الوقت- تواصل تركيا عدوانها على سوريا، ليست المرّة الأولى التي تهاجم فيها أنقرة دمشق، وليست المرّة الأولى أيضاً التي يكون فيها الأكراد هدفاً للغزو التركي، وفي كلّ مرّة من المرّات كان الكردي يعوّل على الدعم الأمريكي، وكانت واشنطن تترك "حليفها" الكردي لقمة سائغة للمعتدي التركي.
لم يتعلّم الأكراد من تجاربهم السابقة، ولدغوا من الجحر التركي أكثر من مرّة، في الوقت عينه لم يُنصتوا لنصيحة دمشق التي دعتهم في كلّ مرة، كما هو الحال اليوم، إلى العودة لأحضان الوطن الذي لا بديل عنه.
يدرك الجانب التركي جيّداً أن الغزو على شرقي الفرات ليس بالنزهة السهلة، ولكن تدرك قوات سوريا الديموقراطيّة "قسد" جيّداً أن الصمود طويلاً أمام الجيش التركي ليس بالأمر السهل، ولعلّ تجربة عفرين خير دليل على ذلك، لذلك أراد الأكراد التوجّه إلى دمشق، إلا أنهم تراجعوا عن هذا الأمر بعد صمودهم لبضع أيام أمام العدوان التركي حينها، لكن الأيام القليلة اللاحقة شهدت تصعيداً تركياً قوياً، فلم يعد بإمكان الأكراد الصمود طويلاً، ولم تعد العودة إلى دمشق مجدية، فقد سبق السيف العذل.
التركي اليوم سيلجأ للأسلوب نفسه، فإما أن تبقى المنطقة بيد الأكراد وهو أسوأ خيار بالنسبة لأنقرة، ولكن الخيار الأقل سوءاً بالنسبة للرئيس أردوغان يتمثّل في عودة الجيش العربي السوري إلى تلك المنطقة، لكن أفضل الخيارات هي سيطرة الجيش التركي والفصائل المحسوبة عليه على هذه المنطقة، وتنفيذ الحلم الذي يسعى له أردوغان منذ بدء الأزمة السورية.
لذلك لا نستبعد أن يلجأ الجيش التركي لأسلوب هجومه في عفرين أي التصعيد شيئاً فشيئاً، وزرع الأمل بأنفس القوات الكردية بإمكانية الصمود والمواجهة، وبالتالي منعهم من العودة إلى دمشق، خشية أن يكون الجيش السوري بديلاً عن الأكراد، لا الجيش التركي الذي بطبيعة الحال لن يلجأ لمهاجمة الجيش السوري كما حصل في تل رفعت.
من هنا ننصح القوات الكردية التي عوّلت كثيراً على الأمريكي الذي تركها في منصف الطريق، حيث تذرّع ترامب بأن الأكراد لم يساعدوه في معركة النورمندي، لذلك ننصحهم بالعودة السريعة إلى دمشق، فلو عادوا إلى أحضان الوطن قبل سنة، لكانت الامتيازات التي سيحصلون عليها تحت سقف الوطن أكبر من تلك التي ستقدمها لهم دمشق اليوم، كما أن عودتهم اليوم إلى أحضان الوطن ستسمح لهم بالحصول على امتيازات أكبر من دمشق في حال تأخروا لمنتصف المعركة، وكل هذه الامتيازات ستكون تحت سقف الوطن.
لا شكّ أن العدوان التركي على شرق الفرات مصيري، سواءً للأتراك، الأكراد أم دمشق، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: ندعو الأكراد للتعلم من تجاربهم وتجارب غيرهم مع واشنطن، فلا لا يمكن لأحد أن يؤمّن للأمريكي ويراهن على الاتفاق معه لأن مصيره سيكون الخذلان، فكما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: "إن الأمريكيين تخلوا عن الأكراد في ليلة وضحاها وتركوهم، وهذا مصير كل من يراهن على أمريكا...فكل التجارب تؤكد أن الأمريكيين لا يحفظون حلفاءهم ولا يحترمون الاتفاقات".
ثانياً: اليوم أمام الأكراد، كما الأتراك،، ثلاثة سيناريوهات فإما المواجهة والبقاء وهو أمر مستبعد نظراً للتجارب السابقة، وإما الانكسار وبالتالي سيطرة الأتراك على تلك المنطقة، أو اللجوء إلى دمشق وهو أوسط الخيارات بالنسبة للأكراد.
يحاول الأكراد التلويح بورقة سجناء داعش، وهي ورقة محترقة على الأرض وإن كانت قابلة للاستثمار الإعلامي المحدود، لأن أي خطوة كردية مماثلة ستدفع الكثيرين لتقديمهم على أنهم متعاونين مع داعش، أي عملية ستحصل في أوروبا سيتحمّل الأكراد مسؤوليتها، أردوغان سيستخدم هذه الورقة للهجوم أكثر، ودمشق لن تقف مكتوفة الأيدي باعتبار أن سكوتها اليوم عن الأكراد يندرج في إطار أولويتها العسكرية التي بدأت بداعش، وتمر عبر المحتل الأجنبي وتنتهي بالحركات الانفصالية، هذه الخطوة ستجعل من أي حركة انفصاليه أولوية لدى دمشق، كما داعش الإرهابي، وبالتالي التصرف معها على هذا الأساس.
ثالثاً: بالنسبة لدمشق الخيار الأنسب هو عودة الأكراد إلى أحضان الوطن وبالتالي منع العدوان التركي والحفاظ على دماء المدنيين السوريين، أكراداً كانوا أم عرباً.
إن خيار بقاء الأكراد لا يقلّ خطورة بالنسبة لدمشق عن خيار الاحتلال التركي، وإن لم تصرّح دمشق بذلك، فالتركي يبقى محتلاً أجنبياً وعليه الخروج عاجلاً أم آجلاً، لكن الانفصاليين يهددون سلامة أراضي الوطن لمئات بل آلاف السنين وإن كانت المعركة العسكرية معهم أسهل من المعركة مع المحتلّ التركي.
رابعاً: كما أن القوات التركية تتحمل مسؤولية دماء المدنيين التي تراق اليوم في الحسكة والقامشلي، فإن القوات الكرديّة تتحمّل مسؤولية هذه الدماء أيضا، لذلك لا بدّ للقيادات العسكرية الكرديّة التريث ووضع مصلحة المدنيين السوريين فوق كل اعتبار.
إن خيار اللجوء إلى دمشق يحفظ الدم السوري، ويمنع الجانب التركي من المضيّ بعدوانه على سوريا.
في الخلاصة، على كل الذين يراهنون على الأمريكيين البحث عن خيارات سليمة وصحيحة بديلة، والخيار الأمثل والوحيد للأكراد اليوم هو العودة إلى دمشق تحت سقف الوطن، بالأوضاع باتت مختلفة كثيراً عن الفترة الممتدة بين 2012 و2016، فالجميع يحجز مقعداً له في قطار التسوية السورية، والمقاعد تمتلئ سريعاً، وبالتالي عاجلاً أم آجلاً سيُجبر الأكراد على حجز مقعد لهم، لكن بعد امتلاء المقاعد الأمامية لن يكون أمام الأكراد سوى خيار الجلوس في المقاعد الخلفيّة، وبإمكان الأكراد اليوم قلب الطاولة على المعتدي التركي عبر الانتقال إلى لعبة "رابح-رابح" مع دمشق.