الوقت- مع وصول "بوريس جونسون" إلى السلطة، لا تزال أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي أدّت إلى استقالة "تيريزا ماي" قائمةً.
يحاول جونسون إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأي طريقة ممكنة، لكن هناك عقبات اقتصادية وسياسية واسعة النطاق وخطيرة أمامه، وكان قرار المحكمة العليا البريطانية بالأمس إلغاء تعليق البرلمان، إنذاراً خطيراً لرئيس الوزراء جونسون.
الخلاف بين الحكومة والبرلمان
عندما رأى البرلمان البريطاني عزم بوريس جونسون على المغادرة دون اتفاق، بدأ يعارض بشدة خطة جونسون.
وفقاً لذلك، وافق البرلمان يوم الأربعاء 13 سبتمبر على خطة بأغلبية 327 صوتاً مقابل 299 صوتاً، تُلزم حكومة جونسون أنه في حال عدم التوافق مع الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر، يجب أن تقدّم طلباً إلى الاتحاد الأوروبي لتأجيل البريكست.
هذه الخطة، بالإضافة إلى كونها عقبةً أمام الخروج من دون اتفاق، تعتبر تهديداً سياسياً لجونسون أيضاً، لأن شعار وأساس وصوله إلى رئاسة الوزراء كان مغادرة الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر.
لذلك، وجد جونسون الحل في تجاوز البرلمان، ولتحقيق هذه الغاية، في اجتماع "المجلس الخاص" في قصر "بالمورال" (مقر الإقامة الصيفي للملكة)، طلب منها تمديد عطلة البرلمان الصيفية إلى 14 أكتوبر، والذي كان يكمن فيه تعليق البرلمان أيضاً، ووافقت الملكة على ذلك.
خطوة جونسون هذه التي كانت تهدف لانتزاع الفرصة من البرلمان لمعارضة "الخروج دون اتفاق"، تمثل بداية تحدٍ جديد بين الحكومة والبرلمان.
وكانت حجة جونسون هي أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي مقتنعاً بمعارضة البرلمان البريطاني للخروج دون اتفاق، فلن يوافق على اقتراحه.
في البرلمان، عارض العديد من أعضاء حزب جونسون قراره، وتم طرد حوالي عشرين من حزب المحافظين، وانضم آخرون إلى أحزاب أخرى.
في البداية، أعلنت محكمة في بريطانيا أن تعليق البرلمان قرار قانوني، لكن محكمة أخرى في اسكتلندا التي تحكمها بريطانيا، قالت إن رئيس الوزراء قد ضلل الملكة.
الدستور في بريطانيا غير مكتوب ويتم تطبيقه كقانون عام؛ والقاضي بناءً على إجراءات قضائية مشتركة وعلى أساس مطالبات مقدمة سابقاً، يصدر حكماً في الدعاوى الجديدة.
لقد اتخذ "تشارلز الأول" قرار تعليق البرلمان في القرن الـ 16 لأول مرة، الأمر الذي أدّى إلى فوضى سياسية شديدة في بريطانيا.
إذن المحكمة العليا البريطانية وفي ضوء القضايا السابقة، أعلنت يوم الثلاثاء الماضي أن تعليق البرلمان كان قانونياً، لكن الدوافع وراء القرار غير قانونية، وهكذا ألغت المحكمة العليا تعليق البرلمان.
ماذا سيحدث بعد تعليق البرلمان؟
إذا وصل قرار البرلمان السابق في معارضة "البريكست الصعب"، إلى مجلس العموم (اللوردات)، سوف يصبح قانوناً، وسيكون الأمر صعباً بالنسبة لجونسون للغاية، لأنه لا يزال يفكر جدياً في "البريكست الصعب".
وفي الرد على قرار المحكمة العليا، قال جونسون: أنا أحترم رأي المحكمة العليا، وأكنّ أقصى درجات الاحترام لهذا التصويت. بالطبع، أنا لا أتفق مع هذا القرار، وسوف نغادر أوروبا في 31 أكتوبر.
الخيار الآخر الذي كان جونسون يفكر فيه لتمهيد الطريق أمام الخروج دون اتفاق، هو الانتخابات المبكرة.
يحتاج جونسون إلى موافقة ثلثي مجلس العموم لإجراء انتخابات مبكرة، وقد جرّب حظه بهذا الخيار مرةً في 19 سبتمبر، ولكن 293 فقط من أعضاء البرلمان الـ650 قد صوّتوا لمصلحة إجراء انتخابات مبكرة.
لدى جونسون ثلاثة طرق أخرى لحل هذا الجمود و"الخروج مع اتفاق".
الأول هو حل المشكلات السابقة في اتفاقيات "تيريزا ماي"، وأهمها قضية حدود "إيرلندا الشمالية" وقوانين اختفاء الحدود الصعبة (back stop) لسهولة حركة المرور بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية.
لقد أجرى جونسون محادثات مع رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" في النصف الثاني من سبتمبر، لكنه لم يحقق نتيجةً تذكر.
وفي الأسبوع الماضي، حذّر رئيس الوزراء الفنلندي ورئيس الدوري للاتحاد الأوروبي "أنتي ريني"، من أن أمام بريطانيا 12 يوماً فقط لتقديم خطة جديدة حول كيفية تنفيذ البريكست.
والطريق الثاني لجونسون هو الحصول على موافقة كبار قادة الاتحاد الأوروبي مثل "إيمانويل ماكرون" و"أنجيلا ميركل".
وفي هذا الصدد، عقد أثناء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاءات مع ماكرون، سعياً لإجراء محادثات مع الزعماء الأوروبيين للخروج من هذا المأزق.
وفي هذا السياق، سوف يجتمع لهذا الغرض مع المستشارة الألمانية، رئيس الوزراء الإيرلندي "ليو فارادكار" ورئيس مجلس أوروبا "دونالد تاسك".
بالنظر إلى إلغاء تعليق البرلمان وموقف الاتحاد الأوروبي الواضح، من غير المحتمل أن يحدث هناك أي اتفاق جديد بين الزعماء الأوروبيين أثناء زيارة جونسون التي تستغرق أربعة أيام إلى مقر الأمم المتحدة، ما لم يوافق بطريقة ما على الخروج الناعم.
أما الحل الثالث أمام جونسون فهو الموافقة على اقتراح البرلمان البريطاني، والذي يدعو لتمديد الموعد النهائي للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن جونسون قد رفض هذا الاقتراح حتى الآن.
لذلك، سيكون عليه أن يرفض المغادرة دون اتفاق، للبقاء في منصبه كرئيس للوزراء، لأنه بعد إلغاء تعليق البرلمان ثمة أصوات تتحدث عن استقالة جونسون.
بعض الأعضاء البارزين في حزب "العمل" و"الحزب الوطني الاسكتلندي"، قد طالبوا بالأمس باستقالة جونسون.
وفي هذا الصدد، قال "إيان بلاكفورد" زعيم الكتلة الاسكتلندية في مجلس العموم: لم يُنتخب بوريس جونسون من قبل الشعب، ويجب عليه أن يفعل شيئاً مشرّفاً ويستقيل.
كذلك، قال زعيم حزب العمل "جيريمي كوربن" بالأمس في كلمة تحذيرية: لقد قضت المحكمة العليا بأن رئيس الوزراء قد اتخذ إجراءً غير قانوني في إغلاق البرلمان، وأهان الديمقراطية وأساء استخدام السلطة.
لذلك، إذا أصرّ جونسون على البريكست دون اتفاق، فإن مهمته تعتبر منتهيةً من وجهة نظر البرلمان، وتزيد إمكانية استجوابه.