الوقت- شهدت الأسواق الأمريكية انخفاضاً مفاجئاً الأربعاء الماضي بعد تصاعد المخاوف من ركود محتمل، بحيث انخفض مؤشر "داو جونز" بأكثر من 800 نقطة.
كما انخفضت قيمة مؤشر داو جونز نحو 2 في المئة، وشهد مؤشر "ناسداك" أيضاً انخفاضاً بنسبة 1.55 في المئة.
كذلك أعلن "بنك أوف أمريكا" أن اقتصاد البلاد سيصيبه الركود هذا العام باحتمال 1 إلى 3.
وفي الوقت نفسه، انخفضت أسهم بنك أوف أمريكا بنسبة 2.75 في المئة، وسهم "جيه بي مورغان" بنسبة 2.5 في المئة.
وبعد الأسبوع الأول من أغسطس من هذا العام، بدأ من جديد دومينو انخفاض الأسهم في الأسواق العالمية بدءاً من أمريكا وصولاً إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية، هذا في حين أن إمكانية فرض رسوم جديدة على البضائع الصينية مازالت قائمةً.
ردّة الفعل الواسعة النطاق لسوق الأوراق المالية العالمية للتوترات بين الاقتصادين الرئيسيين في العالم، تتطلب دراسة هذه القضية والكشف عن أسبابها وأبعادها بشكل دقيق.
ومن المهم أيضاً الإجابة على هذا السؤال المطروح بأنه، إذا نجحت أمريكا في القضاء تماماً على الفائض التجاري للصين معها، فهل سيتكيّف الاقتصاد العالمي مع الوضع الجديد؟
علامات الركود
أثار التغير الحاد في أسعار الفائدة يوم الأربعاء الماضي المخاوف، والذي تمثّل في انخفاض العائد على الودائع ذات 10 سنوات مقارنةً مع الودائع ذات عامين، الأمر الذي يحدث لأول مرة منذ عام 2007.
العديد من المحللين الاقتصاديين اعتبروا أن هذا هو أحد العلامات الرئيسة لحقبة ما قبل الركود الاقتصادي، والذي حدث دائماً في خضم الأزمات الاقتصادية.
في الواقع، يرغب الرأسماليون في استثمار أموالهم في الودائع طويلة الأجل وكسب المزيد من الفوائد، أكثر من الودائع قصيرة الأجل دون معرفة مجرى الأحداث.
وقد وصف الاقتصاديون هذه الظروف بأنها "منحنى العائد العكسي"، ويقولون إن البنك الفيدرالي سوف يضطر إلى خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل لدعم الاقتصاد.
في هذا الصدد كتبت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية: "على المدى القصير، يمثّل هذا المنحنى العكسي علامةً على التشاؤم الاقتصادي، ذلك أن المنحنيات العكسية هي في الواقع دليل على الركود، وقد لوحظت في أمريكا قبل خمس فترات الركود الماضية".
كما تشير صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية في تحليل لها إلى علامات أخرى على بدء الركود، والتي تم الحصول عليها من خلال دراسة الوضع الأكثر تدهوراً للشركات الاقتصادية الصغيرة في أمريكا، حيث انخفضت إيرادات 30500 من أصحاب الوحدات التجارية والمؤسسات الأخرى التي لها عدد قليل من العمال إلى 3.4 في المئة في الربع الأول من هذا العام مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وجاء هذا التراجع بعد انخفاض بنسبة 14٪ في نمو الإيرادات في عام 2017 إلى حوالي 3٪ في العام الماضي. ويبدو أن شركات الخدمات تواجه انخفاضاً في الطلب، الأمر الذي يمثل العلامة المبكرة على الركود.
تشكّل الشركات التي يقلّ عدد موظفيها عن 20 موظفاً، 98٪ من الشركات الأمريكية، ومعظمها يقدّم وظائف خدماتية، كما أن 11٪ منها لها عامل واحد و25٪ يعمل فيها شخصان إلى خمسة أشخاص.
ويظهر آخر مسح للشركات الصغيرة أن مبيعاتها قد انخفضت بنسبة 27 بالمئة عن نهاية عام 2018، وحوالي 6 في المئة من الشركات لديها مالك واحد، في حين أن 60 في المئة يعمل فيها أقل من 10 أشخاص.
وفي الوقت نفسه، بلغ نمو أرباح أكبر الشركات الأمريكية والتي تشمل مؤشر "ستاندرد آند بورز500"، 4.8 في المئة في الربع الأول من هذا العام مقارنةً بالعام السابق، وكان نمو عائداتها 9 في المئة العام الماضي.
ومن المتوقع أن يكون نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي قدره 1.5 بالمئة في الربع الأول من هذا العام، بانخفاض 2.2 في المئة من نفس الفترة من العام الماضي، و2.9 في المئة عن عام 2018 بأكمله.
وفي علامة أخرى، يمكن اعتبار نمو الدولار في الأشهر الأخيرة أحد العوامل المحددة لحلول الأزمة الاقتصادية، ومع ارتفاع الدولار، سيجد المصدّرون الأمريكيون بطبيعة الحال أنه من الصعب التنافس مع الشركات الأجنبية، ما سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
وجاءت هذه الظروف نتيجة إشعال ترامب للحرب الاقتصادية مع القوى الاقتصادية الأخرى، بما في ذلك الصين، الأمر الذي أدّى بالإضافة إلى نمو الديون الأمريكية إلى أكثر من 22 تريليون دولار، والذي سيكون وفقاً للخبراء بمثابة قنبلة موقوتة لتدمير الاقتصاد الأمريكي، إلى جعل الأزمة الاقتصادية تتصاعد بشكل أسرع خلال عهد ترامب.
الوضع العام للحرب التجارية
بدأ ترامب الحرب التجارية بدايةً في يوليو 2018 مع فرض رسوم بنسبة 25٪ على 34 مليار دولار من البضائع الصينية.
لم تكن البضائع التي شملتها الرسوم حيويةً في المرحلة الأولى من الحرب التجارية، وكان ترامب قد فرض رسوماً بنسبة 25 في المئة على الصلب و10 في المئة على الألومنيوم في مارس من العام نفسه، ورغم أنه في تلك المرحلة لم يعلن الصين على وجه التحديد الهدف الرئيس من هذه الرسوم، لكن بعض الحلفاء مثل كوريا الجنوبية والمكسيك وكندا كانوا معفيين من هذه التعريفات مقابل تقديم تنازلات وعقد صفقات.
ثم في سبتمبر 2018، فرض ترامب تعريفةً بنسبة 10٪ على 6000 سلعة صينية أخرى بقيمة 200 مليار دولار. وفي المقابل، فرضت الصين تعريفةً بنسبة 10 في المئة على 60 مليار دولار من السلع الأمريكية.
وكانت الصين حتى ذلك الوقت قد فرضت ما مجموعه 110 مليارات تعريفة جمركية على البضائع الأمريكية رداًّ على الحرب التجارية.
لكن ردود الفعل الاقتصادية للبلدين كانت تبعث على القلق، حيث أعلن صندوق النقد الدولي في نفس الشهر أن النمو الاقتصادي في أمريكا سينخفض بمقدار عشرين في المئة بنهاية عام 2018 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وسوف ينكمش الاقتصاد الصيني بنسبة 6 في المئة مقارنةً بالعام السابق.
وعندما تكشّفت تداعيات الأشهر الستة الأولى من الحرب التجارية، حاول ترامب إجبار الصين على تقديم المزيد من التنازلات من خلال إمهالها 180 يوماً.
مع عدم استسلام الصين، زادت أمريكا في مايو من هذا العام التعريفة السابقة التي كانت بنسبة 10٪ على 200 مليار من السلع الصينية إلى 25٪، وبالتزامن مع إرسال سفنها إلى بحر الصين الجنوبي بحجة حماية حرية حركة السفن في المياه الدولية، ضغطت على الصين لقبول الشروط الأمريكية الجديدة، لم تتنازل الصين هذه المرة أيضاً، ورفعت التعريفة السابقة البالغة 10 في المئة على 60 مليار دولار إلى 25 في المئة، فانخفضت صادرات الصين إلى أمريكا 9 في المئة في الربع الأول من عام 2019.
المرحلة الجديدة من الحرب التجارية
يعيش الاقتصاد الأمريكي أوقاتاً عصيبة منذ الحرب التجارية، بحيث تنبّأت شركة "Trade Partnership worldwide" الاقتصادية بأن متوسط التكلفة السنوية لكل أسرة سيزيد بمقدار 2300 دولار لكل أسرة أمريكية.
لكن ترامب يعتقد أنه على الرغم من تضرّر الاقتصاد الأمريكي، إلا أن الحرب التجارية طويلة الأجل ستفيد أمريكا، لأن شركات الاستثمار الأجنبي في الصين ستغادر هذا البلد تدريجياً وتنتقل إلى دول مثل فيتنام.
كما تتهم أمريكا الصين بالإبقاء على عملتها منخفضةً عن عمد من أجل النجاح في الحرب التجارية، بحيث تبلغ قيمة اليوان الصيني 7 دولارات، وهو أمر غير مسبوق منذ عام 2008.
الميزان التجاري لأمريكا مع الصين سلبي عند 376 مليار دولار، لذلك فإن أمريكا ومن أجل إخضاع الصين، قد أعلنت عن آخر ورقة رابحة تمتلكها وهي فرض تعريفة جمركية على البضائع الصينية المتبقية البالغة 300 مليار دولار.
أعلن ترامب يوم الخميس، 1 أغسطس، أنه بسبب عدم شراء الصين للمنتجات الزراعية الأمريكية، سيفرض رسوماً جمركيةً بنسبة 10٪ ابتداءً من 1 سبتمبر، على أكثر من 300 مليار دولار من البضائع الصينية.
وكان لهذا الإعلان تأثير كبير على أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية، حيث انخفض سهم "داو جونز" أكثر من مئتي وحدة، وسهم "ستاندرد آند بورز" ما يقرب من سبعة أعشار في المئة.
في ردود الفعل الأولى، قال مستشار ترامب الاقتصادي السابق "غاري كوهن": كان للحرب التجارية تأثير عميق على قطاع الإنتاج لأنها قد رفعت التكاليف، وستتسبب في خسارة الجميع.
وذكرت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية أن أوروبا شهدت يوم الثلاثاء الماضي، ارتفاع العقود الآجلة لمؤشر فوتسي البريطاني بنسبة 0.37 في المئة، وانخفاض سهم فحم الكوك فورتي الفرنسي بنسبة 0.33 في المئة.
كما تراجعت أسهم داكس فرانكفورت الألمانية بنسبة 12/0 ٪. وأعلنت الصين أنها لن تقف مكتوفة اليدين أمام زيادة الرسوم الجمركية وستتخذ التدابير المضادة.
كما أدّى رد الفعل النفسي لسوق الأوراق المالية إزاء المرحلة الجديدة من الحرب التجارية، إلى ركود آخر في الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت بورصة نيويورك بأكثر من اثنين في المئة، وفقد مؤشر داو جونز، الذي يتكون من 30 سهماً رئيساً 600 وحدة.
لذلك، أعلن ترامب وفي تراجع واضح أنه سوف يؤجل رفع التعريفة الجمركية حتى ديسمبر.
تعدّ التعريفة الجمركية بنسبة 300٪ على البضائع الصينية هي أحدث دفعة وذروة للحرب التجارية الأمريكية مع الصين، حيث يحاول ترامب استخدام ذلك في شكل 10٪ و 25٪ على مرحلتين.
من ناحية أخرى، تعرف بكين أن شراء المنتجات الزراعية من أمريكا، وهو شرط ترامب لعدم فرض تعريفة بنسبة 300 في المئة، هو امتياز انتخابي.
بهذا الصدد، قال "خه وایوون" أحد الخبراء الاقتصاديين في الصين: لا يمثل شراء المنتجات الزراعية الأمريكية مشكلةً خاصةً بالنسبة للصين، ولكنه مهم بالنسبة لفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة.
مع تعريفة 300 ٪، فإن الحرب التجارية ستصل إلى ذروتها، وإذا استطاعت الصين اجتياز هذه المرحلة بأقل قدر من الأضرار، فإن الهدف الرئيس لترامب وأهم استراتيجية لإدارته، وهو توجيه ضربة قوية لاقتصاد الصين، سوف يواجه نكسات خطيرة، ويمكن الادعاء بأنه أكبر فشل لسياسة ترامب الخارجية وذلك في الفترة التي تسبق انتخابات عام 2020.
وأخيراً كتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية في إحدى افتتاحياتها: "تشبه الرسوم الأمريكية إطلاق نار عشوائي، لكن الصين لديها العديد من الأدوات للتعامل معها، فهي تصوّب بدقة وتحاول ألّا تؤذي نفسها".