الوقت- على الرغم من جميع التدخلات السافرة من قبل السعودية والإمارات لإخراج سكان المهرة اليمنية عن هدوئهم وإدخالهم في بوتقة الحرب لأهداف نعرفها جيداً، لم يفلحوا في ذلك وظل سكان هذه المحافظة صامدون في وجه جميع القوات التي أرادت تغيير وجه المحافظة وإغراقها بالدماء.
سكان المهرة يرون في وجود القوات السعودية والإماراتية انتهاكاً للسيادة الوطنية وزعزعة أمن واستقرار محافظتهم البعيدة عن كل الحرب التي تطحن البلاد منذُ أكثر من ثلاث سنوات أي منذ مطلع العام 2015، وكانت تنتشر فيها قوات موالية للحكومة اليمنية، غير أن القوات السعودية بسطت نفوذها منذ 2018، وسيطرت على مطار الغيضة مركز المحافظة، والمنافذ الرئيسية وميناء نشطون ومديريات سيحوت وحوف وقشن، لكن الاحتجاجات تصاعدت ضد الوجود السعودي ما دفع الإمارات للعودة مجدداً للمحافظة عبر "المجلس الانتقالي".
الإمارات التي تحاول العودة مجدداً إلى المهرة عبر تشكيل مليشيا خارج أجهزة الدولة كتلك التي في عدن والمكلا وشبوة، كان لديها أطماع كبيرة في هذه المحافظة الآمنة حتى قبل السعودية، وقد بدأت الإمارات بالتواجد في هذه المحافظة بإنشاء تشكيلات عسكرية، وشراء ذمم ولاءات سياسيين وشخصيات قبلية، لكن النفوذ الإماراتي قوبل برفض زعماء قبائل مقربين من سلطنة عمان، وبدا أن حمى الاحتجاجات الشعبية التي أثبتت نجاحها في محافظة أرخبيل سقطرى وأجبرت القوات الإماراتية على مغادرة الجزيرة في مايو/ أيار الماضي، قد أعطت دفعة للمهريين في رفع صوتهم والمطالبة بحقوقهم.
البداية
أولاً يجب أن نذكر أهمية المهرة والأسباب التي دفعت الإمارات والسعودية للتوجه نحوها.
تكتسب المهرة، أهمية استراتيجية باعتبارها ثاني كبرى محافظات البلاد مساحة بعد حضرموت، وتمتاز بشريطها الساحلي الأكثر طولاً، بنحو 560 كليو متراً، وتربطها حدود برّيّة مع سلطنة عمان، من ناحية الشرق، وبقيت في مأمن من الحرب التي باتت تعصف بالبلد منذ قرابة 4 سنوات.
ومن الناحية السياسية تعلم كل من الرياض وأبوظبي أن سلطنة عمان لها نفوذ كبير في محافظة المهرة، وذلك بحكم القرابة والعلاقات الأسرية والزيجات، فضلاً عن كون سكان المهرة يذهبون للعمل في السلطنة، ونحن نعلم جيداً أن كلا البلدين غير معجب بالسياسة الحيادية لدولة عمان ويريدان أن يجبراها على الانخراط في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، في البداية كانت المحاولات عبر تجنيس بعض سكان المهرة من قبل الإمارات لضمّهم إلى حلفها كونها تعلم جيداً بأن سكان المهرة لديهم روابط قوية مع عمان وهناك زيجات وأعداد كبيرة منهم يذهبون إلى السلطنة للعمل وكسب الرزق، وعندما عجزت الإمارات عن فعل أي شيء حرّضت السعودية على الانخراط بالأزمة هناك وإشعال الوضع بحجّة محاربة الجماعات المتطرفة هناك وإرسال مساعدات، وبعد أن تكشّفت نوايا الإمارات والسعودية بدأ الغضب الشعبي الذي لم يعد يستطيع تحمّل المزيد من المضايقات السعودية التي تحوّلت في محافظتهم إلى حدّ الاستعمار.
وبعد كل المحاولات لإغراق المهرة في فوضى النزاعات العسكرية لم تصل السعودية مرادها، وها هي تسحب قواتها من الموقع العسكري الجديد لها في مديرية حوف بالمحافظة، بعد رفض أهالي المنطقة وجود أي قوات لا تخضع للسلطة المحلية بالمديرية.
وكانت مديرية حوف شهدت توتراً ملحوظاً خلال اليومين الماضيين عقب اقتحام القوات السعودية المبنى القديم للسلطة المحلية لاستحداث موقع عسكري جديد دون التنسيق مع السلطات، ودون علمها.
وهددت السلطات التعليمية في المنطقة بإيقاف الدراسة، كما أعلن شيوخ وأعيان المديرية رفضهم القاطع لاستحداث أي وجود عسكري لا يخدم مصلحة أبناء حوف، حسب قولهم.
وكان الوكيل السابق لمحافظة المهرة اليمنية الشيخ علي سالم الحريزي دعا أبناء المحافظة، نهاية الشهر الماضي، إلى الدفاع عن أرضهم ولو بقوة السلاح إذا رفضت القوات السعودية المغادرة، واتهم القوات السعودية بالتحكم في منافذ المحافظة.
ومن جديد، تحاول الإمارات بسط نفوذها على محافظة المهرة شرقي اليمن، المحاذية لسلطنة عمان، مع دعوة ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي لها شباب المحافظة للالتحاق بقوات "النخبة المهرية".
وتأتي محاولة أبو ظبي للوجود في المحافظة - التي تعدّ ثاني كبرى محافظات اليمن حجماً - رغم فشلها منتصف 2017 في تحقيق خطوة مماثلة، بعد أن حاولت استقطاب ألفي جندي لإنشاء قوات موالية لها في المنطقة على غرار قوات الحزام الأمني في مدينة عدن ومحافظات الجنوب، وقوات النخبة الشبوانية في شبوة، والنخبة الحضرمية في حضرموت.
ووقتها لم يستجب إلا عدد محدود من الشباب، لتنسحب الإمارات مجبرة من المهرة مع كل المعدّات العسكرية التي كانت قد قدمتها للمحافظة، ونقلتها إلى محافظة شبوة.
انتهاكات ضد سكان المهرة
أفاد تقرير صدر عن وزارة حقوق الإنسان اليمنية بأن القوات السعودية ترتكب انتهاكات في محافظة المهرة شرقي البلاد.
وجاء في التقرير أن السعودية استقدمت للمهرة قوات من جنسيات غير يمنية، ومنعت أبناء المحافظة من الالتحاق بالقوة العسكرية والأمنية، ويضيف التقرير أن القوات السعودية أدخلت السلاح الخفيف والثقيل والمتوسط إلى المهرة، ووزّعته على جماعات مشبوهة.
كما يفيد بأن القوات السعودية استقدمت جماعات متشددة إلى مديرية قشن بمحافظة المهرة ومدتهم بالمال والسلاح، كما حولت القوات السعودية مطار الغيضة وميناء نشطون في المهرة إلى ثكنات عسكرية، كذلك أنزلت كميات كبيرة من السلاح وحرمت الأهالي من استخدام المطار والميناء.
ويؤكد أن القوات السعودية مارست من قاعدتها بمطار الغيضة سلطة اعتقال المواطنين والتحقيق معهم وترحيلهم إلى الرياض، كما أنها رفضت السماح للنيابة العامة أو أي جهة رسمية بزيارة معتقل مطار الغيضة لتقصي الحقائق.