الوقت- مرّة جديدة يحطّ مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد في بيروت، يعود المبعوث الأمريكي آتياً من تل أبيب حيث أبلغ المسؤولين اللبنانيين الرد الإسرائيلي على موضوع التفاوض غير المباشر على ترسيم الحدود البرية والبحرية برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكا.
ما يسعى إليه الدبلوماسي الأمريكي المتمرّس هو ما فشل فيه أسلافه حيث يعمل على تحقيق اختراق في جبهة التفاوض وآلياته وإطاره التنفيذي وسط إشاعة بوادر إيجابيات ممكنة تؤسس لمضيّه في مسعاه المكوكي.
مع وصول ساترفيلد ولقائه رئيسي الحكومة، تحدثت العديد من وسائل الإعلام عن الزخم الجديد لتسوية الخلاف البحري بين لبنان والكيان الإسرائيلي، ففي حين تحدثت بعض الصحف عن مكاسب لبنانية من ضمنها "تخلي واشنطن عن خط هوف، وصرف النظر عن المطلب الإسرائيلي لتقاسم المنطقة المتنازع عليها، والتي تصل مساحتها إلى 860 كيلومتراً مربعاً"، أشارت التقارير الإعلاميّة إلى أن لقاءات ساترفيلد قد تناولت مقترحات لبنانية بشأن المسألة، بما في ذلك اعتماد آلية عمل خاصة بترسيم الحدود، وذلك بعد أن دعا رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، أمريكا إلى المساهمة في تحقيق هذا الهدف، "لا سيما لجهة احترام حدود لبنان البرية والبحرية، وحقّه في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة".
بصرف النظر عن معادلات ساترفيلد، وهل ستكون أمريكا في قضية النفط، قاضياً، أم شاهد زور أو حتى جلّاداً؟، ولعلّ التجربة الفلسطينية خير دليل على ذلك، فضلاً عن قرار الجولان.
لبنان السياسي يدير هذا الملف مع الأمريكي من موقع القوّة لا الضعف، ولا يفرّط بشبر واحد من حقوقه البحرية أو البريّة، ولكن هذا ما لا تريده واشنطن والكيان الإسرائيلي، كِلا الطرفان يريدان المساومة، والإجماع اللبناني يؤكد على استعادة الحقوق كافّة، فقد فرض الموقف اللبناني الموحّد إدخال تغييرات ظاهرية على التعاطي الأمريكي مع هذا الملف، ولاسيّما أن واشنطن تسعى لحلحلة هذا الأمر بشكل متزامن مع صفقة القرن بما يؤسس في اعتقاد واشنطن إلى سلام عربي "إسرائيلي" تام.
لبنان الشعب والمقاومة يدعمون هذا الخيار السياسي، ويرفضون أي تنازل، ورغم محاولة ساترفيلد تفادي جعل الملف النفطي مدخلاً لدخول المقاومة في المواجهة، إلا أن الأخيرة لطالما أكّدت أنها ستدافع عن أي شبر لبناني في الأرض والبحر وفي السماء، وهذا ما قد يدفع بالطرف الأمريكي لاستخدام أوراق الضغط ضد لبنان.
عوداً إلى زيارة ساترفيلد الذي كان متحمّساً قبل شهر في فرض الشروط الإسرائيلية على لبنان فيما يخصّ ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة، لمس اللبنانيون بركات موقفهم الموحّد في لهجة ساترفيلد الجديدة، لا لأنه أراد أن يلعب دور الوسيط النزيه أو القاضي العادل، إنما بسبب إدراكه فشله التام في هذا الملف منذ بدايته في حال قرّر المواجهة مبكراً، لذلك عمد المسؤول الأمريكي إلى الظهور بحلّة جديدة تخفي خلفها الموقف الأمريكي السابق.
تشير المعلومات إلى أن ساترفيلد أبلغ لبنان في زيارته الثانية إلى بيروت في أقل من أسبوع على موافقة الكيان الإسرائيلي على بدء التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين.
هذه الموافقة ستجري برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة وفدين لبناني وإسرائيلي ومتابعة أمريكية، على أن تعقد الجلسات في مقر قيادة اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان)، من دون أن يكون للأخيرة أي دور في عملية التفاوض.
عوداً على بدء، رغم الأجواء الإيجابية التي تخيّم على زيارات ساترفيلد، إلا أنها أوّل الغيث، والشيطان يكمن في التفاصيل. واشنطن ستحاول لاحقاً خلال المفاوضات قضم أراضٍ لبنانية لمصلحة الكيان الإسرائيلي، وبالتالي فإن الموقف اللبناني حينها سيحدد مسار المفاوضات غير المباشرة، وبالتالي نتيجة مهمّة ساترفيلد الشرق أوسطية.
في حال تمسّك لبنان بموقفه السياسي - المقاوم، نعتقد أن الأمور ستصل إلى طريق مسدود لا يمكن فتحه إلا من خلال تراجع واشنطن عن دعم الكيان الإسرائيلي في أطماعه بالنفط اللبناني، ولا نستبعد أن تعمد واشنطن إلى محاولة التلويح بخيار الحرب أو العقوبات الاقتصادية، في حال أفشل الموقف اللبناني الموحّد مهمّة ساترفيلد.
لا نعتقد أن النزاع الحدودي بين لبنان والكيان الإسرائيلي يوشك على الحل، والزيارات اللاحقة ومسار التفاوض هو الذي سيحسم النتيجة.
وبصرف النظر عن فشل أو نجاح المفاوضات، هناك الكثير من الإشارات المطمئنة لقضية النفط والحدود، فكما كان الرئيس اللبناني الأسبق إيميل لحود، سدّاً منيعاً أمام محاولات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت في محاولتها قضم أراضٍ لبنانية عند الخطّ الأزرق عام 2000، فإن الرئيس عون أيضاً سيكون سدّاً منيعاً أمام أي محاولة أمريكية لقضم تراب أو مياه لبنان لمصلحة الكيان الإسرائيلي.