الوقت- لم يحرق قطعان المستوطنين بالأمس في نابلس علي سعيد دوابشة فحسب، بل أحرقوا قلوب مئات الملايين ممن ترفض إنسانيتهم هذه الأفعال العدوانية البشعة. دفن أبناء الشعب الفلسطيني بالأمس الرضيع علي سعيد دوابشة الذي قضى على ايدي اربعة مستوطنين اضرموا النار في بيته في منطقة دوما جنوب نابلس في الضفة الغربية، ليحيي واقعاً جديداً يؤكد حقيقة الإرهاب الحاقد الذي يتغلغل في قلوب المستوطنين الإسرائيليين، والذي يترجمونه بأفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ ما قبل نشأة الكيان الإسرائيلي.
يأتي هذا الإجراء العدواني الإسرائيلي بعد أيام قليلة على اقتحام قوات الکيان الإسرائيلي والمستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، وفي ظل الحديث عن هدنة ووقف إطلاق نار بين كافة الفصائل الفلسطينية والكيان سواء في الضفة أو القطاع. ولا ريب في أن حرق الرضيع الذي لم يتجاوز الـ18 شهراً، ومن قبله قيام المستوطنين بحرق الصبي الفلسطيني محمد ابو خضير من الداخل والخارج، كذلك قتل قوات الامن الاسرائيلي للوزير زياد ابو عين في وضح النهار وهو يتظاهر سلميا ضد استيطانها، وغيرها من الأفعال الإجرامية في ظل إستمرار المفاوضات السرية مع السلطة في رام الله وإعتبار التنسيق الأمني بمثابة "كتاب مقدّس"، هو السبب الرئيسي في إستمرار هذا الكيان في عنجهيته.
إن هذا الفعل الإجرامي يضع السلطة الفلسطينية في رام الله امام مسؤولية كبيرة في ظل الدعوة الاخيرة لحركة حماس برفع الأولى(السلطة) يدها عن المقاومة لتتمكن من القيام بدورها في حماية المقدسات، فعندما كانت تنحاز قوى الامن الفلسطينية الى معاناة شعبها، وينضم معظم كوادرها الى المتظاهرين والثائرين، اثناء الانتفاضة الثانية، كانت سلطات الكيان تستجدي الهدنة، ويحسب هذا الكيان وقطعان مستوطنيه ألف حساب قبل إرتكاب أي جريمة بحق أبناء الأرض.
إن سلطات الكيان الإسرائيلي قضت على كل الاصوات التي صدحت حناجرها بالهدنة مؤخراً رغم إدراكنا أن كافّة هذه الإدعاءات لا تعدو عن أقاويل كاذبة، تهدف للنيل من عزيمة المقاومة في غزة، إضافةً إلى خلق الفتنة بين كافّة الفصائل الفلسطينية. لا بل بات الجميع يطالب بأن تتحمل السلطة الفلسطينية مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني عبر توفير السلاح لكل الفلسطينين، ما ينذر بنتائج عكسية لإجراءات الکيان الإسرائيلي مؤخراً، أي "إنتفاضة جديدة".
لقد جعلت جريمة الطفل الرضيع علي دوابشة جنود الکيان وكافّة مستوطنيه أهدافا مشروعة للمقاومة في كل مكان وفي كل الحالات، حيث يتبيّن أن هؤلاء المستوطنين لن يرتدعوا إلا برد يتناسب مع إجرامهم، كما ان سلطات الکيان الإسرائيلي لن تتوانى عن إقتحام القدس إلا اذا واجهت هبة جماهيرية واسعة دفاعا عن الاقصى ورداً على جريمة إحراق الطفل دوابشة.
كذلك يتوجّب حالياً على السلطة الفلسطينية إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين لديها والتوقف عن ملاحقة المقاومين، لأنها باتت تدرك عدم جدوى التفاوض مع الکيان الإسرائيلي، فلا سبيل لإيقاف جرائم المحتل إلا بالمقاومة الشاملة بكل أشكالها. فهل نجحت المفاوضات في الحد من الجرائم البشعة بحق الشعب الفلسطيني طوال السنوات الماضية؟ وهل أفضت الهدنة مع الكيان الإسرائيلي إلى توقف الإستيطان في الضفة عموماً والقدس على وجه الخصوص؟
الغريب أن السلطة الفلسطينية أذعنت حالياً على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة "أن هذه الجريمة ما كانت لتحدث لولا إصرار الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار بالاستيطان وحماية المستوطنين. كما أن صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم وإفلات الإرهابيين القتلة من العقاب أدى إلى جريمة حرق الرضيع دوابشة، كما حدث مع الطفل محمد أبو خضير"، كما أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سلطان أبو العينين طالب بتوفير السلاح لكل الفلسطينيين، إلا أنه يتضح من خلال بعض إجراءات السلطة أن عباس الحريص على التنسيق الأمني، سيكتفي بإرسال ملف حول جرائم هذا الکيان وجريمة حرق الرضيع دوابشة على أيدي المستوطنين إلى محكمة الجنايات الدولية.
نخشى أن ينخرط عباس حالياً، عن قصد أو عن غير قصد، في تمرير محاولة التنصل من هذه الجريمة من قبل رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي ووزرائه، من خلال إطلاق تصريحات الإدانة لها ولمرتكبيها، لا يمكن أن تنطلي على أحد. وحتى لا تكون السلطة الفلسطينية شريكةً في قتل الطفل البريء، يتوجّب عليها دعم، وعدم الإعتراض في أحسن الاحوال، على تحركات الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربية، خاصةً أن المقاومة في غزّة حزمت أمرها في إستهداف الكيان الإسرائيلي.
يعتبر نتنياهو وحكومته قادة المستوطنين والمسؤولون بشکل مباشر عن الجرائم التي تُرتكب كل يوم بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن دفن علي دوابشة أحيى إنتفاضةً جديدة على كافّة الأراضي الفلسطينية، وفتح باب التسليح على الضفة الغربية كما هو الحال في قطاع غزّة. ويتوجّب على السلطة تحمّل مسؤوليتها تجاه أبناء شعبها سواءً عبر حمايتهم بكافّة الأساليب التي تؤمن حق الدفاع عن النفس، أو إطلاق كافة المعتقلين المقاومين الذين يقضون مضاجع الكيان وجيشه ومستوطنيه.