزايد التهديدات، نجحت أنصار الله في إنتاج صواريخ "بركان 1 و 2" التي يتجاوز مداها 800 كيلومتر، وتستخدم لتدمير القواعد العسكرية الكبيرة.
وفي صيف هذا العام أيضاً، كشفت أنصار الله عن صاروخ "القدس 1" المجنح الجديد، وطائرات "صماد 3" من دون طيار وكذلك طائرة "صماد 1" المسيرة الاستطلاعية، ونوع جديد من طائرة "قاصف" المسيرة.
لم تكن عملية قدرة أنصار الله الصاروخية مفاجئةً، وكانت تنعكس باستمرار في وسائل الإعلام، بحيث في ديسمبر من عام 2018، ذكرت قناة "روسيا اليوم" الإخبارية: "تمتلك أنصار الله واللجان الشعبية اليمنية حالياً عدداً كبيراً من طائرات "قاصف کي 2" المسيرة، ومن المقرر أن يتم كشف النقاب قريباً عن صواريخ أنصار الله الباليستية."
في لبنان أيضاً، وبما أن حزب الله بات مكتفياً ذاتياً في إنتاج الصواريخ في عملية استغرقت عدة سنوات، فقد تم الإعلان عن خبر الاكتفاء الذاتي الصاروخي لحزب الله هذا العام من خلال مصادر مختلفة.
وقد اعترف الكيان الإسرائيلي بذلك أيضاً، بحيث ادّعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" في سبتمبر من هذا العام، أن حزب الله قد أنشأ منشآت متخصصة لإنتاج الصواريخ في البقاع اللبناني بالقرب من بلدة النبي شيث.
إيران أيضاً، بالإضافة إلى الصواريخ بعيدة المدى مثل القدر والسجيل والقيام، والتي يتراوح مداها بين 1300 إلى 3000 كم مع الوقود الصلب والسائل، لديها صواريخ ذكية عالية السرعة مثل "الهويزة".
من ناحية أخرى، في الدفاع الصاروخي أيضاً، وبعد عشر سنوات من العمل المتواصل على نظام "باور 373" للدفاع الصاروخي، أصبح هذا النظام في مستوى مقبول من الدفاع الجوي.
لذلك، في المواجهة المباشرة مع تل أبيب، لا تحتاج إيران إلى هجوم صاروخي على الأراضي المحتلة من العراق أو لبنان أو اليمن.