الوقت- خلال الأشهر القليلة الماضية، وعلى عكس التوقعات لتخفيف حدة الأزمات العالمية، وخاصةً في منطقة غرب آسيا، شهدنا مستويات متزايدة من التوترات بين القوى الإقليمية وعبر الإقليمية. في هذه الأثناء، کانت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، واحدة من أكثر الدول التي تصدرت الأخبار، وقد حدثت الكثير من القضايا حول هذا البلد.
في الخبر الأحدث، شد رئيس تركيا الرحال إلى روسيا. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي الأهداف التي يريد أردوغان تحقيقها من خلال زيارته هذه إلى موسكو ولقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين؟ ولمعالجة هذه القضية، يمكن الإشارة إلی ثلاثة محاور مهمة.
مساعٍ مذبوحة لإيقاف عملية إدلب
من المؤكد أن الجانب الرئيس والأهم من جوانب قرار الرئيس التركي بالتفاوض مع السلطات الروسية، يجب اعتباره بأنه مرتبط بتقدم الجيش السوري في تحرير محافظة حماة وريف إدلب بعد السيطرة علی خان شيخون في الأيام الأخيرة، وهو التقدم الذي لم يتوقف رغم كل جهود تركيا لتزويد الإرهابيين بالأسلحة الثقيلة أو حتى التهديد العسكري لدمشق.
في الواقع، مع استعادة خان شيخون انفتحت البوابة الرئيسية لتحرير سوريا بالكامل، والأتراك يدرکون هذا الوضع الخطير جيدًا، ولكنهم غير قادرين فعليًا على تغيير الظروف باستخدام القوة العسكرية. وقصف الطائرات السورية في الأسبوع الماضي مواقع الرتل العسکري والمعدات والقوات التركية التي کانت في طريقها لمساعدة الإرهابيين، ثم محاصرة الموقع التاسع للجيش التركي في ريف إدلب، قد أثبتا تغيير المعادلات نحو سياق ينبغي اعتباره نهاية التصعيد التركي في سوريا.
ولذلك، فقد وجد أردوغان السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع الصعب هو التفاوض مع المسؤولين الروس، لعله يستطيع وقف تقدم الجيش السوري مرةً أخرى، وكذلك شراء بعض الوقت لإعادة بناء جبهة الإرهابيين المحطمة في إدلب، کما حدث في اتفاقية وقف إطلاق النار في سبتمبر 2018 في أدلب.
إستکمال عملية إرسال منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 وتحذير الغرب بشأن شراء الأسلحة
يمكن تقييم المحور الأول لزيارة أردوغان إلى روسيا، في ضوء سياسة أنقرة الجديدة لشراء الأسلحة من روسيا. فالسلطات التركية وبعد خيبة أملها من نهج الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة وأوروبا، لتلبية احتياجاتها الأمنية والأسلحة، تحدثت بصراحة عن إمكانية الحصول على أسلحة جديدة من موسكو.
وفي نفس السياق، رأينا أردوغان جاداً في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس 400، رغم معارضة الولايات المتحدة القوية، کما أظهر جديةً في إرادته للتقارب والتعاون العسكري مع الروس، حتى لو كان ذلك على حساب الإضرار بتحالفه التاريخي مع الغرب.
واللافت أن زيارة أردوغان إلى روسيا تأتي في وقت يتم فيه نقل المرحلة الثانية من منظومة إس 400 إلی ترکيا. وتحديد هذا اليوم لشد الرحال إلى روسيا يمثل تحذيرًا خطيرًا للولايات المتحدة والدول الأوروبية بشکل رمزي. وهذا يعكس العلاقة الوثيقة بين الجانبين واستعدادهما لتوسيع التعاون الأمني والعسكري في الوضع الجديد.
في الواقع، وعلى عكس ما حدث في الماضي، فإن إستراتيجية تركيا في السياسة الخارجية هي في اتجاه "النظرة الشاملة إلى الشرق"، وهي لن تألو جهداً لتحقيق مطالبها.
تحذير الولايات المتحدة للموافقة علی دعوة أنقرة لإقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا
أصبح إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا محورًا رئيسيًا للسياسة الخارجية التركية مؤخرًا. يريد أردوغان إيجاد منطقة آمنة علی طول المحور الشمالي السوري في شرق الفرات، بحجة مكافحة الإرهاب وإزالة تهديد الأكراد السوريين على حدود تركيا الجنوبية. وعلى عكس توقعات تركيا، فإن إدارة دونالد ترامب كحليف للأكراد في شمال وشرق سوريا، لديها خلاف أساسي مع أنقرة في هذا المجال. إذ يهدف أردوغان لإنشاء منطقة شاملة يبلغ طولها حوالي 32 كيلومترًا، لكن واشنطن تفكر في إنشاء نفس المنطقة بحيث تقتصر علی 5 كيلومترات فقط.
وبالنظر إلى أن المفاوضات بين الوفد الأمريكي والأتراك کانت جاريةً على مدار الأسبوعين الماضيين، فإن زيارة أردوغان لروسيا باعتبارها عنصراً فاعلاً يلعب الدور الأكثر أهميةً في معادلات الأزمة السورية، يمكن أن تكون تحذيراً خطيراً.
في الحقيقة، يذکِّر أردوغان المسؤولين السياسيين في البيت الأبيض أن عدم موافقتهم علی مطلبه، سيمهد من ناحية الطريق لتوثيق العلاقات بين تركيا وروسيا، ومن ناحية أخرى، قد يكون من الممكن أن تختار ترکيا مسار التوافق مع موسكو بشأن المنطقة الآمنة والغزو العسكري الترکي المحتمل لشمال سوريا.
زيادة التعاون الاقتصادي والسياحي بين البلدين
الجانب المهم الآخر في زيارة أردوغان إلى روسيا، يمكن تقييمه بأنه مرتبط بالتعاون الثنائي بين البلدين. إذ وصل التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى أعلى مستوى له في عام 2018 أي بأكثر من 16 مليار دولار، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في الارتفاع هذا العام أيضاً. نتيجةً لذلك، قد تكون زيارة أردوغان إلى موسكو محاولةً لمعالجة هذه القضية وزيادة تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وعلى مستوى آخر، تعتبر قضية السياحة والعوائد الناتجة عنها مجالًا آخر من المحتمل أن يؤکد عليه قادة البلدين. إذ في الوضع الحالي، تعد تركيا وروسيا من أهم مراكز السياحة في أوروبا وحتى في العالم. مع ذلك، فإن الروس هم من بين الزبائن الأوائل للسياحة إلى تركيا، وقد زاد الأتراك أيضاً من زياراتهم إلى روسيا خلال السنوات القليلة الماضية. لذلك، يبدو أن زيادة التعاون ومستوى التفاعل في هذين المجالين سيكونان على جدول الأعمال أيضًا.