الوقت- ما تقوم به إيران تجاه حلفائها خاصة سوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية، من تعامل وثيق، دائما ما يبطل الكثير من الإتهامات الموجهة ضدها، التي تهدف لافساد العلاقة التي تربط هذه الجهات بطهران.
حيث كثر الحديث في الآونة الاخيرة من قبل وسائل الاعلام والمحافل السياسية، حول أن علاقة إيران بفصائل المقاومة الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الإسلامي وصلت الی "القطيعة" وذلك بسبب عدم دعم هذه الفصائل لسوريا، حليفة إيران المقربة في حربها مع الجماعات المسلحة التي شنت هجوما عنیفا علیها منذ ما يقارب الـ خمسة أعوام. الهدف من هذه الاتهامات لإيران، یاتي في سياق المحاولات التي تبذل لابعاد طهران والشعب الإيراني عن المقاومة لتکون الفرصة سانحة للمتربصين بها للنيل منها، باعتبار أن إيران الداعم الرئيسي لمشروع المقاومة في المنطقة. إذن لماذا طهران مستمرة بدعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية رغم تباين وجهة نظر الطرفين إزاء عدد من قضايا المنطقة؟ وهل يمكن لفصائل المقاومة الفلسطينية أن تجد من يحتضنها كما احتضنتها إيران، في حال إبتعدت عن طهران؟ أم أن جذور العلاقة بين طهران والفصائل الفلسطينية اکثر رسوخاً من أن تتمكن الخلافات الهامشية أن تزعزعها كما يتصور البعض؟
في هذه الاثناء التقى «محمد جواد ظريف» وزير الخارجية الإيراني، خلال زيارته الاخيرة الی سوريا قبل أيام، الدكتور «رمضان عبدالله شلح» الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين ونائبه «زياد النخالة» في السفارة الإيرانية في دمشق. حيث بحث الجانبان كما أوردت وكالة الانباء الرسمية الإيرانية (إيرنا)، آخر تطورات القضية الفلسطينية وإعتداءات الكيان الإسرائيلي علی المقدسات الإسلامية في القدس. وأكد رمضان عبدالله خلال هذا اللقاء علی أهمية دعم إيران للقضية الفلسطينية واستمرار هذا الدعم للمقاومة.
وبالعودة الی مواقف سابقة، فقد أكد قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد «علي الخامنئي» العام الماضي خلال لقائه بالدكتور رمضان عبدالله في طهران بعد انتصار المقاومة في حرب الـ 51 يوما علی الكيان الإسرائيلي، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية والشعب الايراني يفخرون بانتصاركم وصمودكم ونامل باستمرار سلسلة انتصارات المقاومة حتی تحقيق النصر النهائي. بالاضافة الی هذا لقد عبرت إيران عن دعمها للمقاومة الفلسطينية بعد أحداث سوريا والیمن مراراً وتكراراً، بدءً من قائد الثورة الإسلامية ورئيس الجمهورية، مرورا برئيس مجلس الشوری الاسلامي وأمين مجلس الامن القومي، وصولا الی سائر القيادات الاخری. حيث أن كل هذه القيادات العلیا الإيرانية أكدت أن دعم إيران للقضية الفلسطينية ضد الکيان الإسرائيلي لا يمكن أن يتأثر بالاحداث العابرة.
بالاضافة الی ذلك فان الدعم الإيراني لفلسطين لم يتوقف عند مستوی القيادات الوسطی، بل أنه یصدر عادة من قبل قائد الثورة الإسلامية نفسه في إيران، حيث يعتبر السيد الخامنئي هو من أعلن فكرة تسليح الضفة الغربية للمرة الاولی وبشكل علني وليس خلف الكوالیس لدی لقائه طلبة الجامعات الإيرانيين في الخامس والعشرين من شهر رمضان 1435هـ ش (2014م)، العام الماضي، حيث أكد سماحته: «لذلك أعتقد، وهذه هي عقيدتنا، بأن الضفة الغربية أيضاً يجب أن تتسلح شأنها شأن غزة. لا بد من يد القدرة.
هذا هو الفعل الذي يجب أن يقوم به الذين يحبّون مصير فلسطين. هناك أيضاً يجب أن يتسلح الناس.
الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يقلل من محنة الفلسطينيين هو أن تكون لهم يد اقتدارهم وأن يستطيعوا استعراض هذا الاقتدار، وإلّا فالتعامل الليّن والمطيع والاستسلامي لن تكون فيه أية منافع للفلسطينيين، ولن يقلل شيئاً من عنف هذا الموجود العنيف الخبيث الذئبي {ویعني بالطبع هنا الکيان الإسرائيلي}».
إيران لا تطالب فصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من وراء دعمها لهم، سوی مواصلة النضال ضد الكيان الإسرائيلي لإعادة تحرير أرضهم التي تم إحتلالها من قبل هذا الكيان. وكل ما يقال حول أن إيران تريد من الفصائل الفلسطينية أن تعادي هذه الدولة أو تدعم تلك الجهة، لا أساس له من الصحة، حيث أشار علي أكبر ولايتي خلال حوار له مع قناة الجزيرة القطرية قبل أسابيع، في رده علی سؤال حول علاقة طهران بحماس خاصة بعد زيارة خالد مشعل للرياض، قائلا: «نحن أصدقاء لحماس وصداقتنا لا تسمح لنا بالتدخل في شؤونها الداخلية، ويمكن لقادتها ومسؤوليها أن يذهبوا إلى السعودية وغيرها»، وذلك رغم الخلافات الموجودة بين طهران والرياض. كما وصف ولايتي علاقة الجمهورية الإسلامية بحركة الجهاد الإسلامي خلال هذا الحوار، بالطيبة، موضحا بان قيادات الحركة «أصدقاء مقربون» لإيران، وأنه شخصيا يحرص على لقائهم والتشاور معهم كلما حانت الفرصة.
وبعد أحداث سوريا التي حاول البعض الإستفادة منها لتعكير صفو علاقات إيران مع فصائل المقاومة الفلسطينية، جاء الاعتداء السعودي علی الیمن، حيث توفرت ظروف مناسبة جديدة للعمل علی تضعيف علاقات طهران وفصائل المقاومة، حيث حاولت الفصائل الفلسطينية "النأي بالنفس" عن أحداث الیمن، بينما وقفت إيران الی جانب الشعب الیمني ضد العدوان السعودي. وحتی في حال ان كان لطهران عتب علی حماس والجهاد الإسلامي إزاء تصرفاتهم تجاه سوريا، بعد تعرضها لهجمة إرهابية شرسة، فان هذا لم يؤد الی أن تترك طهران هذين الفصيلين الفلسطينيين لوحدهما في مواجهة الكيان الإسرائيلي، بل أبقت علی دعمها للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لانه دعم عقائدي وليس سياسيا.
إذن من يدرس مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال عمرها الذي مضی علیه 36 عاما بعد انتصارها عام 1979، يعرف جيدا أن دعم إيران للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير بمواقف القيادات الفلسطينية تجاه إيران، سواء كانت هذه القيادات تنتمي للسلطة الفلسطينية أم فصائل المقاومة، وأن هذا الدعم ياتي من منطلق العقيدة الإيرانية التي تاتي بناء علی نصرة المظلوم ضد الظالم، وها هي إيران مستمرة بدعمها للشعب الفلسطيني منذ أن منحت سفارة الكيان الإسرائيلي في طهران، للشعب الفلسطيني، وصولا الی یومنا هذا من خلال تزويد الفصائل الفلسطينية بما تحتاجه من سلاح للدفاع عن الشعب الفلسطيني.