الوقت- فجّر وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل قنبلة من العيار الثقيل عبر إعلانه نيته زيارة سوريا.
كلمة الوزير باسيل في كلمته التي ألقاها في بلدة الحدث في جبل لبنان بمناسبة ذكرى 13 تشرين الأول، كانت أشبه بالقنبلة السياسية، لاسيّما في ظل انقسام الساحة اللبنانية حيال العلاقة مع سوريا، كما الحال بالنسبة للعديد من الملفات الإقليمية.
وسريعاً ما تعرّض الوزير باسيل لهجمات سياسية داخلية بسبب موقفه هذا، معتبرين أن كلامه يمثّل شخص الوزير باسيل، ولا يمثّل موقف الحكومة اللبنانية التي تنأى بنفسها عن التطورات الإقليمية.
لا يختلف اثنان على أن سياسة النأي بنفسها لها إيجابيات عديدة لاسيّما في بعض الملفات البعيدة نسبياً بالنسبة للحكومة اللبنانية كالوضع في ليبيا ومصر، ولكن ماذا عن التطورات السوريّة مثلاً؟.
ماذا لو أنّ المقاومة نأت بنفسها عن تدمير الجماعات الإرهابية على الجبهة الشرقية اللبنانية؟ أما كانت بيروت اليوم ستشبه الرقة والموصل؟ ماذا عن الناحية الاقتصاديّة؟ ماذا عن النازحين في لبنان الذين لا يمكن حلّ مسألتهم دون الذهاب إلى سوريا؟.
في الحقيقة، إن عدم الذهاب إلى سوريا في ملّف يصبّ في مصلحة الساحة الداخليّة اللبنانيّة، هو بمثابة الخروج عن سياسة النأي بالنفس، لاسيّما أن هذه القطيعة هي انحياز لموقف عربي اتخذته أطراف عربية تعادي سوريا، كما العديد من الأطراف السياسية اللبنانية، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: لم يخرج الوزير باسيل عن سياسة الحكومة اللبنانية في النأي بالنفس عن التحالفات الإقليمية، لاسيّما أنّه قد قال في كلمته "أنا أريد أن أذهب إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا ولأني أريد للبنان أن يتنفّس بسيادته وباقتصاده".
إذن الوزير باسيل لا يريد زيارة سوريا للقيام بما كان يفعله معارضو الزيارة اليوم إبان الوجود السوري في لبنان، بل يسعى للقيام بعمل يُجمع اللبنانيون على أهميته، فهل نقف أمام مصلحة لبنانية لأن طرفاً إقليمياً ما يرى في هذه الزيارة خروجاً عن قراره في الجامعة العربية؟ ألا تعدّ مصلحة اللبنانيين أولاً وفوق كل اعتبار؟ لقد أشار الوزير باسيل في كلمته الجريئة إلى هذا الأمر عندما قال: "السياديون الجدد الذين كانوا أزلام سوريا عندما كانت في لبنان، راحوا يحيكون المؤامرات ضدها عندما خرجت من لبنان"، فهل هذا التزام بسياسة النأي بالنفس؟
ثانياً: إن الانهيار اللبناني لا يصبّ في مصلحة أيّ طرف من الأطراف لاسيّما الحكومة اللبنانية التي يرأسها سعد الحريري المعارض للعلاقة مع سوريا، وبما أن مسألة النازحين وتأثيراتها هي قضية اجتماعية-اقتصادية بامتياز، فالواجب أن تعالج الحكومة هذا التقاعس.
لا نعتقد أن الوزير باسيل سيتراجع عن موقفه من زيارة سوريا، وبالتالي على رئيس الحكومة أن يدير هذا الملف انطلاقاً من سياسة "رابح-رابح"، أي إن دعم الوزير باسيل في هذه الزيارة من قبل الحكومة اللبنانية، سيسمح له بالحصول على امتيازات أكبر من الحكومة السورية فيما يخص العلاقات الاقتصادية والنازحين، وبالتالي حريُّ بالرئيس الحريري أن يدعم الوزير باسيل وتحدّد الحكومة للأخير جدول الزيارة والقضايا غير السياسية التي سيناقشها في دمشق.
يبدو أن الوزير باسيل ذاهب إلى سوريا، سواء رفض الرئيس الحريري هذه الزيارة أم لم يرفضها، وبالتالي من الأفضل لجميع الأطراف الخروج بحل وسطي يُرضي الجميع.
ثالثاً: أصاب الوزير باسيل كبد الصواب عندما اعتبر انه "قبل نكبة فلسطين كان للبنان رئتان، والآن أصبح برئة واحدة، فسوريا هي رئة لبنان الاقتصادية: خسرنا الرئة الأولى بسبب إسرائيل، فهل نخسر الرئة الثانية بسبب جنون الحقد أو جنون الرهانات الخاطئة والعبثية، فنختنق وننتهي ككيان؟".
هل يحق لشخص ما أن يقول في حال تعطّلت إحدى رئتيه أنه لا يريد التنفس من الرئة الأخرى نأياً بالنفس؟ ألا يعد هذا الأمر خروجاً عن جوهر النأي بالنفس؟ أليست الحالة الطبيعية أن نكون على علاقة طبيعية مع رئتنا الاقتصاديّة؟
رابعا: لم يكن موقف الوزير باسيل وليد الصدفة، بل جاء استكمالاً لموقفه الشجاع الذي أعلنه في الجامعة العربية في القاهرة بدعوته لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
لطالما كان لبنان سبّاقاً في المواقف العربية بدءاً من تأسيس الجامعة العربية، وليس انتهاءً بمواجهة الكيان الإسرائيلي وتحرير الأرض، واليوم ما يفعله باسيل يصبّ في الخانة نفسها.
هناك من راهن شرقاً وغرباً على سقوط سوريا، وقاطعها على هذا الأساس، اليوم هناك الكثير من هذه الدول تملك علاقات مباشرة وغير مباشرة مع سوريا، فلماذا ينتظر رئيس الحكومة اللبنانية أن يأتيه الإيعاز أو الضوء الأخضر من حليفه الإقليمي حتى يزور سوريا؟ ألا تعدّ الزيارة اليوم، ولأسباب اقتصادية لبنانية بحتة، حاجة لبنانية؟
في الختام.. إن زيارة باسيل إلى دمشق، وبصرف النظر عن تجاذباتها الداخليّة هي مصلحة لبنانية قبل أن تكون سوريّة، وبالتالي لا بدّ من زيارة دمشق والتفاهم مع الحكومة السورية للاتفاق على آلية تسريع عودة الإخوة النازحين والعلاقة الاقتصاديّة فالقطار العربي بات على الأبواب السوريّة، والتأخّر في هذه الزيارة سيضرّ بلبنان قبل أيّ طرف آخر.
يدرك الرئيس الحريري جيّداً أن حلفاءه في الإقليم وتحديداً السعودية باتوا قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى سوريا، وبالتالي تفاهمه مع الوزير حول تفاصيل الزيارة مصلحة للجميع.