الوقت- للمقاومة أشكال مختلفة، في السياسة والإعلام والعسكر والاقتصاد، ويبقى الشعب عماد كل هذه الكلمات التي تحمل في طياتها أبعاداً كثيرة جسّدها أبناء فلسطين بأسمى حللها في العام 2005 عندما أصدر الأغلبية الساحقة في المجتمع الفلسطيني، من أحزاب ونقابات وهيئات واتحادات وحملات شعبية، نداءً تاريخياً موجّهاً لأحرار وشعوب العالم، يدعوهم لمقاطعة "إسرائيل"، وسحب الاستثمارات منها كشكل رئيس من أشكال المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، وكأهم شكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني، حتى تنصاع دولة الاحتلال للقانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
إيطاليا تنتفض في وجه "إسرائيل"
حركة المقاطعة هذه سميت اختصاراً " BDS" وتحوّلت منذ تلك اللحظة وحتى الآن إلى ما يشبه الكابوس الذي يقوّض أحلام الصهاينة، ليتلقى هؤلاء الغزاة القتلة صفعة جديدة من "إيطاليا" من 100 مؤسسة مجتمعية أعلنت المقاطعة الكامِلة لـ "إسرائيل" في إيطاليا بسبب عنصرية الصهاينة.
وقالت حركة مقاطعة "إسرائيل" وفرض العقوبات عليها، وسحب الاستثمارات منها BDS، يوم السبت الماضي، إن أكثر من 100 مؤسسة ومركز ثقافي ورياضي وتجاري وعمّالي في أنحاء إيطاليا أعلنوا مقاطعتهم الكاملة لـ"إسرائيل"، ضمن حملات مناطق "حرّة من الأبارتهيد الإسرائيلي".
إيطاليا لم تتوقف هنا في مواجهة جرائم الاحتلال بل تحرّكت في صيف العام الماضي أيضاً عبر بلديات إيطالية كبرى (نابولي وتورينو وبولونيا وفلورنسا وبيزا) وأصدرت قرارات تطالب الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي، بوقف أو تعليق التجارة العسكرية مع "إسرائيل"، وتطالب المجتمع الدولي بمحاسبتها، ردّاً على المجازر الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، ودعماً للحقوق الفلسطينية واستجابة لنداء "حركة المقاطعة".
ودعت حينها مجموعة "بي دي أس إيطاليا" جميع الإدارات المحلية الإيطالية، إلى "أن تحذو حذو مجالس مدن بولونيا وفلورينسا وسان جوليانو، وأن تدعم اقتراحات مماثلة تدعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والإيطالي"، مؤكدة أنها "ليست قضية تضامن، فحسب، بل يتعلّق الأمر بالتزامات إيطاليا القانونية ووقف المساعدة في ارتكاب الجرائم الإسرائيلية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
وتأتي أهمية هذه المقاطعة الإيطالية من كون إيطاليا تُعَدّ مورداً رئيساً للأسلحة الإسرائيلية، وتحافظ على أنشطة عسكرية وأبحاث استخباراتية قوية معها، كما أنّها كانت في العام 2014 أكبر مُصدّر للأسلحة في الاتحاد الأوروبي إلى "إسرائيل"، وفقاً لـ "شبكة نزع السلاح" الإيطالية، لذلك تعدّ هذه التحركات من قلب إيطاليا صفعة قوية في وجه كيان الاحتلال.
في الحقيقة نجحت حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) في تحقيق بصمات واضحة في عزل دولة الاحتلال الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى حدّ ما اقتصادياً، حتى باتت إسرائيل تعتبر الحركة من أكبر "الأخطار الاستراتيجية" المحدقة بها.
وبسبب حركة المقاطعة هذه تعيش "إسرائيل" منذ عدة سنوات حالة من التخبّط في مواجهة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بعد أن تلقّت عدة ضربات خلال السنوات الماضية على الساحة الدولية، أحرجتها على صعيد السياسي والدبلوماسي، وتسبّبت لها بخسائر مادية كبيرة، على الرغم من تجنيد دولة الاحتلال كال إمكانياتها لوقف حملات المقاطعة التي تستهدفها.
ونظراً للتأثير البالغ لحركة المقاطعة فقد طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من "يهود العالم" المساهمة في محاربة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل "المعروفة اختصاراً باسم (BDS)، قال نتنياهو في احتفال تكريم ما يسمى مجلس محافظي الوكالة اليهودية في 1 تشرين الثاني 2016: "ساعدونا ضد حركة المقاطعة، وانزعوا الشرعية عمّن يحاولون نزع الشرعية عنّا".
حركة المقاطعة في إيطاليا تنجح في تلقين الاحتلال الإسرائيلي درساً قاسياً
على الرغم من جهوده الحثيثة لقطع الطريق على حركة المُقاطعة، تلقّى كيان الاحتلال الإسرائيليّ صفعةً مُجلجلةً بعد أنْ أعلنت أكثر من مئة جمعية ونقابة وحركة وفنانين ومؤسسات ومراكز ثقافيّة وترفيهيّة ورياضيّة في إيطاليا أنّها خالية من الفصل العنصريّ الإسرائيليّ، أيْ مناطق حرّة من الأبارتهيد الإسرائيليّ، ومع ضمان دمج الأخلاقيات في أنشطتهم، فإنّهم يتخذون موقفاً مُدافِعاً عن حقوق الإنسان وضدّ جميع أشكال التمييز، تضامناً مع مطالبة الشعب الفلسطينيّ بالحريّة والعدالة والمساواة، كما ذكرت حركة المقاطعة - فرع إيطاليا في بيانٍ رسميٍّ على صفحتها في موقع "تويتر".
وجاء في البيان: يصادف الخامس من حزيران (يونيو) الذكرى الـ 52 للنكسة، عندما احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقيّة، وقطاع غزة خلال ما يسمى حرب الأيام الستة، ما جعل فلسطين التاريخيّة كلّها تحت السيطرة الإسرائيليّة مع تكثيف سياساتها الخاصّة مثل التطهير العرقيّ ونزع الملكية والاستعمار الذي بدأ في فلسطين قبل عام 1948، كما قالت حركة المقاطعة.
ولفت البيان أيضاً إلى أنّه توجد حملات مماثلة في المنطقة الحرّة للفصل العنصريّ في العديد من البلدان، بما في ذلك بلجيكا والنرويج وإسبانيا، مع أكثر من 300 مؤيد، بما في ذلك عشرات الإدارات المحلية، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ حملة المنطقة الحرّة للفصل العنصري تعمل على تعزيز التضامن الفعّال مع الشعب الفلسطينيّ من خلال إنشاء شبكةٍ من المساحات التي تُعلن عن نفسها خاليةً من جميع أشكال التمييز وتلتزم بعدم وجود علاقات مع المؤسسات والشركات المتواطئة في انتهاكات "إسرائيل" المنهجية للقانون الدوليّ، كما أكّد البيان.
وتابع البيان قائلاً إنّ إطلاق الحملة في إيطاليا هو أيضاً موقف واضح ضدّ الموجة المتصاعدة من العنصرية والإغلاق الوطنيّ الذي يثير الكراهية والتعصب (بما في ذلك الأشكال الحقيقية لمعاداة السامية) ليس في إيطاليا فقط، ولكن في جميع أنحاء أوروبا وحول العالم، على حدّ تعبيره.
وقال رئيس شركة البيرة الحرفية Birstrò في روما تعقيباً على ذلك: البيرة هي 90 بالمئة من المياه، ونحن نعرف المشكلات التي تواجهها مصانع الجعّة الفلسطينية بسبب سرقة "إسرائيل" والقيود المفروضة على المياه، كوننا جزء من شبكة SPLAI فقد كان خيار طبيعي بالنسبة لنا، ولدينا مصنع الجعة الحرفيّة الذي ينشر ثقافة تحترم الأرض والناس، والبيرة لا تسير على ما يرام مع الفصل العنصريّ، وفقاً لأقواله.
وقال متجر التجارة العادلة ExAequo في مدينة بولونيا، شمال إيطاليا: تماماً كما نقف إلى جانب حقوق صغار المنتجين في الجنوب العالمي وما وراءه، نؤيّد حملة مناطق حرّة من الأبارتهيد الإسرائيليّ عن طيب خاطرٍ، لأنناّ دعمنا دائماً حقوق الشعب الفلسطيني الذي يُحرم منها بسبب سياسات "إسرائيل" الفاسدة والقمعية، على حدّ تعبيره.
من ناحيته أوضح B&B دومو لونا في جزيرة سردينيا، الواقعة في جنوب إيطاليا: تُركّز فلسفة B & B لدينا على الضيافة والانفتاح وضدّ جميع أشكال التمييز، بالنسبة لنا، يعني الانضمام إلى الجيش الشعبيّ لتحرير السودان المساهمة في نشر ثقافة مناهضة للعنصرية والوقوف مع المضطهدين، على حدّ قوله.
وقال Caffè Basaglia، وهو نادٍ ثقافيّ في مدينة تورينو، شمال إيطاليا، والتي أنشئت من أجل التكامل الاجتماعيّ والعمالي لمرضى الطب النفسيّ وملتزمة بالاندماج والتبادل والتضامن: نحن نؤيد الحملة لأنّ المصالح السياسيّة والاقتصاديّة يجب ألّا تكون أبداً وسيلة لسحق تطلعات الشعب إلى الحرية، أيّ شعبٍ، وفقاً لتصريحاته.
عُلاوةً على ذلك، لفت البيان إلى أنّ حملة الفصل العنصريّ في المنطقة الحرّة تُعتبَر جزءاً من الحركة الدوليّة للمقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد الفصل العنصريّ الإسرائيليّ، وتأسست حركة المقاطعة في عام 2005 من قبل أكثر من 170 منظمة مجتمع مدنيّ فلسطينيّة، وهي تُمارِس مقاومةً عنيفةً لإنهاء سياسات الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري في "إسرائيل".
وتابع البيان: تحظى حركة BDS بدعم من النقابات والحركات والكنائس والمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى الفنانين والمثقفين، بما في ذلك كين لوش وروجر ووترز ورئيس أساقفة جنوب إفريقيا والحائز على جائزة نوبل، القس ديزموند توتو.
مُشدّدّة في الوقت عينه على أنّ حركة المقاطعة الفلسطينيّة مُستوحاة من النضال التاريخيّ من أجل إلغاء الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا، وتستند الحركة على احترام القانون الدوليّ وحماية حقوق الإنسان العالميّة، وتؤيّد المساواة في الحقوق للجميع.
واختتمت حركة المقاطعة بيانها بالقول: تُعارِض حركات المقاطعة بشدّةٍ جميع أشكال العنصرية والفاشية والتمييز الجنسيّ ومعاداة السامية وكراهية الإسلام والاثنية والعرقيّة والتمييز الدينيّ، كما أكّد البيان.