الوقت- ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية يوم الخميس الماضي أنه تم اكتشاف أجهزة تجسس في جميع أنحاء البيت الأبيض، تحت غطاء أجهزة اتصالات، كانت مشغولةً بجمع المعلومات من الهواتف المحمولة للموظفين وغيرهم من سكان مقرّ الرئيس الأمريكي في واشنطن.
ونقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين سابقين قولهم إن أجهزة استماع صغيرة جداً تسمّى "StingRays"، يبدو أنه قد تم تشغيلها لمراقبة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ومساعديه والمستشارين المقربين منه.
ويقدر التقرير الفترة المحتملة لتثبيت أجهزة التجسس في البيت الأبيض عامين، وترجح "بوليتيكو" أن "إسرائيل" هي التي تقف وراء تثبيت أجهزة التجسس على الهواتف المحمولة داخل البيت الأبيض ومناطق حساسة أخرى في العاصمة الأمريكية.
في هذا الصدد، نقل موقع "i24NEWS" الإلكتروني عن مسؤول أمريكي قوله إنه في عام 2010 أيضاً أثيرت شكوك حول إمكانية قيام "إسرائيل" بالتجسس.
وأضاف: "كنا نشك في الإسرائيليين في ذلك الوقت، كانت لديهم دائماً معلومات دقيقة، ولم يكن من السهل معرفة من أين كانوا يأتون بها، حتى إنهم كانوا يعرفون ما كنّا نفكر فيه؛ وأحياناً كانوا يستخدمون العبارات والكلمات التي كنا نستخدمها في المسودات فقط."
ردّ تل أبيب السريع على الاتهامات
بعد خبر اكتشاف أجهزة التجسس في جميع أنحاء البيت الأبيض، ردّ كبار المسؤولين الصهاينة على الفور، ومع الإعلان عن عدم وجود هذه المعدات، نفوا أي تجسس ضد أمريكا.
وفي هذا السياق، أصدر مكتب نتنياهو بياناً نفى فيه التجسس على البيت الأبيض، زاعماً: "إنها كذبة صارخة، إنه أمر الحكومة الإسرائيلية بعدم اتخاذ أي إجراء استخباراتي ضد أمريكا، ويتم تنفيذ هذا الأمر دون استثناء وبقوة".
ووفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد نفى وزير خارجية الكيان الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" التقرير أيضاً، وقال: "إن إسرائيل لا تنفذ أي عمليات تجسس في أمريكا، تتبادل أمريكا و"إسرائيل" المعلومات الاستخباراتية وتعملان معاً لمنع التهديدات وتعزيز أمن البلدين."
كما نفى المتحدث باسم سفارة الكيان الإسرائيلي في واشنطن مزاعم "بوليتيكو"، مدّعياً أن "هذه الادعاءات هراء تماماً، إسرائيل لا تتجسس على أمريكا، وانتهى!".
ليونة ترامب المثيرة للدهشة
في حين أن قضية تجسس روسيا ضد أمريكا واتهام الروس بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، كانت على مدى السنوات الماضية موضع انتقادات شديدة من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأحد الأسباب الرئيسة للتوتر في العلاقة بين واشنطن وموسكو، مع ذلك فإن مقاربة ترامب تجاه أخبار المؤسسات الأمنية والاستخبارية الأمريكية حول التجسس ضد إدارته، اتسمت بالتجاهل إلى حد كبير، وهذا بدوره أدى إلى تدخل مؤسسات القوة الأخرى في أمريكا مثل الكونغرس، ونتيجةً لذلك تم اختيار "مولر" كمفتش خاص للتحقيق في الأمر.
وفي الوضع الحالي أيضاً، نشهد مرةً أخرى ليونة "ترامب" إزاء نبأ التجسس الإسرائيلي ضده وضد دائرة مستشاريه وأعضاء إدارته، ففي حديثه إلى الصحفيين، نفى ترامب أن تكون "إسرائيل" وراء قصة التجسس، واستذكر علاقاته الوثيقة بتل أبيب والخدمات التي قدّمتها إدارته إلى الإسرائيليين، قائلاً إنه لا يوجد سبب للقيام بذلك.
في الوقت نفسه، نقلت "بوليتيكو" عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين قولهم، إنه ليس فقط عملاء إسرائيليون قاموا بوضع أجهزة التجسس بالقرب من البيت الأبيض والمباني المهمة الأخرى في واشنطن، بل إن إدارة ترامب قد عالجت الأمر بتساهل كبير أيضاً.
مسؤولو وزارة الأمن الداخلي الأمريكية الذين كانوا قد اكتشفوا أجهزة تجسس في مناطق مختلفة من واشنطن تعرف باسم StingRay(الرأي اللساع) في عام 2018، اقتنعوا بعد تحقيقات مكثفة وتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي والأجهزة الأمنية الأخرى، بأن العملاء الإسرائيليين قاموا بوضع الأجهزة، لكن ترامب لم يتخذ أي إجراء لمعاقبة تل أبيب سواء في السر أم العلن.
من ناحية أخرى، في حين أن وكالات الاستخبارات والأمن الأمريكية قد اعتبرت "جاريد كوشنر" صهر ترامب ومستشاره عنصراً لا يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى المعلومات السرية، وحتى إن بعض أعضاء الإدارة قد حذّروا ترامب من ذلك، لكنه على الرغم من هذه التحذيرات، أصدر إذناً لكوشنر للوصول إلى قاعدة البيانات الأمريكية السرية.
أما بالنسبة إلى هذه الليونة المفرطة، ففي حين أن سجل التجسس الإسرائيلي ضد أمريكا معروف جيداً ولا يمكن إنكاره، يمكن أن تُعزى هذه الليونة إلى عوامل مختلفة، أبرزها دور اللوبي الصهيوني في وصول ترامب إلى سدة الرئاسة.
يعدّ اللوبي الصهيوني أقوى جماعات الضغط والتأثير والأكثر نفوذاً في الهيكل السياسي والاجتماعي الأمريكي، ويلعب دعمه دوراً رئيساً في الفوز بالرئاسة وفي مراكز القوة والثروة الأخرى في أمريكا.
لذلك، أولاً يتمتع الصهاينة بنفوذ كبير في إدارة ترامب وفي دائرة المقربين منه ويلعبون دوراً في توجيه تفكيره، وثانياً، بالنظر إلى أنه لم يتبق الكثير حتى الانتخابات الرئاسية، فإن ترامب لن يكون على استعداد لاتخاذ أي إجراء من شأنه أن يؤثر سلباً على دعم هذا اللوبي لنفسه.
أمريكا مركز التجسس الصهيوني
إن دراسة السجل التجسسي الصهيوني ضد أمريكا تدفع الرأي العام بشكل رئيس نحو "جوناثان بولارد"، الذي اعتقل عام 1986 بتهمة التجسس على أمريكا.
كان "بولارد" ضابط مخابرات بالبحرية الأمريكية، وقد كشف للكيان الإسرائيلي الأسرار العسكرية للاتحاد السوفيتي وباكستان وسوريا وليبيا التي جمعتها المخابرات الأمريكية، وذلك من قبل جندي إسرائيلي في مقابل المال والهدايا الثمينة، وهو الأمر الذي نفاه الكيان الإسرائيلي بشدة.
الصهاينة الذين منحوه الجنسية الإسرائيلية عام 1995، قد رفضوا لسنوات قبول أي نوع من العلاقة المعلوماتية مع هذا الشخص، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن تمّ العفو عنه في نهاية فترة رئاسة أوباما بعد قضاء 30 عاماً في السجن، فتوجّه مع أسرته إلى المناطق المحتلة.
لكن تاريخ الدور الصهيوني في التجسس لا ينتهي عند هذا الحد. ففي قصة فضيحة الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" الأخلاقية، كان الدور الصهيوني واضحاً أيضاً.
كانت "مونيكا لوينسكي" فتاةً يهوديةً وعميلةً لوكالات الأمن الإسرائيلية في أمريكا، تسللت إلى البيت الأبيض وأوقعت "كلينتون" في الفخ المعلوماتي.
الشيء الوحيد الذي لم يتم الكشف عنه بالكامل في هذا الملف، هو كيف تسرّب فيديو وصورة الفضيحة من داخل البيت الأبيض ومكتب رئيس أمريكا الشديد الحراسة ووصل إلى وسائل الإعلام؟ في حين أن العلاقات الأمريكية مع الكيان الإسرائيلي كانت تتسم بالبرودة في تلك الفترة، بسبب سياسات كلينتون في الشرق الأوسط.
يمكن أن نعتبر ضعف الكيان الإسرائيلي واعتماده الحيوي على الدعم العسكري والسياسي والمالي لأمريكا، السبب الرئيس وراء تصرفات سلطات تل أبيب الهستيرية والبارانويدية المستمرة بشأن تجسسها ضد حليفتها الأهم والأقرب.
الكيان الإسرائيلي كيان ضعيف في كل المجالات، ويعتمد اقتصاد هذا الكيان على المساعدات الأمريكية، ومن دون مساعدة أمريكا لا يمكنه البقاء، ومن حيث التكنولوجيا والعلوم، يتجسس الكيان الإسرائيلي دائماً على بلدان أخرى وعلى رأسها أمريكا، لإحراز تقدّم علمي بتكلفة أقل من أجل تعويض تكاليفه المرتفعة.
وفي الساحة السياسية أيضاً، يعدّ إدراك الأساليب المختلفة الموجودة في أمريكا ذا أهمية خاصة لهذا الكيان، لأن أدنى تحوّل اجتماعي يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدعم الأمريكي له والقضاء عليه.
وخلال فترة رئاسة ترامب أيضاً، فرغم أنه أبدى اهتماماً كبيراً بالمطالب والمصالح الصهيونية غير المشروعة، حتى على حساب الاحتجاجات الدولية ضد سياسات البيت الأبيض، ولكن بالنظر إلى أن الصهاينة ينظرون إلى ترامب كشخصية لا يمكن التنبؤ بها، فهم يشعرون بالقلق الشديد من أنه قد يهمل في قراراته مصالح الكيان في التبادلات مع الدول الأخرى.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى مسألة تزوُّد السعودية بالطاقة النووية، ففي حين أن ترامب على استعداد لمنح نقل تكنولوجيا التخصيب إلى الرياض لحلبهم بشكل أكثر، لكن تل أبيب تعتبر ذلك عملاً مخالفاً لمصالحها الحيوية بالكامل.
كما يمكن الإشارة أيضاً إلى الشأن السوري وقرار ترامب المفاجئ بسحب قواته من المنطقة، والذي كان خطوةً مفاجئةً للصهاينة الذين يشعرون بقلق عميق إزاء التطورات في سوريا.