الوقت- إن إعلان قوات سوريا الديموقراطية "القضاء التام على ما يسمى بالخلافة وخسارة تنظيم "داعش" الإرهابي لأراضي سيطرته بنسبة مئة في المئة" يوم 23 آذار 2019، فتح الباب أمام الأكراد على مرحلة جديدة لن تكون أقل صعوبة من المرحلة السابقة، وإن كانت المرحلة التي نتحدث عنها تعج بالمعارك العسكرية فإننا نرجح أن تكون المرحلة المقبلة مليئة بالأحداث السياسية المتشعبة والتي ستشهد كواليسها مفاوضات حازمة في تاريخ الأكراد والمستقبل الذي رسموه لأنفسهم وتعارض ذلك مع دول المنطقة.
العلاقة مع دمشق وتركيا وأمريكا
الحكومة السورية ومنذ بداية الأزمة في سوريا، لم تغلق على الإطلاق باب الحوار مع الأكراد وكانت دائماً تسعى لفتح حوار معهم لكونهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج السوري وبالتالي لا يمكن التعاطي معهم على أنهم مجموعات مسلحة يجب القضاء عليها من حيث المبدأ، إلا أن الأكراد لم يبادروا الحكومة السورية نفس النوايا، إذ كانت آراؤهم ومواقفهم متذبذبة منذ بداية الأزمة وكانت جميعها تصبّ في هدف واحد تمثل في "إنشاء كيان كردي مستقل" على غرار "كردستان العراق" وعلى هذا الأساس كانت العلاقة مع دمشق تشهد تذبذبات وتقلبات لا حصر لها، وكان المحرك الأساسي لهذه التقلبات "أمريكا" التي مدّت يد العون للأكراد في بداية انتفاضهم في وجه الحكومة السورية ودخلت بينهم بحجة "دعمهم" لمحاربة التنظيم الإرهابي "داعش" وتمكنت واشنطن من خلال هذه الحجة أن تكسب الأكراد لصفها من جهة والضغط على تركيا من جهة ثانية وإثارة القلاقل في المنطقة من جهة أخرى.
أمريكا خذلت الأكراد في كل من سوريا والعراق مراراً وتكراراً وهذا ما دفع الأكراد في سوريا للتوجه نحو دمشق بهدف إجراء حوار مع الحكومة السورية في 27 تموز 2018، وفي 28 كانون الأول، بعد بضعة أيام من إعلان أمريكا قرار سحب قواتها من سوريا وعلى ضوء التهديدات التركية، دعت وحدات حماية الشعب الكردية النظام السوري إلى نشر قواته في منبج، ودخلت القوات السورية مناطق في محيط المدينة لأول مرة منذ نحو ست سنوات.
وفي 24 كانون الثاني 2019، طالب القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية مظلوم كوباني دمشق بالحفاظ على "خصوصية" قواته وضمان بقائها كقوة عسكرية في أي اتفاق مستقبلي، وفي 18 آذار، اعتبر وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب أنّ "الورقة الوحيدة المتبقية بيد الأمريكيين وحلفائهم هي قسد" في إشارة إلى قوات سوريا الديموقراطية.
وأضاف "سيتم التعامل معها بالأسلوبين المعتمدين من الدولة السورية: المصالحات الوطنية أو تحرير الأراضي التي يسيطرون عليها بالقوة".
الحكومة السورية تحدثت بلغة الترغيب والترهيب لأن الموقف الكردي لم يكن واضحاً فيما يخص "الحوار مع دمشق، والعلاقة مع أمريكا "وكان المستغرب أن الأكراد وبالرغم من الخذلان المتكرر لهم من الطرف الأمريكي إلا أنهم ينجذبون نحوهم على وجه السرعة وهذا ما أخاف الحكومة السورية.
اليوم تقول واشنطن أنها تريد الانسحاب وهذا ما يخيف الأكراد، حيث يخشى هؤلاء من أن يصبحوا لقمة سائغة للأتراك الذين هددوا مراراً بالدخول إلى شمال شرق سوريا على غرار ما حصل في عفرين، لذلك عاد الأكراد مجدداً للتمليح لفتح صفحة جديد مع دمشق، ومنذ أيام، قال بدران جيا كرد مستشار الإدارة التي يقودها الأكراد والتي تدير شمال وشرق سوريا، إن النصر على داعش في الباغوز سيكون إيذاناً بمرحلة جديدة.
وقال القيادي الكردي إن ضرورة دخول دمشق في حوار جاد باتت أكثر إلحاحاً الآن، وإن "الكرة الآن في ملعب روسيا ودمشق".
دمشق وكما ذكرنا سابقاً لم تغلق الباب على الإطلاق في وجه الأكراد وسبق أن رحب نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بالحوار مع القوات الكردية التي تريد إبرام اتفاق مع دمشق، قائلاً: "إذا كان بعض الأكراد يدّعون أنهم جزء لا يتجزأ من الدولة ومن شعب سوريا فهذه هي الظروف المواتية، لذلك أنا أشعر دائماً بالتفاؤل".
وتابع "نشجع هذه الفئات والمجموعات السياسية على أن تكون مخلصة في الحوار الذي يتم الآن بينها وبين الدولة السورية"، مضيفاً إنه يجب الأخذ في الاعتبار أنه لا بديل عن ذلك.
لكن الحكومة السورية في الوقت نفسه لن تقبل بأن يحظى الأكراد بكيان مستقل له إدارته الذاتية الخارجة عن مؤسسات الدولة السورية، وعلى اعتبار أن دمشق تقف في موقع قوة خلال هذه المرحلة، خاصة بعد سيطرتها على أغلبية الأراضي السورية وبعد قرار واشنطن بالانسحاب وتهديد أنقرة بالهجوم، فإن أمام الأكراد خياران اليوم حددتهما القيادة السورية، إما المصالحة أو استخدام القوة.
في الختام.. إصرار الأكراد على الاحتفاظ بمؤسساتهم وقواتهم العسكرية قد يجبرهم على الدخول في معارك جديدة هم بغنى عنها، خاصة وأنهم سيواجهون هذه المرة جيوش دول وليس تنظيمات مسلحة، ونعتقد جازمين أن الحكومة السورية لن تتخلى عن 30 في المئة من مساحة البلاد، التي تتضمّن أبرز حقول الغاز والنفط " أي 90 بالمئة من الثروة النفطية بالإضافة إلى 45 بالمئة من إنتاج الغاز في سوريا"، فضلاً عن سدود على نهر الفرات وأراض زراعية وثروات مائية.