الوقت- غيّر "أنصار الله" معادلة الحرب مع السعودية، وبعد أن كانت جماعة "أنصار الله" تدافع فقط وتصدّ غارات التحالف السعودي أصبحت اليوم تصول وتجول داخل حدود السعودية، هنا لا نتكلم عن عناصر من "أنصار الله" بل عن وزير الدفاع محمد ناصر العاطفي الذي ظهر بمقطع فيديو، وهو يتجوّل على الحدود مع السعودية، ويشير بيده إلى "مطار نجران، ومبان بأطراف المدينة".
الوزير العاطفي أوصل رسالته إلى الجانب السعودي وأخبرهم دون أن ينطق بكلمة واحدة بأن مدينة نجران اصبحت تحت مرمى نيران "أنصار الله"، وبهذا يكون أنصار الله فرضوا كلمتهم على التحالف وغيّروا قواعد اللعبة لمصلحتهم، ووضعوا الكرة في ملعب السعودية لتختار استمرار الحرب غير المجدية على اليمن أو الانسحاب والتوقف عن قصف المدنيين.
لا شكّ بأن السعودية اليوم تمرّ بورطة كبيرة بسبب "حرب اليمن" للأسباب التالية:
أولاً: يطوّر أنصار الله قدراتهم الدفاعية بشكل مستمر، وهذا ليس ادّعاءً وإنما حقيقة واقعة امتحنها السعوديون طوال فترة الحرب، لدرجة أنهم وصلوا إلى العمق السعودي، واستهدفوا خطوط لأنابيب النفط، وأركبوا اقتصاد السعودية واقتصاد العالم خلال 3 ساعات فكيف لو أرادوا استمرار استخدام نفس الأساليب القتالية، ماذا سيحلّ باقتصاد السعودية؟.
قبل أيام سيطر مقاتلو أنصار الله على أكثر من 20 موقعاً عسكرياً في منطقة نجران جنوبي السعودية، وأرفقت خبرها بفيديو قالت إنه لقواتها في مدينة الخوبة السعودية، ويوم أمس الأحد وزّع الإعلام الحربي للجيش واللجان الشعبية اليوم مشاهد نوعية لعمليات هجومية على مواقع الجيش السعودي في جيزان وكسر زحف لمرتزقته وتكبيدهم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد بنجران.
إذن أصبحت الكلمة الأقوى في الميدان لأنصار الله واستمرار السعودية في حربها هذه ضد اليمن لن يكون في مصلحتها على جميع المستويات، خاصة وأن ولي العهد السعودي يعمل على وضع السعودية على سكة التطوّر والحداثة والانفتاح وتطوير الاقتصاد والبنية التحتية.
ثانياً: التحالف الذي كانت تقوده السعودية لم يعد فعّالاً كما كان في السابق وتحوّل الانتماء إليه إلى "تهمة" بعد أن كانت بعض الدول تفاخر بالانتماء إليه، إلا أنّ دولاً مثل المغرب وقطر وغيرها انسحبت منه، حتى إن إعلام قطر أصبح يهاجم ممارسات السعودية في اليمن وينقل تقارير ميدانية برفقة "أنصار الله" كما فعل مؤخراً.
وبثّت "الجزيرة" تقريراً وصفت فيه قوات صنعاء بأنهم يحققون إنجازاً عسكرياً عجز ابن سلمان عن تحقيق مثله، حيث ورد في التقرير "في الوقت الذي يوصفون فيه بأنهم ذراع إيران في اليمن فإنهم إذ يكرّون ويفروّن منذ سنين عبر الحدود اليمنية مع السعودية ردّاً على عاصفة الحزم وويلاتها فإنهم يحققون بذلك إنجازاً عسكرياً عجز ابن سلمان بكل ما يملك من أسلحة حديثة عن تحقيق ما يشبهه".
واعتبرت الجزيرة في تقريرها إن بثّ الإعلام الحربي اليمني لمشاهد مصوّرة لجنود يمنيين داخل الأراضي السعودية وعلى مشارف المدن الرئيسة كما نجران التي أجرت القناة مقابلة تلفزيونية مع وزير الدفاع بحكومة صنعاء اللواء محمد ناصر العاطفي، وهو يقف في موقع عسكري مشرف على مدينة نجران التي ترى أعمدة إنارتها بشكل واضح وباتت قريبة جداً، اعتبرت الجزيرة هذه المشاهد المصوّرة بأنها رسالة للسعودية ومحمد بن سلمان الذي يهدد باستمرار بأنه سينقل المعركة إلى طهران.
وقال التقرير التلفزيوني واصفاً القوات اليمنية داخل الأراضي السعودية "كأنهم يقولون له ها نحن نصول ونجول فعلاً في نجران وجيزان وعسير أما أنت فليس لك سوى أن تنتظر قرار الرئيس الأمريكي لشنّ الحرب بالنيابة عن بلادك بعدما دفعت له مئات المليارات من الدولارات، وإلا – والكلام تنطق به رسائل الحوثيين المصوّرة إلى ولي العهد السعودي – فإن في وسعك مواصلة التمتع بما تنتجه مؤسساتك الإعلامية من ألعاب فيديو يدغدغ صانعوها أحلامك بغزو إيران ويرسمونك افتراضاً تدخل عاصمتها طهران دخول الفاتحين وشعبها يرفع صورك ويهتف باسمك".
ثالثاً: الغرب لم يعد راضياً عن الهجوم العسكري على اليمن وطالب مؤخراً مراراً وتكراراً بإيقاف هذه الحرب، لأن الغرب أدرك أن استمرارها لن يجدي نفعاً، وسيورّطهم ويورّط السعودية في المحاكم الدولية، كما عرف الغرب أن الحرب على اليمن عديمة الجدوى، وما كان يبحث عنه الغرب وصل إليه، نتحدث هنا عن صفقات الأسلحة التي صدّرها الغرب بمليارات الدولارات إلى السعودية وأطال عمر الحرب في فترات معينة حتى إكمال الصفقات.
لكن مؤخراً انتفضت المنظمات الدولية والمحلية الغربية في وجه الدول التي تصدّر الأسلحة إلى السعودية، ولاسيما فرنسا وبريطانيا وأمريكا، حتى إن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اضطر تحت هذه الضغوط من الهيئات الإنسانية والحقوقية إلى الدعوة لوقف الحرب على اليمن التي وصفها بأنها "حرب قذرة"ً مطالباً السعودية والإمارات بالعمل على وضع حدّ لهذه الحرب الدائرة منذ سنوات في اليمن.
تصريحات لودريان أتت بعد أيام فقط من إعلان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي بأن "كل الجهود الفرنسية وجهود المجتمع الدولي تسعى لإيقاف الحرب في اليمن وإيجاد حل سياسي".
بدورها، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين- أن الخارجية الأمريكية أجبرت مسؤولاً بارزاً لديها على الاستقالة من منصبه على خلفية دوره لصياغة قرار طوارئ يسمح لإدارة دونالد ترامب ببيع السعودية والإمارات أسلحة بقيمة ثمانية مليارات دولار، دون العودة إلى الكونغرس وفقاً للإجراء المعتاد.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن هؤلاء المسؤولين قولهم إن تشارلز فولكنر -الذي مثل سابقاً شركة ريثيون- كان ضمن الفريق الذي أقنع وزير الخارجية مايك بومبيو بأن الرياض وأبو ظبي تلبيّان الشروط الأمريكية فيما يخصّ استخدام الأسلحة الأمريكية في حرب اليمن.
لكن ما أثار الجدل الحاد بين الحلفاء هو الأداء السياسي البريطاني، مُمثّلاً بالسفير لدى اليمن مايكل آرون، والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ليبلغ الخلاف ذروته مع توجيه حكومة الرئيس عبد ربه هادي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة شكت فيها ما سمّتها تجاوزات غريفيث.