الوقت- لم تعد الحرب باردةً بين الدول الأوروبية وروسيا، لكنها حتى الآن لم تنفجر. ويمكن القول إن ضعف الطرف الأوروبي عسكرياً، عاملٌ مساعدٌ في إرساء واقعٍ من الحرب الحاصلة، وعدم وصولها للتصعيد العسكري. لكن التجربة تقول إن الطرف الروسي لا يتعاطى مع الحاضر بقدر تعاطيه مع المستقبل. وهنا يأتي الحديث عما آلت اليه الأمور اليوم بين الناتو وروسيا. فكيف يمكن وصف ذلك؟ وما هي القراءة التحليلية له؟
تقرير حول آخر ما آلت إليه الأمور بين الناتو وروسيا:
كشف السفير الألماني السابق لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو" مارتن إردمان أن البعض من الدول التي تشكل هذا الحلف العسكري ترفض إعادة إحياء مجلس حلف الناتو - روسيا، الذي كان منتدى للنقاش والتعاون على المستوى السياسي. ويقول إردمان حول موقف الحكومة الألمانية بشأن ذلك إن بلاده توافق بلا شك على عودة العلاقات مع موسكو، لكن ليس هناك أي إجماع في الحلف في الوقت الحالي. يأتي ذلك في وقت تمر فيه العلاقات الروسية الأوروبية بأسوأ حالاتها منذ سنوات طويلة بسبب الأزمة الأوكرانية التي تقترب من نهاية عامها الثاني.
وفي مقابلة أجراها إردمان مع وكالة الأنباء الألمانية أمس الجمعة بمناسبة تعيينه سفيرا جديدا لبلاده في أنقرة، قال إنه يتفهم سبب معارضة تلك الدول، والتي لم يسمها، لعودة العلاقات مع موسكو، كما أنه وصفها بالمهمة التي تشبه السير على الحبل. وأشار إلى أن إعلان قمة "الناتو" القادمة في ويلز يشير من جانب مهم إلى ضرورة التخطيط واتخاذ إجراءات طمأنة فيما يتعلق بالدفاع المشترك، لكن أيضاً من الجانب الآخر، يتعين استمرار الحوار مع روسيا. واعتبر المسؤول الألماني أن الإنتقادات التي يتعرض لها الناتو الآن بخصوص ما يراه البعض من أن هناك استعراضاً كبيراً للغاية للقوة العسكرية مبررة. فروسيا يتم استفزازها بشكل متعمد عبر القيام بمناورات عسكرية في الدول الأعضاء الشرقية في الحلف تحت غطاء الأزمة الأوكرانية.
وكان قد علق الناتو مطلع نيسان العام الماضي التعاون مع روسيا مدنياً وعسكرياً مع الإبقاء على الحوار السياسي، لكنه لم يفعّل بالشكل المطلوب منذ ذلك الوقت وبدأت حرب باردة تتشكل في كواليس العلاقات بين الجانبين.
قراءة في الحرب الجيوسياسية والعسكرية بين الطرفين:
سعت روسيا مؤخراً الى التوجه نحو أوروبا من خلال الإقتصاد. وقد ساعدها على ذلك فرصتها الكبيرة في قطاع النفط والغاز. وهو الأمر الذي أدى الى إيجاد تكاملٍ بين الإقتصادين الروسي والأوروبي. لكن مشكلة القرم كانت المنعطف الذي أدى لتوتر العلاقات الروسية الأوروبية، وصولاً للأزمة الأوكرانية. حينها حاولت أوروبا الضغط على روسيا من خلال سوقها الإقتصادية التصديرية، نتيجةً للضغط الأمريكي. فكانت ردة فعل بوتين على التحدي الأوروبي الأمريكي، برفعه وتيرة الصراع عبر زيادة الموازنة العسكرية والتلويح بالخيارات العسكرية من خلال زيادة النشاط العسكري في بحر البلطيق هادفاً لتوجيه رسائل شديدة اللهجة للدول الأوروبية لمنعها من التدخل في دائرة النفوذ الروسي.
وهنا يمكن القول وبموضوعية إن الطرفين الروسي والأوروبي يقومان بحربٍ تعتمد على أوراق قوة يمتلكها كل طرف. ونحن هنا نوصِّف الواقع بموضوعية ولا نُبدي رأياً. لذلك فإن حاجة الأوروبيين للطاقة الروسية كانت أمراً جعلهم يفكرون في العديد من الخيارات لكن غرقهم في السياسة الأمريكية جعلهم يرضخون لضغوط واشنطن لا سيما فيما يتعلق بالعقوبات الإقتصادية على روسيا كون أوروباً سوقاً لمنتجات موسكو. لكن وبحسب النتائج فإن هذا السلاح لم ينفع مع الدب الروسي. كما أن الواقع الجيوسياسي الأوروبي، يفرض على أوروبا التوحد معاً في حال أرادت الصراع مع موسكو. لكن الواضح أن الإختلافات بين الدول الأوروبية أكبر من الإتفاقات.
ويمكن القول إن هذه الدول لا يجمعها إلا عملة اليورو. فيما يبدو جلياً حجم التفاوت في قراءة السياسات الخارجية الى جانب المشاكل الداخلية التي تطال الإتحاد الأوروبي مجتمعاً لا سيما الأزمة المالية، كما أن الأزمات السياسية تطال الدول الأوروبية على الصعيد الداخلي. وهو الأمر الذي يجعل خيارات الدول الأوروبية قليلة وضعيفة، لا سيما على الصعيد العسكري. وهو ما يمكن قراءته من الموازنات العسكرية التي لم ترتفع بالنسبة المطلوبة.
فيما بالنسبة لروسيا فإنها أصبحت أقوى على الصعيدين السياسي والعسكري، كما أنها استغنت عن السوق الأوروبية بشكلٍ كبير بعد دخولها للسوق الأسيوية. ولا بد من الإشارة الى أنه وبعد الإتفاق النووي للغرب مع إيران، فإن الوضع الروسي أصبح أقوى، كون طهران وموسكو تعتبران حليفتين إستراتيجيتين.
إذن تختلف وجهات النظر في مقاربة المستقبل حول الحرب الجيوسياسية والعسكرية بين الطرفين. لكن الجميع يؤمن أن خيارات روسيا أكبر وتأثيراتها أخطر. فيما ينتظر العالم اليوم الدور الأمريكي المقبل المتعلق بهذا المجال. فالحسابات تغيرت وأوراق القوة اختلف حاملوها اليوم. فهل سيكون الغرب ضحية السياسة الأمريكية مثلما كانت الدول العربية؟ أم أن المستقبل سيحمل آمالاً مختلفة؟