الوقت - تقترب نهاية الماراتون بين المنافسين الإقليميين والدوليين في الأزمة السورية، والذي امتد لسنوات، وانتصرت الحكومة المركزية وحلفاؤها فعلياً في المعركة ضد الإرهاب والخطط الغربية والعربية لتغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، والمنهزمون يهرولون للحصول على حصة صغيرة من تحديد المعادلات المستقبلية بعد إنفاق الكثير من الأموال وفرض المزيد من التكاليف المالية والبشرية على الشعب السوري، وفي هذه الأثناء، فإن أحد الفاعلين المهزومين الذي وسع من إجراءاته العدوانية هو الكيان الإسرائيلي، حيث دخل بالفعل مرحلة إعلان الحرب على سوريا من خلال هجماته العدوانية على هذا البلد، ومساعدة الإرهابيين من خلال إنقاذهم من الهاوية.
على مدار العام الماضي ولا سيما مع تضييق حلقة الحصار على الجماعات الإرهابية المنتشرة جنوب سوريا والمتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، شهدت سماء سوريا عدة مرات نيران دفاعاتها الجوية لصد الهجمات الصاروخية الإسرائيلية، ومع ذلك فإن ما شغل أذهان المحللين والمراقبين للتطورات السورية بعد هذه الهجمات، هو انتظار معرفة نهاية صمت موسكو بوصفها واحدة من القوى الرئيسية الداعمة لدمشق حيال الهجمات الإسرائيلية، وكانت روسيا قد توعدت من قبل بنشر منظومة S300 و S400 الجديدة في مدن طرطوس ودمشق واللاذقية في عام 2016، لزيادة خطر الهجمات الغربية بقيادة أمريكا، ولكنها لم تنفّذ تهديداتها حتى الآن، مع ذلك، فإن إسقاط الطائرة الروسية "إليوشن"20 في 17 من سبتمبر في اللاذقية، بعد اعتداء الطائرات الإسرائيلية المقاتلة على سوريا، وتبادل إطلاق النار بينها وبين الدفاع الجوي السوري، يمكن أن يتحول إلى بوابة لتغيير معادلات اللعبة بين موسكو وتل أبيب في سوريا، والانتقال إلى مرحلة قطع التعاون، وتأكيداً على هذه القضية، حمّل المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية "إسرائيل" المسؤولية عن سقوط الطائرة العسكرية الروسية، معتبراً هذه الخطوة انتهاكاً لاتفاق 2015 بين موسكو وتل أبيب، وفي 21 سبتمبر 2015، وبعد زيارة نتنياهو لموسكو والاجتماع مع بوتين، أعلن عن اتفاق بين الجانبين لتنسيق العمليات في سوريا لمنع المواجهة العسكرية، ومع ذلك فإن هذا الاتفاق قد اهتزّ جداً في الأشهر القليلة الماضية، والسبب في ذلك هو تصعيد العدوان الإسرائيلي على سوريا، ما جعل موسكو تدرك أن هذه الاعتداءات تهدد مصالحها في هذا البلد.
التناقض الجوهري للمصالح في سوريا
على الرغم من أن الروس كانوا دائماً يدينون في مواقفهم السياسية أي عدوان على سوريا من قبل أي طرف كان، وحتى أنهم يمزجون في بعض الأحيان هذه المواقف بنكهة التهديد بعد الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري، ولكن نهج موسكو حيال هذه الهجمات بشكل عام، اعتمد .سياسة الصبر والانتظار، وهي السياسة التي أثارت من جهة خيبة أمل دمشق من عدم دخول موسكو الجاد والحاسم في هذه القضية، ومن جهة أخرى كان يمكن أن يكون لها تأثير غير مرغوب فيه تجاه تعاون موسكو- طهران المتزايد، للتحوُّل إلى تحالف استراتيجي أمام سياسات التدخل الغربي لتغيير الإحداثيات الأمنية والسياسية للنظام الإقليمي لغرب آسيا، بحيث إن بقاء الهجمات الإسرائيلية من دون رد قد أثار موجةً ضخمةً من الدعاية الغربية والعربية حول إضعاف التعاون بين موسكو وطهران في الساحة السورية، هذا على الرغم من أن هذه الدعاية ليست مبنيةً بأي حال من الأحوال على قراءة مناسبة للتطورات في سوريا والمنطقة، إذ إنه بعد الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على قاعدة تيفور في أبريل 2018، احتج الروس بشدة على التصرفات الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى توتر دبلوماسي بين الجانبين، بحيث اضطر وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان للقول في مؤتمر صحافي: "إن تل أبيب لا تقبل أبداً بأن تضع روسيا حدوداً لأنشطة إسرائيل في سوريا أو المنطقة، والقوات العسكرية الإسرائيلية تتمتع بحرية كاملة في التصرف".
والحقيقة هي أنه مع اقتراب عملية تحرير إدلب واحتمالية الهزيمة الكاملة للكيان الإسرائيلي في سوريا (في أعقاب تقوية وجود المقاومة على طول الحدود مع الأراضي المحتلة ووصول الجيش السوري إلى الجولان المحتل بعد عدة عقود)، فإن قادة هذا الكيان قد بدؤوا جهودهم للحفاظ على سخونة هذه الأزمة واستمراريتها، من خلال إجبار أمريكا على التدخل بشكل أكبر في التحولات، وحتى لو أمكن جلب واشنطن إلى المواجهة العسكرية مع المقاومة في سوريا، وهذا يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لروسيا التي يثقل استمرار الإنفاق على الحرب السورية اقتصادها المحظور، ولهذا السبب فقد ضاعفت موسكو جهودها الدبلوماسية لجلب كل التيارات السورية وممثل الأمم المتحدة إلى آليات أستانا وسوتشي، حتى تتوافر الظروف لتحديد المستقبل السياسي لسوريا ونهاية الأزمة في هذا البلد في أقرب وقت ممكن، وفي هذه الظروف فإن تسليم منظومة S-300 لدمشق يعتبر ردّاً قاطعاً على الوتيرة المتصاعدة للاعتداءات والاستفزازات الإسرائيلية في سوريا.