الوقت – في ديسمبر 2017، أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة العراقية التحرير الكامل لأراضي العراق من قبضة إرهابيي داعش.
احتل قادة داعش لفترة من الزمن نصف الأراضي العراقية والسورية، وكان لديهم هيکل حكومي رسمي مع وزارات وإدارات مستقلة إلی درجة دولة، وكانت قواتهم أكبر من معظم الجيوش في المنطقة على الأقل من حيث الحجم والمعدات.
ولكن مع فقدان المناطق التي احتلها هذا التنظيم الإرهابي، قرر قادة داعش تغيير أساليبهم وعملياتهم السرية من خلال التفجيرات والكمائن والاختباء في ملاجئهم السرية في صحراء غرب العراق وشرق سوريا.
وكانت هذه الاستراتيجية مماثلةً لسنوات الوجود العسكري الأمريكي في العراق، عندما امتنع مقاتلو تنظيم القاعدة في العراق عن مواجهة الجيش الأمريكي بعد رؤية نتائج معركة الفلوجة، وقرروا اللجوء إلى العمليات السرية والإرعاب إلی حين تغادر القوات الأجنبية أرض العراق.
دراسة حجم هجمات الخلايا السرية لداعش بعد انهيار التنظيم الإرهابي في الأراضي العراقية
في عام 2018، کانت قوات داعش لا تزال منتشرةً في محافظة دير الزور والضفة الشرقية لنهر الفرات وقرى مثل هجين وسوسة، والمواجهات العنيفة التي دارت بين التنظيم وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي المناهض لداعش في صيف وخريف هذا العام، أدّت في نهاية المطاف إلى انهيار آخر القواعد الرسمية لهذا التنظيم الإرهابي، وبعد ذلك، قسّم إرهابيو داعش أسلوبهم في القتال إلى قسمين:
1- تنفيذ هجمات انتحارية وكمائن على جوانب الطريق ضد قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا.
2- توسيع نطاق عمليات زرع القنابل والكمائن والفخاخ المتفجرة والهجوم بالصواريخ وقذائف الهاون على الأراضي العراقية مع إعطاء الأولوية للمحافظات السنية مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين.
وفقاً لهذه الاستراتيجية، ازدادت هجمات التنظيم على الأراضي العراقية زيادةً حادةً منذ بداية عام 2018، حيث شنّ التنظيم الإرهابي ۱٤٨ هجوماً إرهابياً في جميع أنحاء العراق شهرياً، وبحلول بداية عام 2019، وصل عدد الهجمات إلى أدنى مستوى لها في مارس مع 59 هجوماً.
وكان هذا أقل عدد من الهجمات الإرهابية المبلّغ عنها خلال شهر منذ عام 2003، ولكن من بداية إبريل 2019، بدأت العمليات الجديدة لتنظيم داعش الإرهابي في أجزاء مختلفة من العراق تحت عنوان "ثأر الشام".
بلغت هذه العمليات ذروتها في مايو من هذا العام مع 135 هجوماً إرهابياً، ولكن مع بدء العمليات الكبيرة التي قام بها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي للقضاء علی مخابئ التنظيم على أراضي العراق، انخفض عدد الهجمات الإرهابية المسجلة مرةً أخرى، حيث وصل إلى 82 هجوماً في يوليو الماضي.
دراسة هجمات يوليو 2019
قُتل في هذا الشهر ما مجموعه تسعة أشخاص وجُرح أربعة آخرون في الهجمات الإرهابية التي شنها التنظيم، ومن بين القتلى، قتيل واحد من قوات البيشمركة، 4 من قوات ما يسمی بـ "آسايش"، 9 من قوات الأمن العراقية، 14 من قوات الحشد الشعبي و55 من المواطنين العراقيين.
ومن المثير للاهتمام أن العاصمة بغداد کان لها النصيب الأكبر لعدد الخسائر البشرية مع 42 قتيلاً، ولمحافظة ديالى أكبر عدد للهجمات وأعلى عدد للقتلى والجرحى.
کما أن ديالى هي المحافظة الوحيدة في القائمة التي زاد فيها عدد الهجمات مقارنةً بالشهر السابق، أي يونيو، وهذا يدل على أن قادة التنظيم الإرهابي يخططون لإعادة هيکلة تنظيمهم في هذه المحافظة، وخاصةً في مدينتي جلولاء وبعقوبة، اللتين کانتا من مراكز النمو الرئيسة للمجموعات التكفيرية شرق العراق منذ السنوات الأولى للأزمة الداخلية العراقية، کما تأتي أهمية هذا الموضوع أيضاً من ناحية مجاورة محافظة ديالى للحدود الغربية لإيران.
من بين النقاط اللافتة في هجمات يوليو، وقوع هجومين في محافظتي كربلاء و السليمانية، إذ لم تشهد كربلاء أي هجمات إرهابية منذ العام 2017 ، ولكن في 28 يوليو أدّى انفجار سيارة مفخخة إلى مقتل مواطن عراقي.
وتتعلق حالة أخرى بهجوم شنّه إرهابيو تنظيم داعش على نقطة تفتيش لقوات البشمركة جنوب السليمانية بإقليم كردستان العراق، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة أحد عشر من قوات البيشمركة.
بصرف النظر عن الهجمات في العاصمة، كان التركيز الرئيس لخلايا داعش السرية في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك، وهي بالضبط نفس المحافظات التي فقد التنظيم الإرهابي فيها معظم مناطق سيطرتها خلال أحداث عام 2014، واستغرق الأمر أكثر من ثلاث سنوات حتی يستعيد الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي السيطرة على هذه المحافظات.
استمرار هذا الوضع والهجمات الواسعة النطاق التي يشنّها بقايا داعش على الأراضي العراقية، يمكن أن يشكل عقبةً خطيرةً أمام الاستقرار والأمن في العراق، وخاصةً في المحافظات المذكورة، وهناك شعور قوي بالحاجة إلى وضع استراتيجية جديدة للقضاء على وجود الإرهابيين وخلق سلام دائم في هذه المناطق.