الوقت- ما عرضناه لكم حول ما عرف بتسريبات "ويكيليكس دولة البغدادي" في الأجزاء الثلاثة، كان موجزا صغيرا جدا من المعلومات التي أدلى بها المغرد انذاك، فما تضمنته التغريدات من معلومات كثيرة جدا واسماء عديدة من امراء التنظيم الناشطين، واسرار خطيرة تعبر عن الهوية الاجرامية للتنظيم الذي يتاجر باسم الدين.
وقد بدا واضحا من خلال سياق السرد للاحداث، ان التسريبات كتبت بيد شخص كان يمت الى داعش بصلة قوية ولكنه في سياق حديثه يدافع عن النصرة وينحاز اليها وهذا ما يعني أنه الآن منقلب على تنظيم داعش وبات يميل لصالح جبهة النصرة .
وسط هذا تبقى فرضية أخرى قائمة، وهي ان يكون التسريب عبارة عن نشاط استخباراتي من قبل اجهزة تريد الوصول الى اهداف معينة من خلال هذا الطرح، وقد استثمرت معلوماتها حول التنظيم لتقوم بهذه العملية المطولة من التسريب تحت ستار الاسم المزيف الذي قام بالنشر.
ولكن في جديد السجال المتزايد الذي يتخذ في سوريا شكلا دمويا اكثر من التصفية، حيث سجلت العديد من المعارك الدامية بين النصرة وداعش في الميدان السوري عبر اشتباكات متكررة ادت الى وقوع اصابات كبيرة في صفوف التنظيمين الارهابيين.
مسلسل التسريبات يعود مجددا:
وفي جديد التسريبات الفاعلة بين النصرة وداعش، وعلى شاكلة تسريبات "ويكيليكس البغدادي" انتشرت مؤخرا تسريبات جديدة حملت اسم "النصرة ليكس" ولكنها هذه المرة طالت جبهة النصرة.
فقد انشغلت الحسابات التي تعود لعناصر من التنظيمين على تويتر خلال الأيام الأخيرة، بسلسلة من التسريبات، قام بها القيادي المفصول من جبهة النصرة الذي يدعى أبو محمد صالح الحموي الملقب بـ "أس الصراع في بلاد الشام".
تسريبات "أس الصراع" حملت انتقادات للنصرة وتعرضت لما سمته "هيكليّة النصرة ومنهجيّتها".
تغريدات متتالية تدحرجت بعد البداية التي أطلقها "أس الصراع"، جاء اشهرها من قياديين مواليين للنصرة، على سبيل المثال أبو ماريّا القحطاني رجل النصرة البارز، الذي سرت مجدداً أنباء عن عزله من منصبه، وحذيفة عبد الله عزّام نجل ما يدعى بالقائد الجهادي الكبير .
تعرضت التغريدات لتفاصيل العلاقة بين قياديي تنظيمي داعش والنصرة، حيث قال المغرد أن الجولاني رفض تنفيذ أمرين للبغدادي إبان إرساله إلى سوريا من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق انذاك الذي عرف لاحقا بتنظيم داعش.
فالأمر الأول هو " قتل الشيخ محمد حردان الملقب "أبو السعيد العراقي"، أمير ما يسمى "جيش المجاهدين" في العراق. أما الثاني، فهو "إرسال السيارات والانتحاريين بسياراتهم وأحزمتهم الناسفة للتفجير في تركيا". وهذا ما رفض الجولاني تنفيذه.
كلام عزام لاقى تأكيدا من قبل صالح الحموي، الذي قال إنه كان "شاهداً على تلك المرحلة بكل أسرارها". وأضاف أن مهمة اغتيال أبو السعيد العراقي منذ عام 2010 أوكلت من قبل البغدادي إلى أبو ماريا القحطاني الذي رفض رفضا قاطعا.
كاشفا عن أن البغدادي أرسل من قبله أبو محمّد العدناني إلى سوريا أواخر عام 2012، لترتيب تفجير قاعة الائتلاف السوري المعارض في أحد فنادق تركيا عبر طلب قام به العدناني من قائد لإحدى الفصائل في الشرقية يدخل تركيا على علاقة جيدة بالعدناني، ولكن تم رفض الطلب أيضا الا اذاما تم تحصيل فتوى من أبي ماريا القحطاني، الأخير الذي وصله الخبر وعارض العمل وشدد على حرمته وفق التغريدات.
وفي تفاصيل السرد، تغريدات تدعي تكرار طلب البغدادي لمهاجمة الائتلاف السوري على الاراضي التركية، وما قوبل بالرفض مرارا، حينها اتخذ البغدادي قرارا بالعمل الاحادي لتأدية هذه المهمة، وقد أدى هذا الى مواجهة بين العدناني التابع للبغدادي والقحطاني التابع للنصرة، حيث وقف القحطاني موقفا صارما ضد هذا العمل، كل هذا وفقا للتغريدات.
ما وراء الظاهرة ؟؟
ان انتشار ظاهرة التسريبات التي يطلقها قياديون من التنظيمات التكفيرية وسط عدم صدور اي نفي أو تكذيب من قبل داعش والنصرة، بدأت تتسع وتتمدد بشكل واسع مع ظهور عدة قياديين يقومون بالتغريدات بشكل علني عبر الحساب المشهور التابع لهم، الا ان الاعتماد على المعطيات الواردة ليست حتمية الدقة والصحة.
لكن نقاطا كثيرة تشكل على المتابع لفهم الخلفيات التي تقف وراء هذه الموجات من التسريب، كما ان ربطها بالزمان وما يدور من أحداث له تأثيرات كبيرة على ظهور هذه التسريبات المتقطعة بين الفينة والاخرى.
فمن الدلالات المشتركة للتسريبات التي تعرضنا لها في الاجزاء الاربعة من تحقيقنا، مواضيع مشتركة مهمة جدا لها ابعاد كبيرة تم تداولها من قبل "ويكيليكس البغدادي" كما من قبل "النصرة ليكس".
حيث تعرضت التسريبات لمواضيع مشتركة تكررت فيها الافادات حول موضوعات واحدة. فقد تم تكرار موضوع طلب البغدادي بالضرب داخل تركيا واستهداف الائتلاف السوري المعارض واغتيال قائد تنظيم "جيش المجاهدين"، واظهار معارضة النصرة لهذا الامر مع اضافة اسم الشخص الذي رفض هذه المرة بعد ان كانت التسريبات السابقة تناولت الرفض من قبل الجولاني، لكن التسريبات الجديدة أظهرت ان الرفض القطعي قد تم من قبل ابو ماريا القحطاني.
كما تم التركيز من خلال تفاصيل التسريبات على مقطع قاله ابو ماريا ردا على طلب التفجير: "حتى لو طلبت القاعدة منا ذلك لرفضنا، لأن ذلك حرام شرعا" !!!
ومن ثم التركيز من قبل المغردين على اظهار صدقية ابو ماريا القحطاني واعطائه نوعا من الاهمية لتوجيه الانظار اليه.
وراء هذا كله، يظهر ان جهتي التسريب من قبل النصرة وداعش هي واحدة. وهي جهة لا تريد تصفية الخلافات بين داعش والنصرة وتريد اذكاء الخلافات المستعرة بين الطرفين، كما انها تريد ان تخرج بمظهر المعتدل وسط اظهار داعش بأنه تنظيم همجي دموي متشدد.
وفي طي التسريب مغازلات لتركيا وصلت الى حدود ابداء الاستعداد برفض امر القاعدة في حال ارادت استهداف تركيا، وهذا له حسابات تأتي بموازاة احداث تفجيرات جرت داخل الاراضي التركية وتأزم حاصل في العلاقات بين الاتراك وداعش وسط تلويح تركي بدخول الاراضي السورية لقتال داعش وبغض النظر عن خلفيات هذا التلويح وحقيقة المستهدف من الدخول التركي فيما لو تم ذلك، فلا ننسى أن تقدم داعش في دير الزور على حساب النصرة تم بدعم تركي واضح، الامر الذي يبدو أنه دفع النصرة لمغازلة تركيا في فترة تفجيرات داخل تركيا، للايحاء بأن داعش هو الذي حرض او قام بهذه التفجيرات وبالتالي دفع الاتراك لدعم المعتدلين والمنضبطين على شاكلة النصرة التي تسوق لنفسها على انها كذلك، وبالتالي اعادة النظر التركي لدعمه داعش في الآونة الأخيرة.
وفي ظل هذا يبدو أن الخلافات والانقسامات الكثيرة داخل النصرة، عقب نكسة دير الزور، اشتعلت واحتدمت بين تيارين تتشكل منهما النصرة "الخراسانيون" و"القطريون". وتطلق التسمية الأولى على مؤيدي الارتباط بـتنظيم القاعدة والمطالبين بطغيان دور المهاجرين الأجانب المنضوين تحت لواء النصرة، بينما تطلق الثانية على مؤيدي فك الارتباط مع القاعدة والاعتماد على الدعم القطري والتركي، وإعطاء الدور للأنصار الذين يتشكلون من افراد سوريي الهوية.
فهل تصدق المعلومات حول الإعداد لإبراز شخصيّة أبو ماريّا القحطاني، الذي كان يعد من أبرز وجوه النصرة والذي بلغ تأثيره في مرحلة ما قبل الإبعاد تأثير الجولاني نفسه؟ فهل هذا فصل جديد علني لتصدع النصرة والرهان على الاتراك لاستنقاذهم عبر الغزل المتكرر للدولة التركية ؟؟!!