الوقت- يبدو أن الحراك السلمي في جنوب اليمن قد بدأ بعمليات تصعيدية على خلفية التعنّت الإماراتي الذي يحاول إجهاض هذا الحراك بالقوة واعتقال المحتجين ومصادرة حقوقهم، ويأتي هذا التصعيد بعد أن استهدف مسلحون مجهولون "الخميس" مقرّ قوات التحالف في مديرية البريقة بمدينة عدن بقصف مدفعي مباغت وكثيف دفع القوات التابعة للإمارات لإعلان حالة استنفار عالية قبل أن تقوم بالرد على تلك القذائف بعدد من الصواريخ إلى أجواء مدينة عدن ظناً منها أن القصف جاء بصواريخ أنصار الله شمال اليمن، حسب ما تناولته وسائل إعلام بعد تلك الانفجارات التي هزّت المدينة، وهو ما لم تعلن عنه "أنصار الله" أو تتبناه، وهو ما يؤكد أن المقاومة الجنوبية المناهضة للوجود العسكري الأجنبي في الجنوب قد بدأت بتنفيذ أول عملياتها بقصف مقر التحالف الذي تتخذه القوات الإماراتية مقراً للحكم العسكري وغرفة عمليات عسكرية، ويأتي هذا التصعيد المفاجئ بعد أسابيع من انطلاق تظاهرات شعبية تطالب تحالف العدوان بالرحيل من الجنوب.
وإذا كانت دولة الإمارات لم تتقبل بعد تلك التظاهرات التي تنادي برحيلها وتعتبرها أصواتاً فردية مدفوعة لا تمثل الجنوب، فكيف تتقبل مثل هذا التصعيد الذي يفنّد ادعاءاتها في رغبة الجنوبيين بسلطتها وبقائها، ويهدد أمنها ويزيد من قلقها ومخاوفها، فكان طبيعياً أن تصرف الأنظار عن هذا التصعيد وأن تختلق رواية تتناسب مع سياساتها وتقلل من أهمية الحدث وخطورته، فعمدت إلى تسويق رواية مفادها أن الهجوم حدث من قبل مسلحين حاولوا اقتحام بئر أحمد في عدن، وأشارت إلى أن اشتباكات عنيفة جرت في محيط سجن بير أحمد عقب انفجار صاروخ أطلقته طائرة أباتشي إماراتية حاولت تفريق عناصر مسلحة هاجمت بوابة سجن بئر أحمد مساء الخميس، ووفقاً للرواية فإن مسلحين شنوا هجوماً مسلحاً على بوابة السجن الواقع بمنطقة بير أحمد ما أدّى إلى قيام حراسة السجن بتبادل إطلاق النار مع المهاجمين، وبعد إصرار المهاجمين على اقتحام بوابة السجن استعانت حراسة السجن بالطيران الإماراتي ليقوم بشن هجوم صاروخي محاولاً تفريق المهاجمين، وهي رواية ركيكة تكشف مدى الخوف والتخبط الإماراتي من التصعيد المفاجئ والخطير الذي لن تكون عواقبه سليمة، وستتوسع وتتصاعد مثلها مثل الاحتجاجات التي بدأت في عدن حتى شملت جميع مدن الجنوب.
هذه التطورات جعلت تحالف العدوان يتراجع عن مذكرة الاعتقال التي أصدرها بحق وكيل محافظة المهرة السابق الشيخ علي سالم الحريزي على خلفية مساندته ودعمه للاحتجاجات المطالبة برحيل الاحتلال، هذه المذكرة كان الحريزي قد رد عليها بالقول بأنها لا تعنيه، ولن توقف مسيرة الاحتجاجات الشعبية في المحافظات اليمنية ضد الوجود السعودي، وما أسماها "المشاريع الاستعمارية"، مشيراً إلى أنه كان يتوقع إجراءً من هذا القبيل، ويفهم أنّ التعليمات ليست من القيادات العسكرية اليمنية أو حكومة هادي، وإنّما من قيادات التحالف وتحديداً السعودية والإمارات اللتان تحتلان الجنوب، ويرجع الحريزي سبب إصدار هذه المذكرة إلى كشفه ما أسماها بـ "الحقائق" للعالم، وهي أنّ السعودية والإمارات أصبحتا دولتين محتلتين، والإمارات لا تسمح للرئيس هادي بالإقامة فيها، كما لا تسمح باستخدام الميناء والمطار، وأيضاً في حضرموت هناك ضباط إماراتيون هم من يديرون حضرموت الساحل.
وفيما يتعلق بمحافظة المهرة أوضح الحريزي في لقاء مع "العربي الجديد" أن الاحتلال السعودي قد بدأ مؤخراً بالعمل على طريق يتم عبره مد أنبوب للنفط دون أي تنسيق مع الدولة اليمنية أو السلطة المحلية، ويضيف: "إنّ التحالف يتعامل معنا كـ"حيوانات وليس بشر"، وبالتالي نحن رفعنا الصوت ورفضنا هذه الإجراءات وسنستمر بذلك لأنّنا بشر وهذه أرضنا، وعلى السعوديين أن يتوقفوا عن هذه المشاريع الاستعمارية، ويردف الحريزي القول: "إذا كان وصفهم بالمحتلين قد أزعجهم، ووجهوا القيادات العسكرية اليمنية في حضرموت باعتقالي، فعليهم أن يرحلوا من المحافظة ويوقفوا أطماعهم، ولن يكونوا بعد ذلك محتلين، وهنا أسأل الحكومة الشرعية: هل يعقل أن يتم إعادة إعمار اليمن بدءاً من منطقة الخرخير الواقعة في الربع الخالي؟ نحن أمام مؤامرة كبيرة وعلينا أن ننتبه لها، ومستعدون للتضحية بكل ما نملك في سبيل حماية أرضنا، إذا كانوا صادقين في عملية إعادة الإعمار، هناك مناطق تضررت ودمّرت من الحرب، فلماذا لا يقومون بإعادة إعمارها؟
ويختم الحريزي حديثه بالقول: "سياسات التحالف السعودي الإماراتي دفعت الشعب إلى أن يثور عليه في المهرة وفي شبوة وفي عدن وفي حضرموت، وما حدث مؤخراً من تمزيق وحرق صور قادة الإمارات، خير دليل على هذا الأمر.
بقلم: فؤاد الجنيد