الوقت- مع اقتراب المراحل النهائية للأزمة في سوريا واستقرار الأوضاع الأمنية في معظم أنحاء البلاد خاصة بعدما تمكّن أبطال الجيش السوري ومحور المقاومة من القضاء على الجماعات الإرهابية التي كانت تصول وتجول في معظم المحافظات السورية، أصحبت قضية عودة اللاجئين السوريين في وقتنا الحالي من القضايا الساخنة التي تدور في أروقة الساحات الدولية والعالمية، وبالإضافة إلى الحكومة السورية، تسعى الدول المجاورة لـ"دمشق"، التي استضافت جزءاً كبيراً من هؤلاء النازحين خلال السنوات الماضية، إلى إيجاد حلول جذرية لقضية عودة اللاجئين السوريين بأسرع وقت ممكن إلى بلداتهم ومناطقهم التي استقر الأمن فيها.
وحول هذا السياق، أعربت العديد من المصادر الإخبارية عن تصاعد السجال في لبنان حول عودة النازحين السوريين، حيث بلغ ذروته بين الفرقاء السياسيين في لبنان، وداخل حكومة رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري"، الذي سبق وأن أكد أكثر من مرة عن تأييده للمبادرة الروسية حول هذا الملف، في حين أن المزايدة في هذا الخصوص أصبحت هي سيدة الموقف وبصورة خاصة بعد زيارة وزير شؤون النازحين "صالح الغريب" إلى سوريا قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأولى.
وفي السياق نفسه، أبلغ الرئيس اللبناني "ميشال عون" منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، "فريدريكا موغيريني"، يوم الثلاثاء الماضي بأن بيروت تعتزم مواصلة العمل من أجل عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة في بلدهم الذي تمزقه الحرب، دون انتظار حل سياسي.
اللاجئون السوريون وتأثيرهم على الاقتصاد اللبناني
ليس هنالك إحصائيات دقيقة تتعلق بعدد اللاجئين السوريين في لبنان وفي الوقت الذي أعلنت فيه لجنة الأمم المتحدة للاجئين عن وجود حوالي مليون لاجئ سوري في لبنان، إلا أن الحكومة اللبنانية تقدر عدد النازحين السوريين بنحو 1.5 مليون نازح، وفي بعض الإحصاءات غير الرسمية يقدّر عدد النازحين السوريين بنحو 2.5 مليون لاجئ سوري في لبنان.
وعلى الرغم من التباين في هذه الإحصاءات، إلا أن عدد اللاجئين السوريين كان له تأثير سلبي على الاقتصاد اللبناني، نظراً لصغر مساحة لبنان وعدد سكانها، وحول هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الإخبارية اللبنانية بأن وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين في لبنان أدّى إلى إضعاف الخدمات العامة، وخفض النمو الاقتصادي، وارتفاع أسعار الإيجارات، وزيادة العمالة الماهرة الرخيصة، وخاصة في قطاع البناء، ما أدّى إلى انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة وانتشار معدلات الفقر في البلاد.
من جهته أعرب رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في مؤتمر "سيدر" الذي عقد في فرنسا في أبريل 2018 بحضور حوالي 40 دولة وعدد من المنظمات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لمساعدة الاقتصاد اللبناني، حيث قال: "إن الوضع الاقتصادي اللبناني في حالة يرثى لها، وقبل وصول اللاجئين السوريين إلى لبنان، بلغ معدل النمو الاقتصادي السنوي في البلاد تقريبا 8٪، لكنه الآن تراجع ووصل إلى حوالي 1٪".
وهنا تشير العديد من التقارير الإخبارية إلى أن نسبة الدين العام في لبنان بلغت حوالي 16.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولفتت تلك المصادر إلى أن صندوق النقد الدولي توقّع أنه بحلول عام 2023 سيقترب الدين العام اللبناني من 180 في المئة، وهو أعلى مستوى في العالم بعد اليابان وهذه المشكلات الاقتصادية ترجع إلى احتضان لبنان مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من وطنهم لسنوات عديدة.
وعلى الرغم من كل هذه المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، إلا أن المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية لتغطية تكاليف اللاجئين أقل بكثير من توقعات الحكومة اللبنانية.
ضغوط خارجية وخطوات متزعزعة للحريري
لقد تحسّنت الأوضاع الأمنية في سوريا خاصة بعدما تمكّن الجيش السوري ومحور المقاومة من القضاء على الإرهابيين، إلا أن المجتمع الدولي لا يزال يمارس الكثير من الضغوط لمنع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وهذا الأمر تسبب بالكثير من المشكلات الاقتصادية للحكومة اللبنانية.
وفي هذا الصدد، وصف نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ "نعيم قاسم"، سوريا بأنها الجهاز التنفسي للاقتصاد اللبناني، حيث قال : "إن الأمريكيين يريدون استخدام لبنان كوسيلة لممارسة الضغط على سوريا بشأن قضية النازحين"، وأعرب "قاسم" عن أمله في أن يعطي رئيس الوزراء اللبناني لهؤلاء الذين يمارسون الضغوط عليه لمنع عودة اللاجئين السوريين، الأسباب المقنعة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وأشار "قاسم" إلى تصرفات بعض الدول الغربية والعربية مثل الدول الأوروبية والسعودية، التي تسعى وتهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان.
وعلى نفس المنوال، أعرب وزير الخارجية اللبناني "جبران باسيل" في يونيو / حزيران الماضي بأن التقارير كشفت بأن مفوضية اللاجئين تقوم بإخافة اللاجئين السوريين بقطع المعونات المالية والإنسانية عليهم وبالخدمة العسكرية وتشجعهم على عدم العودة إلى سوريا.
لكن على الرغم من وجود ضغوط غربية على الحكومة اللبنانية، وبالأخص على "سعد الحريري"، إلا أن الرئيس اللبناني "ميشال عون" والعديد من التيارات السياسية اللبنانية دعوا إلى زيادة التعاون مع العاصمة السورية "دمشق" لتسريع عملية عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم التي أصبحت آمنة بعدما تمكّن أبطال الجش السوري ومحور المقاومة من القضاء على معظم الجماعات الإرهابية وفي سياق متصل، اجتمع "صالح الغريب"، وزير شؤون اللاجئين اللبناني، مع الرئيس "ميشال عون" ورئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" الأسبوع الماضي ليقدّم لهم تقريراً حول المحادثات البنّاءة التي قام بها مع المسؤولين السوريين في دمشق والتي تتعلق بقضية عودة اللاجئين السوريين.