الوقت- تتجه أنظار الجميع هذه الأيام صوب الحدود الشمالية لسوريا، حيث أعلنت تركيا التوصل إلى إتفاق نهائي مع واشنطن بشأن مشاركتها في الحملة العسكرية الجوية ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ترفع الخطوة الجديدة التي جاءت بعد أشهر من المفاوضات بشأن العملية العسكرية المشتركة في العاصمة التركية أنقرة، وذلك بين الوفد الأمريكي الذي ترأسه ممثل الرئيس الأمريكي لشؤون الحرب على داعش "جون إيلين" والوفد التركي برئاسة مستشار الخارجية التركية "فريدون سينيرلي أوغلو"، ترفع نسبة مشاركة تركيا في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، بعد أن أعلنت أنقرة في 24 يوليو/ تموز الماضي، موافقتها على استخدام قوات التحالف الدولية، قواعد عسكرية تركية، بما في ذلك قاعدة “إنجرليك” الجوية بمدينة أضنة جنوب البلاد، لتنفيذ ضربات جوية ضد داعش الإرهابي.
تغيُّر المزاج التركي في مواجهة التنظيم الإرهابي، بعد سنوات من الدعم الذي تعرّضت خلاله أنقرة لوابل من الإتهامات الإقليمية والدولية بالتورط في دعم الإرهاب، يدفعنا للتساؤل عن ماهيّة هذا التغيّر، فهل هو تكتيكي أم إستراتيجي خاصةً أن الموقف التركي الجديد يأتي في ظل العديد من المتغيّرات الداخلية (التركية) والإقليمية والدولية.
الإتفاق التركي الأخير يشير بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا التغيّر التكتيكي أم الإستراتيجي في السياسة التركيّة العامّة، وبعيداً عن إعلان وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، بإنتهاء المحادثات بين القيادة التركية والإدارة الأمريكية ومشاركة بلاده في الحرب لإبعاد عناصر التنظيم من المناطق الشمالية لسوريا، ما هي الأسباب الكامنة وراء إعلان تركيا إستعدادها لمواجهة داعش الإرهابي؟ وهل ترتبط بالإنتخابات التركية المقبلة؟ أين يقع حزب العمال الكردستاني في هذه المعادلة الجديدة؟
من الأكراد إلى الإنتخابات
لا شك في أن كلام وزير الخارجية التركي حول إبعاد عناصر التنظيم الإرهابي من المناطق الشمالية لسوريا، لا يصلح حالياً للإستخدام في البازارين السياسي والعسكري، فلماذا تغاضت تركيا، إن لم تكن تواطئت مع داعش طوال سنوات الأزمة السورية؟ هل إنقلب السحر على الساحر أم أن السياسة الجديدة عبارة عن خطوة تكتيكية في إستراتيجية تركيا القائمة على إسقاط الخصوم داخلياً، وعلى مواجهة الأكراد وإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد خارجياً، حتى لو إقتضى الأمر تعويم ودعم تنظيم داعش الإرهابي أو مواجهته المؤقتة.
ويأتي الاتفاق الجديد بعد يوم واحد من دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانتخابات جديدة تهدف لتعزيز سيطرة حزبه على البرلمان بدلا من اللجوء لتشكيل حكومة ائتلاف مع باقي المكونات التركية. إن توقيت الإتفاق حول مشاركة تركيا في ضرب التنظيم الإرهابي يميط اللثام عن هدف أردوغان الحقيقي في كسب أصوات الناخب التركي بعد التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية في الإنتخابات السابقة.
أردوغان الذي خسر الأغلبية في البرلمان بسبب الإتهامات التي بدأت بدعمه للجماعات المسلحة في سوريا، لاسيّما تنظيم داعش الإرهابي، ومرّت بالفساد، ولم تنته حتى بالتراجع الإقتصادي، يريد اليوم نفي التهمة الأولى، وكسب صوت الأتراك عبر موافقته على مشاركة بلاده في الحرب على داعش. ويسعى الرئيس التركي من خلال المشاركة لكسب ود أكراد تركيا، بإعتبار أن أكراد سوريا والعراق عانوا الويلات من نار التنظيم الإرهابي المدعوم أردوغانياً.
في المقابل، يتمثّل الركن الثاني في مشاركة تركيا بالحرب على داعش الإرهابي، بحزب العمال الكرستاني، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: تزامن الإعلان التركي مع ازدياد حدّة القصف التركي على مواقع حزب العمال الكردستاني، وبالتالي محاولة إضعافهم للقضاء على أي مشروع "كريدور كردي" بين العراق وتركيا وسوريا.
ثانياً: يحاول أردوغان إمتصاص الغضب العام على الضربات الجويّة التي تشنها الطائرات التركية على مواقع الحزب الكردي عبر إعلانه مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي إسكاتهم لفترة مؤقتة، حتى الإنتخابات على الأقل.
ثالثاً: لا تخلو الموافقة التركية، فضلاً عن الحصول على إمتيازات من الجانب الأمريكي تجاه سوريا والمنطقة العازلة، لا تخلو من خديعة ضرب الأكراد تحت ذريعة مواجهة داعش الإرهابي. فلا نستغرب إذاما خفّت وتيرة المواجهة مع حزب العمال في الإعلام التركي لصالح مواجهة داعش. من خلال هذه الخطوة يمكن لأردوغان إسكات كافة الأصوات الغربية المطالبة بمواجهة داعش والتوقف عن ضرب الأكراد.
يريد أردوغان حالياً الفوز بالإنتخابات، لإستعادة السيطرة على البرلمان والإنفراد بالقرار التركي على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيستطيع تمرير مشاريعه الداخلية، سواء الإقتصادية، أو لجم الأكراد الذين يتهمهم بخيانة البلاد والتواطئ مع حزب العمال الكردستاني، وكذلك مشاريعه الخارجية، المتمثلة بالقضاء على الحزب الكردستاني وبالتالي القضاء على أي إقليم كردي على الحدود التركية السورية، فضلاً عن إستكمال مشروعه في ضرب الدولة السورية وشخص الرئيس الأسد عبر دعم الجماعات الإرهابية.
إن طائر المواجهة التركية مع التنظيم الإرهابي سيحاول التحليق بجناحي الأكراد والإنتخابات، واذاما نجح أردوغان في السيطرة على البرلمان مجدداً، فلن يلبث هذا الطائر طويلاً حتى يعود أدراجه، وبالتالي العودة إلى السمفونية القديمة عبر دعم داعش الإرهابي وتشغيله لصالح السياسة الأردوغانية، كردياً وسورياً.