الوقت- إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي، تعدّ واشنطن المتضرّر الأكبر من الحضور الواسع للحشد الشعبي على الساحة العراقية، ولا شكّ أن استهداف واشنطن للحشد في العراق يتبربّع اليوم على رأس الأولويات الأمريكية في بلاد الرافدين.
وعند الحديث عن الدور الأمريكي في العراق، لا بدّ من إلقاء نظرة على رؤية ثعلب السياسية الأمريكية وزير الخارجية السابق هنري كسينجر الذي قال قبل فترة: "إن خلاصة سياستنا الحالية في العراق، أن يبقى لسنوات طويلة قادمة تحت سيطرتنا الكاملة (مباشرة وغير مباشرة) سياسياً وعسكرياً، العامل المهم الذي نجحنا بتأسيسه ونعمل على ابقائه، إننا جعلنا الدولة العراقية منقسمة طائفياً وقومياً، بحيث لا يمكنها أن تكون دولة مركزية قوية، وهي عرضة سهلة لتفجيرها والتحكم بها".
وتنطلق المعارضة الأمريكية لدور الحشد الشعبي من كونه أفشل المخططات التي سعت من خلالها واشنطن للعودة إلى المشهد العراقي بناءً على معادلة ما قبل العام 2011، أي الانسحاب الأمريكي.
آخر هذه المواجهات تمثّلت بإغلاق الحشد الشعبي مناطق على الحدود السورية العراقية بغية إفشال مخطّط أمريكي يسعى لنقل بعض مقاتلي التنظيم الإرهابي من سوريا إلى العراق.
قوات الحشد تتحدّث عن استفزازات أمريكية على الحدود السورية العراقيّة عبر نشر قوات قتالية استخباراتية بأجهزة رصد وتتبع على الحدود لمراقبة تحركات فصائل الحشد الشعبي وحرس الحدود.
الحشد الشعبي
تخشى واشنطن من تبعات الدور القتالي الذي لعبه الحشد الشعبي في قتال تنظيم "داعش" الإرهابي، لاسيّما أن أحد تجليّاته تتمثّل في منع العودة الأمريكية وتعزيز المسار السيادي والاستقلالي في العراق، لذلك تعمد اليوم إلى محاولات استخدام مسارات عدّة لاستهداف الحشد الشعبي والدور الذي يلعبه في العراق، أبرز هذه المسارات:
المسار العسكري: تسعى واشنطن منذ تأسيس الحشد الشعبي لاستهدافه عسكرياً، وقد تعرّضت قوات الحشد لضربات عسكرية أمريكية متعدّدة، على سبيل المثال، لا الحصر، أعلن الحشد الشعبي استشهاد 22 من عناصره بغارة جوية أمريكية استهدفت موقعاً عسكرياً في مدينة البوكمال السورية في صيف العام الماضي، لكن واشنطن تخشى المواجهة المباشرة مع الحشد نظراً للتبعات الكارثية، لذلك تعمد إلى استخدام قوات تنظيم داعش الإرهابي من جهة، وقوات سوريا الديموقراطية من جهة أخرى.
تتحدّث مصادر مقرّبة من قيادة الوحدات الكردية السورية YPG ، أن قوات سوريا الديمقراطية بدأت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى حقل العمر النفطي بريف دير الزور، استعداداً لشن عملية محتملة ضد الحشد الشعبي والجيش السوري على ضفاف نهر الفرات بالقرب من الحدود العراقية بدعم من قوات التحالف الدولي التي تقودها أمريكا.
المسار السياسي: لا تتوقّف الجهود الأمريكية عند المسار العسكري، بل تسعى سياسياً لاستهداف الدور الذي يلعبه الحشد الشعبي، ليس آخره ما ظهر على لسان رئيس الوزراء العراقي الأسبق "إياد علاوي" الذي دعا لحلّ الحشد الشعبي تحت ذريعة الوصول إلى دولة مدنيّة، وهنا نسأل السيد علاوي: أين الدولة المدنية التي حمت العراق عندما هاجمها تنظيم داعش الإرهابي؟ ألا يعدّ حضور الحشد الشعبي اليوم هو الضمانة الأكبر للدولة المدنيّة؟ في السياق ذاته، نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مقالاً تحت شعار "تعزيز قوات الأمن العراقية" وهو مقال مشترك للكاتبين الأمريكي مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران والدول الخليجية، والعراقي إسماعيل السوداني العميد الركن الذي شغل منصب الملحق العسكري في أمريكا في الفترة بين 2007 و 2009 حيث طالب المقال حينها بصهر قوات الحشد الشعبي في وحدات الجيش العراقي بعد الفشل في استصدار قرار لحلّه سياسياً.
اليوم، بات المسار السياسي صعب جداً بعد النتائج الانتخابيّة المخيّبة بالنسبة لواشنطن، وتشكيل تحالفات نيابية تسعى لترسيخ دور الحشد الشعبي كضمانة لاستقلال البلاد، بل على العكس تماماً تعمل هذه القوى السياسية على تقديم مشاريع لطرد القوات الأمريكية من العراق.
وأما على الصعيد العسكري تدرك واشنطن تكلفة المواجهة مع هذه القوات، المسألة لن تكون كتلك المقاومة المحدود التي كانت قائمة بعد العام 2003، بل ستكون هناك مواجهة شاملة تكلّف الأمريكي كثيراً على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وبالتالي فإن خيار المواجهة المباشر لم يعد مطروحاً على الطاولة، فما هو البديل؟
البديل الأمريكي هو ما عاشته المنطقة منذ العام 2012، أي حرب الوكالة تارةً عبر الدواعش وأخرى عبر القوات الكرديّة.
اليوم، لم يعد بإمكان تنظيم داعش الإرهابي الدخول في مواجهة واسعة مع الحشد، لذلك لا نستبعد إقحام الأكراد في مواجهة مع قوات الحشد، ربّما يسعى الأمريكي إلى نقلها للداخل العراقي، فهل سيدفع الأكراد ثمن الوعود الأمريكية بدعم الانفصال سلفاً؟ وهل تكتفي واشنطن بالمشاهدة أم إنها ستتدخّل على الأرض؟ ماذا عن ردّ الحشد الشعبي سياسياً وعسكريّاً؟
قد تبدو الإجابة معقّدة على هذه الاسئلة، لكن المؤكد أنّ أي مواجهة مع الحشد، ستجعل جميع المواقع العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق عرضة لضربات الحشد الشعبي، لذلك يعمد الأخير إلى الاستعداد على الحدود، فهل ستنتهي فترة "استراحة المحارب" قريباً؟ هذا ما نفهمه من البلاغ الرسمي الذي قدّمه الحشد لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي.